239

The Critique and Clarification in Dispelling the Illusions of Khuzayran

النقد والبيان في دفع أوهام خزيران

Maison d'édition

مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م

Lieu d'édition

فلسطين

Genres

وإنَّ العاقلَ ليأسف -جد الأسف- مما آل إليه أمر المسلمين، من التّضارب والاختلاف في كثير من الأحكام، والتماس كل فريق وسيلة لتأييد قوله، ونصرة نفسه، بعد أن كان الصحابة ﵃ لا يعولون في أمور الدِّين إلا على آية منزَّلة، أو سُنَّة مأثورة، ولا يقيمون وزنًا لغير ذلك، واحتذى على مثالهم من بعدهم حذو القُذَّة بالقُذَّة، ولم يكن أحدُهم إذا رأى الحقَّ في غير ما ذهب إليه ليكبر أن يرجع إلى الحق، وإن لديه من اللسن واللحن في الحُجَّة ما لا يعجزه عن التماس وجه يؤيِّد به قوله، ذلك لأنهم كانوا يتوخّون الحقَّ الصُّراح، ويربأون بأنفسهم عن التَّشبُّث بالأدلة الموهونة، والشُّبَهِ الواهية، ثم خَلَفَ من بعدهم خَلَفٌ اعتقد كلٌّ منهم أنه يصيب سواءَ المفصل، في كل ما يقول، وزعم لنفسه من الرُّسوخ في العلم، والسَّداد في الرَّأي ما شاء، وشاء له الهوى، فأصبح الدين في ذلك ميدانًا للجدل، وحلية للخصام والتَّماحك، وبات من العُسر أن يرى الإنسانُ مسألةً يأمن فيها من خلاف، أو حكمًا يخلو مما يناقضه، ثم تفاقم الأمر، فأفردت كل مسألة في كتاب مستقل، أو بكتب، كما يتمثَّل ذلك جليًا في شرب الدخان (١)، والتَّقليد، والتلفيق، وسماع الآلات، وصلاة ركعتين قبل المغرب، ورفع الصَّوت خلف الجنازة، والتَّهاليل، إلى غير هذا مما يتعذَّر الإحاطة به. ولو أنعمنا النَّظرَ في الأسباب، وبحثنا عن العلل؛ لاتَّضح لنا -بأجلى وجه- أنَّ علّةَ العلل في ذلك: حبُّ الظُّهور، والسَّعيُ وراء السُّمعة.

(١) ذكرتُ في الطبعة الثانية من «التعليقات الحسان» على «تحقيق البرهان في شأن الدخان» للشيخ مرعي الكرمي (ت ١٠٣٣هـ - ١٦٢٣م) تسعة وثمانين عنوانًا لرسائل تراثية صنِّفت في الدخان، ثم استدركتُ -بعد- نحو نصفها، ولعلي أخصُّها في مصنَّف مفرد، والله المستعان.

1 / 239