132

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

Genres

المثال الأول: الْمَلَكين بِبابِل: قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) [البقرة: ١٠٢] مع قوله تعالى في الآية نفسها: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ومع قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا) [الإسراء: ٩٥] ومع قوله تعالى عن الملائكة: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء: ٢٦، ٢٧]. صورة التعارض: وَصْف السِّحْر بأنه كُفْر، وأنَّ الشَّياطِين هي التي تُعلِّمه، ثم وَصْفُه بأنه مِمَّا أُنْزِل على الْمَلَكَين، مَع كَون الملائكة عِبَاد مُكْرَمُون، وهُم مِنْ العَالَم العُلْوي. ولذلك قال الْحَسَن: عِلْجَان، لأنَّ الملائكة لا يُعَلِّمُون السِّحْر (^١). جمع القرطبي: قال القرطبي: قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) "مَا" نَفِي، والوَاو للعَطْف على قَولِه: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)، وذلك أنَّ اليَهُود قَالُوا: إنَّ الله أنْزَل جِبْرِيل ومِيكَائيل بالسِّحْر؛ فَنَفَى الله ذلك، وفي الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير، التَّقْدِير: ومَا كَفَر سُلَيمَان ومَا أُنْزِل على الْمَلَكَين، ولكِنَّ الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمون النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت؛ فَهَارُوت

(^١) ذَكَره البغوي في "معالم التنزيل" (١/ ٩٩)، وذَكَره غيره ممن أتَى بَعْدَه.

1 / 132