التدوين المبكر للسنة بين الدكتور صبحي الصالح والمستشرقين
التدوين المبكر للسنة بين الدكتور صبحي الصالح والمستشرقين
Maison d'édition
بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي حول معالم التجديد في فكر الدكتور صُبْحِي الصَّالِح ﵀ (المنعقد في جامعة الجنان ٣ و٤ تشرين الثاني ٢٠٠٦ م).
Genres
في أصل اللغة» (١٨). ثم هذه اللفظة (الأُمِيَّ) جاءت في سياق قرآني واحد فينبغي تفسيرها بمعنى واحد لا بمعنيين متباينين (١٩)، «فإما أن يكون الأمي هو الذي يجهل الشريعة الإلهية، أو هو الذي يجهل القراءة والكتابة» (٢٠).
وعليه فإنه ﵀ يرى أنه بسبب هذه الازدواجية في تفسير اللفظة كبُر «خطأ المفسرين الذين أَوَّلُوا (الأُمِيِّينَ) العرب بجهلة الشريعة الإلهية، على حين أَوَّلوا النبي الأُمِيَّ بالذي لا يعرف القراءة والكتابة» (٢١). فجاء خطؤهم مركبًا مضاعفًا «لأنهم عَوَّلُوا فيه على رأيٍ ضعيف شطروه شطرين، ثم آمنوا ببعضه وكفروا ببعض، وجاؤوا على الأثر برأيهم الصبياني - عبارته -: فأما العرب - بزعمهم - فهم أميون لجهلهم الشريعة الإلهية. وأما النبي فأميٌّ نسبةً إلى هؤلاء الجاهلين، لتعليمه إياهم شريعة الله، فهو نبي هؤلاء الجاهلين. أو نبي هؤلاء الأميين! فهل بعد هذين التفسيرين من تناقض؟» (٢٢).
لقد أدرك، ﵀، البُعد الفكري لتأويلات المستشرقين، فعرضها على موازين النقد العلمي متخذًا اللغة منطلقًا لأنها وعاء كلام الله تعالى وعلى ضوئها يُفهم، والتي يصعب على المستشرقين سبر روحها، ولذلك تأتي تحليلاتهم انتقائية ولا منهجية.
وبعد إثبات تناقض هذه الأقوال، لا بد من تقرير الصواب. وهو ما يقرره وضوح النص القرآني الذي لا يقصد بكلمة الأمي، سواء أكانت وصفًا للعرب أم للنبي ﷺ " إلا الذي لا يعرف القراءة والكتابة " (٢٣)، وهذا المعنى تؤيده اللغة، وجمهور العلماء المسلمين، إذ هو «ما فهمه جمهور المفسرين، وما عليه علماء الأمة إلى يومنا هذا. وحينئذٍ لا يكون في وصف العرب بالأميين غلوٌّ في جهلهم الكتابة، إذ الأمية بهذا المعنى كانت غالبة على كثرتهم، وإنما يكون الغلو يقينًا في ادعاء كثرة الكتابة وأدواتها بين العرب، وفي الزعم القائل إنهم لم يجهلوا الكتابة بل جهلوا شريعة الله، لأن أحدًا من الباحثين لم يأت ببرهان على هذا الرأي العقيم» (٢٤).
وبعد تقريره معنى (الأمي) بأنه الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لم يوافق أيضًا على أن من كان يعرفها بالندرة التي ذكرها بعض العلماء من المسلمين، لأنه يوجد من النصوص ما يدل على أن مكة
_________
(١٨) المرجع السابق نفسه.
(١٩) ينظر المرجع السابق.
(٢٠) " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣.
(٢١) " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣.
(٢٢) المرجع السابق نفسه.
(٢٣) ينظر: ص ٣ من المرجع السابق.
(٢٤) " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣ و٤.
1 / 6