السيرة النبوية - راغب السرجاني

Ragheb El-Sergany d. Unknown
90

السيرة النبوية - راغب السرجاني

السيرة النبوية - راغب السرجاني

Genres

زرع الأمل والثقة في نفوس المؤمنين بوعد الله بالنصر والتمكين السبب الرابع: زرع الأمل في نفوس المؤمنين: إذا أحبط الإنسان فلا أمل في صبره ولا نصره ولا تمكينه، يقول سبحانه: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف:١٢٨]. لابد من صبر حتى يكون هناك تمكين، فربنا ﷾ حتى يعلم المسلمين الصبر يريهم الأمل، وأن الأرض ستكون لهم. إذًا: هذه من أهم النقاط التربوية في تمكين المؤمنين من الصبر، وبها نفهم موقف الرسول ﷺ لما أتاه خباب بن الأرت ﵁ وأرضاه بعدما اشتد بهم التعذيب، أتى يطلب من الرسول ﷺ أن يدعو للمسلمين أن يرفع الله ﷿ عنهم هذه الغمة. يقول خباب: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ خباب لم يعد يتحمل، فقد عذب تعذيبًا أليمًا، كان يكوى رأسه بالنار، ويوضع على الفحم الملتهب، فطبيعي بالنسبة لرجل مر بكل هذه التجارب الأليمة أن يذهب إلى رسول الله ﷺ يطلب منه الدعاء والاستنصار برب العالمين، وقد كان رد الرسول ﷺ على غير ما نتوقع، فقد غضب رسول الله ﷺ حتى ظهر ذلك في وجهه، يقول خباب كما جاء في البخاري: (فقعد رسول الله ﷺ وهو محمر وجهه، وقال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض حفرة فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). من المؤكد أن غضب الرسول ﷺ في هذا الموقف لم يكن لمجرد طلب الدعاء، بل إن المؤمنين مطالبون بالدعاء في مثل هذه المواقف، لكن الذي حدث أن رسول الله ﷺ شعر أنه قد بدأ ييأس ويفقد الأمل، لذا غضب رسول الله ﷺ ولم يخرجه غضبه عن أسلوبه التربوي الراقي، وذكر له أكثر من طريق ليعلمه بها: الطريق الأول: أنه ربى بالتاريخ، وذكر له أحداثًا من التاريخ، فالمؤمنون من قبله قد مروا بما هو أشق، والناس عادة تصبر على مصائبها إذا رأت أن غيرها قد ابتلي بمصائب أشد. الطريق الثاني: أنه زرع الأمل في قلبه وبيقين كامل، (والله ليتمن هذا الأمر)، فاطمأن أنه في يوم من الأيام سيمكن الله ﷿ لدينه. الطريق الثالث: التذكير بالله ﷿ والتعظيم لقدره فلا يخاف إلا الله، كما قال: (لا يخاف إلا الله). الطريق الرابع: أن يأخذ بالأسباب، يقول: (والذئب على غنمه)، ليس معنى التوكل على الله ﷿ أنك لا تأخذ بالأسباب، لا، فما زالت السرية موجودة، وما زال الصبر موجودًا، وما زالت الدعوة إلى الله ﷿ موجودة، فلننتظر التمكين. النتيجة أن خبابًا ﵁ وأرضاه ثبت ولم يتزعزع، ولم يبدل ولم يغير، ثم لم يستعجل بعد ذلك. إذًا: الدرس الذي نأخذه من هذا الموقف: أنك لو وصلت إلى هذه الدرجة من الإيذاء فلا تستعجل، إذ لابد وأن يمكن الله ﷿ لهذا الدين.

7 / 12