القول المبين في سيرة سيد المرسلين
القول المبين في سيرة سيد المرسلين
Maison d'édition
دار الندوة الجديدة بيروت
Lieu d'édition
لبنان
Genres
من ابتلاه الله بالأمراض الفتاكة فقضت عليه.
وأما عن موقفهم من أصحاب الرسول ﷺ الذين اتبعوه وأيدوه، فقد كانوا أشد قسوة وعنفًا.
وحسبنا ما روي عن بلال بن رباح ﵁ فقد لاقى من أميه بن خلف أنواعًا من الأذى، وألوانًا من التعذيب لا يصبر عليها إلا مؤمن قوي الإيمان، فكان إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه سيده على وجهه وظهره، ثم يضع حجرًا على صدره، ويقول له: ستظل هكذا حتى تكفر بمحمد وتؤمن باللات.. ولكنه احتمل كل هذه الآلام، وصبر على الأذى والنكال، وكلما التمسوا منه جوابًا، لا يرد عليهم إلا بتلك الكلمة التي ملكت نفسه ومشاعره: أحد، أحد.
وقد رآه أبو بكر يومًا يقاسي أشد العذاب. فقال لسيده أمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته وفتنته عن دين آلهتنا وعبادة أصنامنا.. فعرض عليه أبو بكر ثمنًا له، وما زال يساومه حتى اشتراه وأعتقه في سبيل الله بعد أن خلصه من تعذيب سيده١.
وفي هذا نزل قول الله تعالى: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى، لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ ٢.
١ جاءت قصة بلال هذه مطولة ومختصرة، ومن وجوه كثيرة، وانظر "سيرة ابن هشام" ١/ ٣١٨ و"الاستيعاب" ٢/ ٢٣، وابن سعد ٣/ ١٦٥١١، و"حلية الأولياء" ١/ ١٥٠. ٢ سورة الليل، الآيات ١٤-٢١ وقد جاءت في سبب نزولها غير ما ذكر المصنف، وانظر "الدر المنثور" ٦/ ٦٠٦-٦٠٧.
1 / 121