179

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

وبِمِثْل ذَلك قال النَّسَفيّ: وكَرَّرَ (يَسْأَلُونَكَ) و(إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) للتَّأكِيد، ولِزِيَادَة (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا)، وعَلى هذا تَكْرِير العُلَمَاء في كُتُبِهم لا يَخْلُوَنَّ الْمُكَرَّرُ مِنْ فَائدَة (^١). وبِمِثْلِه قال الشوكاني: أمَرَه اللهُ سُبحانه بأن يُكَرِّر مَا أجَاب بِه عَليهم سَابِقا، لِتَقْرِير الْحُكْمِ وتَأكِيدِه. وقِيل: لَيْس بِتَكْرِير، بَلْ أحَدُهُما مَعْنَاه الاسْتِئْثَار بِوُقُوعِها، والآخَر الاسْتِئْثَار بِكُنْهِها نَفْسِها (^٢). ورَجَّح ابن كثير أنَّ مَعْنى الآيَة: كَأنك بِها عَالِم. فإنه ذَكَر الأقْوَال في الآية ثم قَال: وقال عَبد الرحمن بن زَيد بن أسْلم: (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا): كَأنك بِهَا عَالِم، وقَد أخْفَى الله عِلْمَها عَلى خَلْقِه، وقَرأ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان: ٣٤] الآيَة. وهَذا القَول أرْجَح في الْمَعْنى مِنْ الأوَّل (^٣). رأي الباحث: لَيْس في الآيَة تِكْرَار، لأنَّ قَولَه: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) لِوُقُوعِها، وقَولَه: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) لكُنْهِها وحَقِيقَتِها. أوْ أنَّ التِّكْرَار في الآية للتَّأكِيد. وأنَّ في الآية تَقْدِيمًا وتَأخِيرًا: والْمَعْنَى: يَسْأَلونَك عَنها كَأنك حَفِيّ بِهِمْ.

(^١) مَدَارِك التَّنْزِيل وحَقائق التَّأْويل، مرجع سابق (٢/ ٥٠). (^٢) فتح القدير، مرجع سابق (٢/ ٢٧٣). (^٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٦/ ٤٧١).

1 / 179