منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Abdul Rahman Al-Shahem d. 1442 AH
85

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

مُسْلِمُون). وقَوله تَعالى: (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) مَعْنَاه: دُومُوا عَلى الإسْلام حَتى يُوافِيكُم الْمَوْت وأنْتم عليه. هَكَذا هُو وَجْه الأمْر في الْمَعْنَى (^١). وأمَّا الرَّازي فَقَد أطَال النَّفَس في رَدّ دَعْوى النَّسْخ، فَقَال: قَال بَعْضُهم: هَذه الآيَة مَنْسُوخَة، وذَلك لِمَا يُرْوَى عَنْ ابنِ عباس ﵄ أنه قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذه الآيَة شَقّ ذَلك عَلى الْمُسْلِمِين؛ لأنَّ حَقّ تُقَاتِه: أن يُطَاع فلا يُعْصَى طَرْفَة عَيْن، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر، وأن يُذْكَر فَلا يُنْسَى، والعِبَاد لا طَاقَة لَهُمْ بِذَلك، فَأنْزَل الله تَعَالى بَعْد هَذه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، ونَسَخَتْ هَذه الآيَة أوَّلَها ولَم يُنْسَخ آخِرها، وهو قَوله: (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وزَعَم جُمْهُور الْمُحَقِّقِين أنَّ القَول بِهَذا النَّسْخ بَاطِل، واحْتَجُّوا عَليه مِنْ وُجُوه: الأوَّل: مَا رُوي (^٢) عن مُعَاذ أنه ﵇ قَال له: هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الله على العِبَاد؟ قَال: الله ورَسُوله أعْلَم. قال: هُو أن يَعْبُدُوه ولا يُشْرِكُوا به شَيئًا (^٣). وهَذا لا يَجُوز أن يُنْسَخ (^٤). الثَّاني: أنَّ مَعْنَى قَوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) أي: كَما يَحِقّ أن يُتّقَى، وذَلك بِأن يَجْتَنِب جَمِيع مَعَاصِيه، ومِثْل هَذا لا يَجُوز أن يُنْسَخ؛ لأنه إبَاحَة لِبَعْض الْمَعَاصِي، وإذا كَان كَذلك صَارَ مَعْنى هذا، ومَعْنَى قَوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وَاحِدًا، لأنَّ مِنْ اتَّقَى الله مَا اسْتَطَاع فَقَد اتَّقَاه حَقّ تُقَاته، ولا يَجُوز أن يَكُون الْمُرَاد بِقَولِه: (حَقَّ تُقَاتِهِ)

(^١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٨٢، ٤٨٣) باختصار، ويُنظر: (٥/ ٣٢١) مِنه. (^٢) "يُنْكَر على المصنِّف قوله في الحديث: (ورُوي) بصيغة تمريض مع أنه حديث صحيح" قاله النووي في المجموع (١/ ١٥) - ومَقْصُوده بالمصنِّف هو الشيرازي صاحِب المهذّب -. (^٣) أوْرَد الرازي الحديث بِمعناه، وهو مُخرّج في الصحيحين. رواه البخاري (ح ٢٧٠١)، ومسلم (ح ٣٠). (^٤) لأن النَّسْخ لا يكون في العقائد والأخبار. قال ابن حزم في "الإحكام" (١/ ٤٧٦): والنَّسْخ لا يَقَع في الأخْبَار. وقال القرطبي: النسخ في الأخبار يَستحيل (الجامع لأحكام القرآن ٥/ ٢٤٥، ٢٤٦). وقال الشاطبي: والأخْبار لا يَدخلها النَّسْخ (الموافقات ٣/ ٣٤٥).

1 / 85