The Afro-Asian Idea
فكرة الإفريقية الآسيوية
Chercheur
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Maison d'édition
دار الفكر
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Lieu d'édition
دمشق سورية
Genres
مالك بن نبي
مشكلات الحضارة
***************
فكرة الإفريقية الآسيوية
في ضوء مؤتمر باندونغ
ترجمة عبد الصبور شاهين
إعداد ندوة مالك بن نبي
دار الفكر المعاصر- بيروت لبنان
دار الفكر-دمشق سورية
1 / 1
فكرة الافريقية الآسيوية: في ضوء مؤتمر باندونغ تأليف مالك بن نبي
ترجمة عبد الصبور شاهين.
1 / 2
مشكلات الحضارة
تأليف
مالك بن نبي
ترجمة عبد الصبور شاهين
***************
فكرة الإفريقية الآسيوية
في ضوء مؤتمر باندونغ
دار الفكر المعاصر- بيروت لبنان
دار الفكر-دمشق سورية
1 / 3
الطبعة الثالثة
١٤٢٢ هـ = ٢٠٠١ م
ط٢: ١٩٨١م
1 / 4
المحتوى
_________
الموضوع ..................................................... الصفحة
_________
المحتوى ....................................................... ٥
الإهداء ........................................................ ٩
الوصية ........................................................ ١١
مقدمة الطبعة الثانية ............................................ ١٣
المقدمة ......................................................... ١٧
تنبيه ........................................................... ٢٠
تمهيد .......................................................... ٢١
الجزء الأول .................................................... ٢٩
الرجل الأفرسيوي في عالم الكبار
١ - أبناء المستعمرات الأفرسيوية وعالم الكبار ................... ٣١
٢ - (التعايش) أو الوجود المشترك والاستعمار المشترك .......... ٥٥
٣ - مشكلة الرجل الأفرسيوي ................................... ٧٥
الجزء الثاني .................................................... ٩٣
بناء الفكرة الأفرسيوية
١ - صفحة من التاريخ ........................................ ٩٥
٢ - أوان المسؤولية ............................................ ١٠٩
٣ - الكتلة العربية الاَسيوية .................................... ١٢١
٤ - مشكلة الحضارة ........................................... ١٢٩
٥ - نظرات عامة في الثقافة الأفرسيوية ........................ ١٤١
٦ - مبادئ اقتصاد أفرسيوي فعال .............................. ١٥٥
الجزء الثالث .................................................. ١٧٥
رسالة فكرة الأفرسيوية
١ - فكرة الأفرسيوية والتعايش ................................. ١٧٧
٢ - فكرة الأفرسيوية والعالمية ................................. ١٩٩
٣ - العالم الإسلامي وفكرة الأفرسيوية ......................... ٢٢٥
1 / 5
_________
الموضوع ..................................................... الصفحة
_________
٤ - أوربا وفكرة الأفرسيوية ........................................ ٢٥٥
٥ - نتيجة البحث ................................................ ٢٦٩
1 / 6
من أجل الشعوب المكافحة في سبيل الحرية والسلام
1 / 7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ....﴾
قرآن كريم
طوبى لصانعي السَّلام ..... لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون
إنجيل متى
1 / 8
الإهداء
إلى قيادة الثورة الثقافية التي بدأت فصولها تجري في العالم الإسلامي منذ تركزت فيه بعض المجهودات الموفقة لتضع الشعوب والأفكار في مكانها القيادي
1 / 9
* نظرًا لكثرة ورود عبارة الافريقية الآسيوية في صفحات الكتاب آثرنا أن نرمز إلى مضمون هذه العبارة بتركيب (الأفرسيوية) تجنبًا للإطالة والملل وذلك بقطع النظر عن قاعدة النحت اللغوي.
1 / 10
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
في عام ١٩٧١م ترك أستاذنا مالك بن نبي- ﵀ في المحكمة الشرعية في طرابلس لبنان، وصية سجلت تحت رقم ٢٧٥/ ٦٧ في ١٦ ربيع الثاني ١٣٩١هـ الموافق ١٠ حزيران ١٩٧١م، وقد حملني فيها مسؤولية كتبه المعنوية والمادية.
وتحملًا مني لهذه الرسالة، ووفاءً لندوات سقتنا على ظمأ صافي الرؤية، رأيت تسمية ما يصدر تنفيذًا لوصية المؤلف بـ (ندوة مالك بن نبي).
