اعتقاد الأئمة الأربعة
اعتقاد الأئمة الأربعة
Maison d'édition
دار العاصمة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
ـ[الكتاب: اعتقاد الأئمة الأربعة]ـ
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس
الناشر: دار العاصمة - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
Page inconnue
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
أما بعد فقد قمت ببحث موسع لنيل درجة الدكتوراه في
1 / 3
أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وقد ضمنت المقدمة تلخيص عقيدة الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وقد طلب مني بعض الفضلاء إفراد عقيدة هؤلاء الأئمة الثلاثة، ولاستكمال ذكر عقيدة الأئمة الأربعة، رأيت أن أضم إلى ما ذكرته في مقدمة بحثي تلخيص ما بسطته عن عقيدة الإمام أبي حنيفة ﵀ في التوحيد والقدر والإيمان والصحابة وموقفه من علم الكلام.
والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعًا لهدي كتابه والسير على سُنَّة رسوله ﷺ، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد بن عبد الرحمن الخميس
1 / 4
المبحث الأول
بيان أن اعتقاد الأئمة الأربعة واحد في مسائل أصول الدين
ما عدا مسألة الإيمان
اعتقاد الأئمة الأربعة - أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ﵏ هو ما نطق به الكتاب والسُّنَّة وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وليس بين هؤلاء الأئمة ولله الحمد نزاع في أصول الدين بل هم متفقون على الإيمان بصفات الرب وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بد فيه من تصديق القلب واللسان، بل كانوا ينكرون على أهل الكلام من جهمية وغيرهم ممن تأثروا بالفلسفة اليونانية والمذاهب الكلامية ... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
«... ولكن من رحمة الله بعباده أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق كالأئمة الأربعة وغيرهم ... كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن والإيمان وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من أن الله يرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بد فيه من
1 / 5
تصديق القلب واللسان ...» (١).
وقال: «إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ويقولون: إن الله يرى في الآخرة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد ...» (٢).
وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن اعتقاد الشافعي فأجاب بقوله:
«اعتقاد الشافعي ﵁ واعتقاد سلف الأمة كمالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم كالفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين.
وكذلك أبو حنيفة ﵀ فإن الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر
_________
(١) كتاب الإيمان ص٣٥٠، ٣٥١ دار الطباعة المحمدية، تعليق محمد الهراس.
(٢) منهاج السنة (٢/ ١٠٦).
1 / 6
ونحو ذلك موافق لاعتقاد هؤلاء واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وهو ما نطق به الكتاب والسُّنَّة» (١).
وهذا ما اختاره العلاّمة صديق حسن خان حيث يقول:
«فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل وهو مذهب أئمة الإسلام كمالك والشافعي والثوري وابن المبارك والإمام أحمد ... وغيرهم فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين وكذلك أبو حنيفة ﵁ فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء وهو الذي نطق به الكتاب والسنة ...» (٢).
وهاك طائفة من أقوال الأئمة الأربعة المتبوعين أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، فيما يعتقدونه في مسائل أصول الدين مع بيان موقفهم من علم الكلام.
_________
(١) مجموع الفتاوى (٥/ ٢٥٦).
(٢) قطف الثمر ص (٤٧، ٤٨).
1 / 7
المبحث الثاني
عقيدة الإمام أبي حنيفة ﵀
أ- أقوال الإمام أبي حنيفة ﵀ في التوحيد:
أولًا: عقيدته في توحيد الله وبيان التوسل الشرعي وإبطال التوسل البدعي:
(١) قال أبو حنيفة ﵀: «لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] ...» (١).
(٢) قال أبو حنيفة ﵀: «يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام» (٢).
(٣) وقال أبو حنيفة: «لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره
_________
(١) الدر المختار مع حاشية رد المحتار (٦/ ٣٩٦ - ٣٩٧).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ص٢٣٤، واتحاف السادة المتقين (٢/ ٢٨٥)، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص١٩٨.
1 / 8
أن يقول بمعاقد العز من عرشك (١)، أو بحق خلقك» (٢).
ثانيًا: قوله في إثبات الصفات والرد على الجهمية:
(٤) وقال: «لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السُّنَّة
_________
(١) كره الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أن يقول الرجل في دعائه: «اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك» لعدم وجود النص في الأذن به، وأما أبو يوسف فقد جوزه لوقوفه على نص من السنة، وفيه أن النبي ﷺ، كان من دعائه: «اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك» ... وهذا الحديث أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات الكبيرة كما في البناية ٩/ ٣٨٢، ونصب الراية (٤/ ٢٧٢)، وفي إسناده ثلاثة أمور قادحة:
١ - عدم سماع داود بن أبي عاصم لابن مسعود.
٢ - عبد الملك بن جريج مدلس ويرسل.
٣ - عمر بن هارون متهم بالكذب من أجل ذلك قال ابن الجوزي كما في البناية (٩/ ٣٨٢)، (هذا حديث موضوع بلا شك وإسناده محبط كما ترى).
