منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
Genres
وأجَاب السمعاني عن سُؤال قد يَنْشَأ: ما مَعْنى التَّوَفِّي وعِيسى في الأحْيَاء؟ فَقال: فيه أقْوال:
قال الْحَسَن البَصْري: مَعْنَاه: إني قَابِضُك مِنْ الأرْض. وهو صَحِيح عند أهْل اللغَة فيُقَال: تَوَفّيتُ حَقّي مِنْ فُلان، أي قَبَضْتُ.
وقال الفرّاء: فِيه تَقْدِيم وتَأخِير، وتَقْدِيره: إن رَافِعُك إليّ ومُتَوفِيك، أي بَعْد النُّزُول مِنْ السَّمَاء.
ثم قال: وهذا التَّقْدِيم والتَّأخِير الذي ذَكَرْنا في الآية مَحْكِيّ عن ابن عباس، ولَه قَول آخَر: أنَّ الآية على حَقِيقَة الْمَوت، وأنَّ عِيسى قد مَات، ثم أحْيَاه الله تَعالى ورَفَعَه إلى السَّمَاء.
قال وهب بن منبه: أمَاتَه الله ثَلاث سَاعات مِنْ النَّهَار ثم أحْيَاه الله ورَفَعه إليه.
وقال الرَّبيع بن أنس: التَّوَفِّي هو النَّوم، وكان عِيسى قد نَام فَرَفَعَه الله نَائمًا إلى السَّمَاء.
ثم أشَار إلى الرَّاجِح فَقَال: والْمَعْرُوف القَولان الأوّلان (^١).
واسْتَدَلّ الثعلبي بآيات أُخَر على مَعْنَى التَّوَفِّي، فَقَال:
اخْتَلَفُوا في مَعْنَى التَّوَفِّي ههنا:
فقال كعب والْحَسَن والكَلبي ومَطر الورَّاق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: مَعْنَاه: إني قَابِضُك ورَافِعُك مِنْ الدُّنيا إليَّ مَنْ غَيْر مَوت. يَدُلّ عليه قَوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة: ١١٧]، أي: قَبَضْتَنِي إلى السَّمَاء وأنا حَيّ؛ لأنَّ قَومَه إنَّمَا تَنَصَّرُوا بَعْد رَفْعه لا بَعْد مَوتِه.
وعلى هذا القول للتَّوَفِّي تَأويلان:
(^١) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٢٣، ٣٢٤).
1 / 146