والتسمية هذه، دعوة إلى أصدقاء مالك بن نبي وقارئيه، ليواصلوا نهجًا في دراسة المشكلات، كان قد بدأه.
وهي مشروع نطرحه بوصفه نواة لعلاقات فكرية، كان ﵀، يرغب في توثيقها.
وإنني لأرجو من أصدقاء مالك وقارئيه، مساعدتنا على حفظ حقوق المؤلف في كل ما ينشر بالعربية أو الفرنسية مترجمًا من قبل المترجمين أو غير مترجم. فقد حمّلني- ﵀ مسؤولية حفظ هذه الحقوق، والإذن بنشر كتبه. فإن وجدت طبعات لم تذكر فيه إشارة إلى إذن صادر من قبلنا، فهذه طبعات غير مشروعة، ونرجو إبلاغنا عنها.
طرابلس لبنان ١٨ ربيع الأول ١٣٩٩هـ
١٥ شباط (فبراير) ١٩٧٩م
عمر مسقاوي
1 / 11
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدِمَة الطبعَة الثانية
لو كنت أنا مقدم الطبعة العربية الأولى لهذا الكتاب في أواخر ١٩٥٧م، لكنت لا شك مهتمًا بإظهار كل التوقعات المتشائمة التي كانت تعبر عنها الصحافة والتصريحات الرسمية في بعض العواصم الغربية تجاه الفكرة الأفرسيوية التي كانت تمثل كمًا وكيفًا تكتلًا هائلًا من الطاقات البشرية والمادية.
وكيف لا يهتم بظاهرة مثل هذه من يعيش من واشنطن إلى موسكو على محور القوة، ويخضع كل مقاييسه السياسية والثقافية أولًا إلى مبدأ ترجيح كفته، ما يمكن، بفائض من الطاقة على الآخرين.
ولكنني أكتب هذه المقدمة اليوم، أي بعدما يقرب من خمس عشرة سنة من ظهور الطبعة العربية الأولى؟
فماذا سأقول؟
إنني لا أريد أن أتورط في دراسة تحليلية لكل العوامل التي تدخلت، منذ مؤتمر باندونغ سنة ١٩٥٥م، لإفشال الفكرة الأفرسيوية. بينما نرى، في نظرة شاملة، أن هذه العوامل تتوزع على الخريطة العالمية بطريقة متساوية. إذ عملت في الحقيقة كل يد، على إفشال الفكرة الخطيرة.
ولو كنت، رغم تحفظي، متورطًا في مثل هذه الدراسة، لما زدت سوى أن أذكر قصة هذا الكتاب ذاته بكل تفاصيلها، ولكنها قصة نتركها لشاهد القرن إن شاء أن يتورط فيها.
1 / 13
وحسبي هنا أن أذكر فحسب، وبإيجاز وتلميح فقط، الجانب الذي قد يفيد من الناحية النظرية، كمزيد من التجربة والخبرة، بعض شبابنا الملتزم.
إن مؤتمر باندونج كان قطعًا في نظر المختصين بالسياسة العالمية، أخطر ظاهرة برزت (في العالم الثالث) بعد الحرب العالمية الثانية. الظاهرة التي كانت تحمل في طياتها الصواعق والبراكين التي كان يخشى المستر جون فوستر دلاس، حتى قبره، عواقبها بالنسبة إلى كل المخططات التي رحمت من أجل تسيير العالم، كما سار خصوصًا في البلاد العربية.
ولكن، ما كان للطاقات البشرية والمادية التي تجمعت في باندونج، أن تطلق تلقائيًا الصواعق وتفجر البراكين، في صورة ثورة للعالم الثالث على النظم الاقتصادية والسياسية والثفافية التي وضعت في القرن التاسع عشر لتسييره، طبقًا لمصالح عليا معينة.
يقول المفكر الفرنسي، دي بونالد، المعاصر للثورة الفرنسية، والمقاوم لها: «إن ما صنع الثورات هو دومًا الكتاب من الإنجيل إلى الميثاق الاجتماعي».
إذا صحت هذه النظرة في الأشياء البشرية، وإنني أعتقدها صحيحة، نقول:
إن مؤتمر باندونج سنة ١٩٥٥م، وبعده مؤتمر القاهرة سنة ١٩٥٧م، قد جمعا فعلًا كل شروط ثورة العالم الثالث، إلا شرطًا واحدًا، وهو شرط إطلاق الشرارة الفكرية الضرورية لإضرامها.
