منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Abdul Rahman Al-Shahem d. 1442 AH
46

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

وهم يَطرِدُون ذَلك في أدِلَّة الوَحْيَيْن. قال أحْمَد شَاكِر: إذا تَعَارَض حَدِيثَان ظَاهِرًا، فإن أمْكَن الْجَمْع بَيْنَهُما فلا يُعْدَل عَنه إلى غَيْرِه بِحَالٍ، ويَجِب العَمَل بِهما (^١). المثال الأول: الوَصِيَّة للوَارِث: من أول المواضِع التي دَفَع عنها القُرْطبي التَّعَارُض بالقَول بالنَّسْخ: مَا جَاء في قَوله تَعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين) [البقرة: ١٨٠] مَع قَسْم الْمَوَارِيث في سُورَة النِّسَاء. صورة التعارض: في آية "البَقَرَة" جَوَاز الوَصِيَّة للوَالِدَين والأقْرَبِين، وفي آيات سُورَة النِّسَاء إعْطَاء كل ذي حَقٍّ مِنْ الوَرَثة حقَّه. قال القرطبي: اخْتَلَف العُلَمَاء في هَذه الآيَة: هَلْ هِي مَنْسُوخَة أو مُحْكَمَة؟ فقيل: هي مُحْكَمَة ظَاهِرها العُمُوم ومَعْنَاهَا الْخُصُوص في الوَالِدَين اللذين لا يَرِثَان كَالْكَافِرَين والعَبْدَين، وفي القَرَابَة غَير الوَرَثَة، قَالَه الضحاك وطاوس والحسن واختاره الطبري .... وقَال ابن المنذر: أجْمَع كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنه مِنْ أهْل العِلْم على أنَّ الوَصِيَّة للوَالِدَين اللذين لا يَرِثَان والأقْرِبَاء الذين لا يَرِثُون - جَائزَة. وقال ابن عباس والحسن أيضًا وقتادة: الآيَة عَامَّة، وتَقَرَّرَ الْحُكْم بِهَا بُرْهَة مِنْ الدَّهْر، ونُسِخَ مِنْها كُلّ مَنْ كَان يَرِث بآية الفَرَائض. وقد قيل: إن آية الفَرائض لم تَسْتَقلّ بنَسْخها، بل بضَميمَة أُخْرى، وهي قَوله ﵇: "إنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فَلا وَصِيَّة لِوَارِث". رَواه أبو

(^١) البَاعِث الْحَثِيث شَرْح اخْتِصَار عُلُوم الْحَدِيث (٢/ ٤٨٢).

1 / 46