انظر تهذيب التهذيب (٣/ ١٨٩)، (٦/ ٤٠٥)، (٧/ ٥٠١)، وتقريب التهذيب (١/ ٥٢٠).
(٢) التوسل والوسيلة، ص٨٢، وانظر شرح الفقه الأكبر ص١٩٨.
1 / 9
والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، حيٌّ قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه» (١).
(٥) وقال: «وله يد ووجه ونفس، كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس، فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال» (٢).
(٦) وقال: «لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئًا تبارك الله وتعالى رب العالمين» (٣).
(٧) ولما سُئل عن النزول الإلهي قال: «ينزل بلا كيف» (٤).
_________
(١) الفقه الأبسط ص٥٦.
(٢) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٢٧)، تحقيق د. التركي، جلاء العينين ص٣٦٨.
(٤) عقيدة السلف أصحاب الحديث ص٤٢، ط دار السلفية، الأسماء والصفات للبيهقي ص٤٥٦، وسكت عليه الكوثري، وشرح العقيدة الطحاوية ص٢٤٥، تخريج الألباني، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص٦٠.
1 / 10
(٨) وقال أبو حنيفة: «والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء» (١).
(٩) وقال: «وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه» (٢).
(١٠) وقال: «ولا يشبه شيئًا من الأشياء من خلقه ولا يشبه من خلقه لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته» (٣).
(١١) وقال: «وصفاته بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويسمع لا كسمعنا، ويتكلم لا ككلامنا» (٤).
(١٢) وقال: «لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين» (٥).
_________
(١) الفقه الأبسط ص٥١.
(٢) الفقه الأبسط ص٥٦، وسكت عليه محقق الكتاب الكوثري.
(٣) الفقه الأكبر ص٣٠١.
(٤) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٥) الفقه الأبسط ص٥٦.
1 / 11
(١٣) وقال: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» (١).
(١٤) وقال: «وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته» (٢).
(١٥) وقال: «ولم يزل فاعلًا بفعله والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق» (٣).
(١٦) وقال: «من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض» (٤).
_________
(١) العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص٢٥.
(٢) الفقه الأكبر ٣٠١.
(٣) الفقه الأكبر ٣٠١.
(٤) الفقه الأبسط ص٤٦، ونقل نحو هذا اللفظ شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٥/ ٤٨)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص١٣٩، والذهبي في العلو ص١٠١ - ١٠٢، وابن قدامة في العلو ص١١٦، وابن أبي العزّ في شرح الطحاوية ص٣٠١.
1 / 12
(١٧) وقال للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده قال: «إن الله ﷾ في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: ٤] قال: هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه» (١).
(١٨) وقال كذلك: «يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه» (٢).
(١٩) وقال: «إن الله ﷾ في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: ٤]، قال: هو كما تكتب لرجل إني معك وأنت غائب عنه» (٣).
(٢٠) وقال: «قد كان متكلمًا ولم يكن كلم موسى ﵇» (٤).
(٢١) وقال: «ومتكلمًا بكلامه والكلام صفة في الأزل» (٥).
_________
(١) الأسماء والصفات ص٤٢٩.
(٢) الفقه الأبسط ص٥٦.
(٣) الأسماء والصفات (٢/ ١٧٠).
(٤) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٥) الفقه الأكبر ص٣٠١.
1 / 13
(٢٢) وقال: «ويتكلم لا ككلامنا» (١).
(٢٣) وقال: «وسمع موسى ﵇ كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، وقد كان الله تعالى متكلمًا ولم يكن كلم موسى ﵇» (٢).
(٢٤) وقال: «والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي ﷺ، أنزل» (٣).
(٢٥) وقال: «والقرآن غير مخلوق» (٤).
_________
(١) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٢) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٣) الفقه الأكبر ص٣٠١.
(٤) الفقه الأكبر ص٣٠١.
1 / 14
ب- أقوال الإمام أبي حنيفة
في القدر
١ - جاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة يجادله في القدر فقال له: «أما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس كلما ازداد نظرًا ازداد تحيرًا» (١).
٢ - يقول الإمام أبو حنيفة: «وكان الله تعالى عالمًا في الأزل بالأشياء قبل كونها» (٢).
٣ - وقال: «يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدومًا ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودًا ويعلم كيف يكون فناؤه» (٣).
٤ - يقول الإمام أبو حنيفة: «وقدره في اللوح المحفوظ» (٤).
٥ - وقال: «ونقر بأن الله تعالى أمر بالقلم أن يكتب فقال القلم، ماذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى: اكتب ما هو
_________
(١) قلائد عقود العقيان (ق - ٧٧ - ب).
(٢) الفقه الأكبر ص٣٠٢، ٣٠٣.
(٣) الفقه الأكبر ص٣٠٢، ٣٠٣.