بل نقول، ونحن بصدد تقديم الطبعة الثانية لهذا الكتاب: إن كل الاحتياطات قد اتخذت، داخل العالم الثالث وخارجه، حتى لا تنطلق هذه الشرارة.
ويكفينا دليلًا على صحة هذا التقرير أن نقول للقارئ الكريم: إن مؤتمر القاهرة، كان من بين تقاريره إنشاء «جائزة أفرسيوية» على غرار جائزة نوبل أو جائزة لينين.
1 / 14
ولكن الواقع يضطرنا أن نقول: إن جائزة نوبل وُزعت، منذ مؤتمر القاهرة، سبع عشرة مرة، دون أن توزع الجائزة الآفرسيوية مرة واحدة.
ولعل شر ما قدم خدمة للفكرة الأفرسيوية، هو هذا الكتاب ذاته، لأنه صدر من ... عربي!!
وليس بأيدينا، ولا في رغبتنا اليوم، أن نقدم خدمة لفكرة ماتت، بل قتلت في المهد، وقتلتُها جاهلون.
وإنما الغرض الوحيد من هذه الطبعة هو أن نعطي للشاب المسلم العربي صورة صحيحة، بقدر الإمكان، عن الخطوط العريضة للتطور في العالم تحت تأثير العامل التكنولوجي، نحو العالمية.
وأن نقدم له، على وجه الخصوص، الملاحظات التي ضمناها فصل الاقتصاد الأفرسيوي، وفصل «العالم الإسلامي والفكرة الأفرسيوية».
بيروت ١٤ يونيو ١٩٧١
م. ب. ن.
1 / 15
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
ظللت أحمل القلم في يدي ساعات طوالًا وأنا أحاول أن أبدأ كتابة مقدمة هذا المؤلف العجيب، وكلما تقدم بي الوقت كنت أحس مزيدًا من التردد، وهممت أكثر من مرة أن أعتذر لمؤلفه الفيلسوف العربي الجزائري عن كتابة المقدمة شاكرًا له حسن ثقته، لولا أنني خشيت ألا يصدق الأخ الفيلسوف أن سبب اعتذاري عن الكتابة هو أنني أحسست بالعجز، مما جعلني أحس بالرهبة، وأشعر بالتردد كلما أوغلت في قراءة المؤلف سطرًا بعد سطر، وصفحة بعد صفحة ..
والمؤلَّف بحث علمي، ولكنك ستشعر بالدفء، وتستمتع بالطلاوة، وكأنك تقرأ قصة متسلسلة محبوكة، تنساب حوادثها في رفق ولين ثم لا تلبث أن تجري في عنف وهدير، وهي بين هذا وذاك قصة حقيقية يفوق واقعها كل ما يمكن أن يبدعه خيال الفنان ..
إنها قصة كتلة الشعوب المتحضرة التي تسكن أوربا وأمريكا، وكتلة الشعوب المستعمَرة التي تسكن آسيا وإفريقية ..
وفيلسوفنا صاحب هذا المؤلف من الكتلة الثانية، كتلة الشعوب المستعمَرة التي تسكن آسيا وإفريقية، وعلى التحديد من الجزائر العربية التي تدور على أرضها اليوم أعنف وأقدس معركة من أجل تقرير مصير الجنس البشري كله، ومن أجل الحفاظ على القيم الإنسانية العليا، التي داستها دول الكتلة الأولى
1 / 17
المتحضرة، ومع ذلك فإن فيلسوفنا وهو يخاطب في قصته برابرة الكتلة المتحضرة إنما يتحدث حديث العالم الذي ينفذ إلى أعماق الحقيقة بالسند والبرهان، ويثبت لهم بمنطق العلم الذي اعتقدوا أنه وقف عليهما مدى الحضيض الذي تردوا فيه، على الرغم من أنهم يملكون المصانع والآلات وقنابل الذرة والصواريخ الأيدروجينية.
إن كل إنسان في إفريقية وآسيا، وكل كائن حي في إفريقية وآسيا سيسعد حينما يرى وجهه في هذه المرآة التي صنعها هذا الفيلسوف الذي ينتمي إلى محور طنجة - جاكرتا واستمع إليه معي وهو يصف دخول الكتلة الآسيوية الإفريقية على مسرح السياسة الدولية، إنه يقول:
«إن دخول الشعوب الأفرسيوية على المصرح قد أعاد الازدواج الجغرافي السياسي بطريقة معينة، ولكن في الوقت نفسه أتت هذه الشعوب معها بمبدأ تركيب للعالم، وبإمكانيات تعايش جديد يحمل بوضوح طابع عبقريتها، أعني الشروط الأخلاقية لحضارة لا تكون تعبيرًا عن القوة أو الصناعة ...».
