167

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

وقيل: الْمَعْنَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ) يَعْني آدَم ﵇، ثم قُلْنا للمَلائكَة: اسْجُدُوا لآدَم، ثم صَوَّرْنَاكُم على التَّقْدِيم والتَّأخِير. وقيل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ)، يعني آدَم، ذُكِر بِلَفْظ الْجَمْع لأنه أبو البَشَر، ثم صَوَّرْناكُم رَاجِع إليه أيضًا، كَمَا يُقَال: نَحْن قَتَلْنَاكُم، قَتَلْنَا سَيِّدَكُم. (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) وعلى هذا لا تَقْدِيم ولا تَأخِير، عن ابن عباس أيضًا. وقِيل: الْمَعْنَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ) يُرِيد آدَم وحَواء، فآدَم مِنْ التُّرَاب وحَوَّاء مِنْ ضِلع مِنْ أضْلاعِه، ثم وَقَع التَّصْوير بَعْد ذَلك، فَالْمَعْنَى: ولَقَد خَلَقْنَا أبَويكُم ثُمّ صَوَّرْنَاهُما، قَالَه الْحَسَن. وقِيل: الْمَعْنَى: خَلَقْنَاكُم في ظَهْر آدَم ثُمّ صَوَّرْناكُم حِين أخَذْنَا عَليكُم الْمِيثَاق. هذا قَول مجاهد، رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح. قال النحاس: وهذا أحْسَن الأقْوال: يَذهب مُجَاهِد إلى أنه خَلَقَهم في ظَهْر آدم، ثم صَوَّرَهم حين أخَذ عَليم الْمِيثَاق، ثم كَان السُّجُود [لآدَم] (^١) بَعْدُ. ويُقَوِّي هذا: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الأعراف: ١٧٢] والْحَدِيث: أنه أخْرَجَهم أمْثَال الذَّر فَأخَذَ عليهم الْمِيثَاق (^٢).

(^١) ما بين المعكوفتين زيادة من "مَعاني القرآن". (^٢) معاني القرآن (٣/ ١٣)، ويُشير النّحّاس إلى الحديث الذي رواه مالك (ح ١٥٩٣) عن مُسلم بن يَسار الجهني أنَّ عُمَر بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، فقال عمر ﵁: سمعت رسول الله ﷺ سئل عنها؛ فقال رسول الله ﷺ: إنّ الله ﷿ خَلَق آدَم ثُمّ مَسَحَ ظَهْرَه بِيَمِينِه، فاسْتَخْرَج مِنه ذُرّية، فقال: خَلَقْتُ هَؤلاء للجنَّة وبِعَمَلِ أهل الجنة يَعْمَلُون، ثم مَسَحَ ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خَلَقْتُ هؤلاء للنَّار وبِعَمَلِ أهْل النَّار يَعْمَلُون .... الحديث. ومن طريق مالك رواه أحمد (ح ٣١١)، وأبو داود (ح ٤٧٠٣)، والترمذي (ح ٣٠٧٥)، والنسائي في الكبرى (ح ١١١٩٠). قال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا مجهولًا. وقال محققو المسند: صحيح لغيره. وروى الترمذي (ح ٣٠٧٦) من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: لَمَّا خَلَق الله آدَم مَسَح ظَهْرَه فَسَقَطَ مِنْ ظهره كُلّ نَسَمَة هُو خَالِقها مِنْ ذُريتِه إلى يَوم القيامة .... الحديث. وسيأتي تخريجه.

1 / 167