(٤) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
1 / 15
كائن إلى يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ [القمر: ٥٢ - ٥٣]» (١).
٦ - وقال الإمام أبو حنيفة: «ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته» (٢).
٧ - ويقول الإمام أبو حنيفة: «خلق الله الأشياء لا من شيء» (٣).
٨ - وقال: «وكان الله تعالى خالقًا قبل أن يخلق» (٤).
٩ - وقال: «نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقًا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة» (٥).
١٠ - وقال: «جميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره» (٦).
١١ - قال الإمام أبو حنيفة: «وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره» (٧).
١٢ - وقال: «خلق الله تعالى الخلق سليمًا من الكفر والإيمان (٨) ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له» (٩).
١٣ - وقال: «وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر، فجعلهم عقلاء فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر، فأقروا له بالربوبية فكان ذلك منها إيمانًا فهم
_________
(١) الوصية مع شرحها ص٢١.
(٢) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٣) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٤) الفقه الأكبر ص٣٠٤.
(٥) الوصية مع شرحها ص١٤.
(٦) الفقه الأكبر ص٣٠٣.
(٧) الفقه الأكبر ص٣٠٣.
(٨) الصواب: خلق الله تعالى الخلق على فطرة الإسلام كما سيبينه أبو حنيفة في قوله الآتي.
(٩) الفقه الأكبر ص٣٠٢ - ٣٠٣.
1 / 16
يولدون على تلك الفطرة، ومن كفر بعد ذلك فقد بدّل وغيّر، ومن آمن وصدق فقد ثبت عليه وداوم» (١).
١٤ - وقال: «وهو الذي قدر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، وكتبه في اللوح المحفوظ» (٢).
١٥ - وقال: «لم يجبر أحدًا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان، ولكن خلقهم أشخاصًا والإيمان والكفر فعل العباد، ويعلم تعالى من يكفر في حال كفره كافرًا، فإذا آمن بعد ذلك فإذا علمه مؤمنًا أحبه من غير أن يتغير علمه» (٣).
_________
(١) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٢) الفقه الأكبر ص٣٠٢.
(٣) الفقه الأكبر ص٣٠٣.
1 / 18
ج- أقوال الإمام أبي حنيفة
في الإيمان
١ - قال: «والإيمان هو الإقرار والتصديق» (١).
٢ - وقال: «الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان والإقرار وحده لا يكون إيمانًا» (٢). ونقله الطحاوي عن أبي حنيفة وصاحبيه (٣).
٣ - وقال أبو حنيفة: «والإيمان لا يزيد ولا ينقص» (٤).
قلت: قوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه وقوله في مسمى الإيمان وأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان. قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الإمام أبي حنيفة في الإيمان وبين عقيدة سائر أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري
_________
(١) الفقه الأكبر ص٣٠٤.
(٢) كتاب الوصية مع شرحها ص٢.
(٣) الطحاوية مع شرحها ص٣٦٠.
(٤) كتاب الوصية مع شرحها ص٣.
1 / 19
وغيرهم والحق معهم.
وقول أبي حنيفة مجانب للصواب وهو مأجور في الحالين، وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العزّ ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن قوله والله أعلم (١).
_________
(١) التمهيد لابن عبد البر ٩/ ٢٤٧، شرح العقيدة الطحاوية ص٣٩٥.
1 / 20
د- قول الإمام أبي حنيفة
في الصحابة
١ - قال الإمام أبو حنيفة: «ولا نذكر أحدًا من صحابة رسول الله إلا بخير» (١).
٢ - وقال: «ولا نتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، ولا نوالي أحدًا دون أحد» (٢).
٣ - ويقول: «مقام أحدهم مع رسول الله ﷺ، ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال» (٣).
٤ - وقال: «ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد ﷺ: أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين» (٤).
٥ - وقال: «أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله ﷺ، إلا بذكر جميل» (٥).
_________
(١) الفقه الأكبر ص٣٠٤.
(٢) الفقه الأبسط ص٤٠.
(٣) مناقب أبي حنيفة للمكي ص٧٦.
(٤) الوصية مع شرحها ص١٤.
(٥) كما في النور اللامع (ق١١٩ - ب) عنه.
1 / 21
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين
١ - قال الإمام أبو حنيفة: «أصحاب الأهواء في البصرة كثير، ودخلتها عشرين مرة ونيفًا وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظانًّا أن علم الكلام أجل العلوم» (١).
٢ - وقال: «كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغًا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة فقالت: رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟.
فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حمادًا ثم ترجع فتخبرني فسألت حمادًا فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلّت للأزواج، فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام وأخذت نعلي فجلست إلى حماد» (٢).
٣ - وقال: «لعن الله عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا ينفعهم فيه الكلام» (٣).
_________
(١) مناقب أبي حنيفة للكردي ص١٣٧.
(٢) تاريخ بغداد ١٣/ ٣٣٣.
(٣) ذم الكلام للهروي ص٢٨ - ٣١.
1 / 22