وكل إنسان في كتلة الشعوب المتحضرة في أوروبا وأمريكا لا بد أن يفيق على صرخة فيلسوفنا وهو يشخص لهم أصل الداء الذي يفتك بهم، حين يقول لهم في هدوء الواثق، وروعة الموقن:
«في هذه الحالة الخاصة بالعقل الغربي يجب أن نبحث عن مبعث هذه الجهود المنحرفة، التي لا يكفون عن أن يقفوا بها في وجه الاتجاه الطبيعي للعالم، وفي سبيل التطور السلمي الأفرسيوي. وإن إرادة الكبار بما تتمتع به من حق الاعتراض (الفيتو) في المناقشات الدولية لتعتبر في الواقع التيار المضاد لاطراد التاريخ، تيارًا مضادًا بكل العناصر السلبية التي تملكها حضارة لم تستطع أن تتغلب على مصاعبها الأخلاقية، وهذا الجمود الأخلاقي كله هو الذي يضغط بثقله على المصير الإنساني، معطلًا التاريخ، تاركًا الأحداث تجري في مكانها ..».
1 / 18
ولا يلبث فيلسوفنا أن يحذرقائلًا:
«وهكذا يبدو التاريخ في ربع قرن وكأنه يعيد نفسه، دالًا بذلك على أن شيئًا لم يتغير في الواقع في نفسية الحضارة الغربية ..
ولكن على الرغم من المظاهر فإن التاريخ لا ينضغط ولا يعود إلى الوراء، وليست هناك قوة في الأرض تستطيع أن تحد مجراه أو تعيد اطراده، والواقع أن الذي تكرر في سنة ١٩١٩م وسنة ١٩٤٥م لم يكن التاريخ، وإنما هو محاولة العالم الغربي أن يعيد صنعه لتحقيق مصالحه ..».
وهكذا يسجل فيلسسوفنا في كل صفحة من صفحات هذا المؤلف تاريخ أكبر ملحمة عرفتها البشرية، سجلها حارة امتزجت فيها دماء شهداء الجزائر بدماء شهداء عمان، وبدماء شهداء حرب الاستقلال في الهند، وفي كينيا وفي إندونيسيا، وفي الكمرون، وفي الصين ..
بالدماء التي تسيل اليوم في قلب قارتنا إفريقية وشرقيها وغربيها .. وبدماء سالت أيضًا على أرض فلسطين، وعلى ربى سورية، وتحت أنقاض بور سعيد ..
وهي بعد قصة انتصار الحق على الباطل، وقصة انتصار قوانين الخلق تتمسك بها شعوب إفريقية وآسيا العزلاء على شريعة الغاب التي فشلت أوروبا وأمريكا في أن تفرضها بالأساطيل، والقنابل، والذرة، وكل أدوات الفتك والدمار.
تهنئة لفيلسوفنا على هذا الجهد الرائع المشرف.
وتهنئة لشعوبنا في آسيا وإفريقية المتضامنة من أجل الحق والسلام.
أ. س
١٨/ ١٢/ ١٩٥٧م
1 / 19
تَنْبِيهٌ
لجأ المؤلف أثناء اشتغاله بتأليف هذا الكتاب إلى تصريحات لبعض المسؤولين، وإلى شخصيات سياسية بدت له آراؤها صالحة، لتدعيم موضوعات فكرة الإفريقية الآسيوية. ومع ذلك فهو لم يعمد إلى ربط هذه الموضوعات بالأشخاص، وإنما بالأفكار وحدها. فإن الآشخاص قد تدفعهما بعض الأسباب - وخاصة ما يتصل بسياسة الدولة- إلى أن يتوقفوا أو يتراجعوا، وبرغم هذا فإن التاريخ لا يكف عن التقدم، ولا يعود مطلقًا إلى المواقف التي سبق أن سجلها.
وفكرة الافريقية الآسيوية هي أحد هذه المواقف، التي لن يتخلى عنها التاريخ، فهي تمثل- بالنسبة إلى جزء من الإنسانية- قاعدة للانطلاق نحو تقرير مصيره.
م. ب. ن.
