فصل ووصل
الوحي، ففترة الوحي، فالأمر بالإنذار، فالدعوة الفردية السرية، فالدعوة الجماعية الجهرية، فالهجرة الأولى إلى الحبشة، وإسلام حمزة وعمر ﵄؛ هذه هي للعالم الكبرى لأحداث السنين الست بعد البعثة.
دامت فترة الوحي على الأرجح أيامًا وستة شهور ثم نزل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ فبدأ رسول الله ﷺ الدعوة سرية وفردية واستمر على ذلك ثلاث سنين، ثم أمر بالجهر بالدعوة، فبدأ بعشيرته الأقربين فجهر ودعا فزاد المقاومة والاضطهاد مما اضطر رسول الله ﷺ لاتخاذ دار الأرقم مقرًا سريًا للدعوة والتربية والتعليم والعبادة، وكان ذلك في بداية السنة الخامسة، وفي رجب من السنة الخامسة، هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة وكان مكونًا من اثني عشر رجلًا وأربع نسوة، وفي شوال من نفس السنة عاد هؤلاء بعد أن بلغتهم شائعة أن قريشًا أسلمت فلما عرفوا جلية الأمر رجع بعضهم إلى الحبشة ودخل بعضهم مكة مستخفيًا أو في جوار، واشتد الاضطهاد فكانت الهجرة الثانية إلى الحبشة والتي شارك فيها ثلاثة وثمانون رجلًا وثمان عشر أو تسع عشر امرأة، والذي يبدو أن الهجرة الثانية كانت على دفعات، والراجح أن إسلام حمزة وعمر كان بعد الهجرة الثانية أواخر السنة السادسة من البعثة، والرايات تذكر أن عمر أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلًا وثلاث وعشرين امرأة، أو بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة، أو بعد خمسة وأربعين رجلًا وإحدى وعشرين امرأة، أو بعد ثلاثة وثلاثين رجلًا، والتوفيق بين هذا العدد وبين أن الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا حوالي المئة، إما أن إسلام عمر كان بين الهجرتين فانتعشت الدعوة أو كان بعد الهجرتين، لكن الهجرة الثانية كانت على دفعات وكانت محصلتها العدد المذكور.
وكان المسلمون لا يقدرون يصلون عند الكعبة، فلما أسلم عمر ﵁ قاتل قريشًا حتى صلى عندها وصلى معه المسلمون، وقد قووا بإسلامه وإسلام حمزة ﵄، وجهروا بالقرآن ولم يكونوا قبل ذلك يقدرون أن يجهروا به ففشا الإسلام وكثر المسلمون.