القاهرة في ٦/ ١١/ ١٩٥٦م
1 / 20
تمهيد
هناك فلسفة، منذ عهد (كلوزفتز) (Clausevitz) (١) ترى أن الحرب «استمرار للسياسة بوسائل أخرى»، وذلك يعني في منطق الفعالمية- الذي يعدّ إحدى خصائص العقل الغربي- ضرورة حسم المشكلات الإنسانية بوسائل السياسة أو بوسائل الحرب، أي حسمها على أي حال.
ولكن نار هذه الحقيقة قد خمدت، فإن جيلنا يواجه مشكلات استعصى حلها على سياسة نصف قرن، وعلى حربين عالميتين، وكان الإخفاق في كلا الطريقين مدويًا.
وكان طابع هذه الفترة، هو أن سياسة غير مثمرة- لأنها مجافية للأخلاق- تقود حتمًا إلى حرب مجافية للأخلاق، وبالتالي غير مثمرة، وهذه تؤول مرة أخرى إلى سياسة ترى أن (الخطأ) أقبح من (الجريمة) على ما ذهب إليه مفسرها الأعظم- تاليران (Talleyrand) (٢) .
والأزمة التي ما زال العالم يتخبط فيها، تتصل بواقع يبدو أنه لا يخرج فلكي يحاول أن نرى من أي مهرب يخرج العالم من هذه الحلقة المفرغة، يجب أن نقول أولًا: من أي الطرق دخل إليها.
فمما لا نزاع فيه، أن العالم قد خضع لسيطرة أوروبا الأخلاقية والسياسية منذ قرنين من الزمان، والمشكلات التي لم تستطع السياسة والحروب خلال
_________
(١) كارل فون كلورفتز Karle von Clausevitz، قائد ألماني (١٧٨٥ - ١٨٣١م)، وهو صاحب كتاب مشهور في فلسفة الحرب، عنوانه «في الحرب De la Guerre» .
(٢) تاليران Talleyrand سياسى فرنسى (١٧٥٤ - ١٨٣٨م) دخل ميدان السياسة إبان الثورة الفرنسية، ولعب دورًا هامًا في تخطيط السياسة الخارجية التي اتبعها نابليون الأول.
1 / 21
نصف قرن أن تضع لها حلًا مؤثرًا، إنما تنتج عن هذه السيطرة الأوروبية العليا على الشؤون الإنسانية. فموطن الأزمة موجود في الضمير الأوروبي نفسه، في علاقته بالمأساة الإنسانية.
وهذا يعود إلى القول بأن الأزمة تتصل بتفسير المشكلات أكثر من اتصالها بطبيعة هذه المشكلات. فهي ليست أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار.
وينبغي على أي سياسة- لكي تكون فعالة- أن تكيف وسائلها تبعًا لبعض المفاهيم الإنسانية.
ولكن أوروبا التي استطاعت خلال قرنين من الزمان أن تتحكم في موارد العالم كله، قد وضعت هذه الموارد تحت تصرف النظام الأوروبي فحسب، محتكرة بذلك- من أجل فائدتها وحدها- الحرية والسلام والعمل، فلقد أحدثت في العالم المتحضر تفرقة بين الأخلاق والسياسة، ثم كانت هذه التفرقة بين الرجل الأبيض والرجل الملون.
وهكذا خصص الغرب نظرته بالنسبة إلى المبادئ كما خصصها بالنسبة إلى الرجال، فإذا بنظرته إلى ما هو أوروبي تختلف عما ليس كذلك، فهو يرى بصورة طبيعية مشكلات أوروبا ورجالها، أما حين ينظر إلى مشكلات الشعوب الأخرى، أو حين ينظر إلى هذه الشعوب نفسها فإنه يضع نظارة على عينيه، وإذا بهذه النظرة غير المباشرة لا تتصل بقيم الأخلاق أو بقيم السياسة، وإنما ببعض ما يشبه من قريب جمعية جرامونت (Société Gramont) التي أنشئت في فرنسا من أجل الرفق بالحيوان.
ولقد تمثلت هذه التفرقة في بعض الأحداث المعاصرة في الحياة الدولية، حيث اعتمدت سياسة أمريكا في نهاية الحرب الأخيرة مشروع إرسال مارشال- للشعوب الغربية، كيما تعين هذه الشعوب على النهوض بعد التحرر. واعتمدت لهم أخلاقها المن والسلوى في مشروع (U.N.R.W.A) لإسعافهم مؤقتًا، فكأنها بهذا قد اعتمدت لهم الحرية والعمل والخبز، أو الوسائل الضرورية لكسبها. وفي
1 / 22