Révolution de l'Islam et le Héros des Prophètes : Abou al-Qasim Muhammad ibn Abdallah
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى (سورة النجم).
وكان للعرب ثالوث وأنثى، فحسبوا اللات اسما للإلهة التي كانت في عقيدتهم ونظرهم زوجة للإله الأعظم. وجاء وحي القرآن بإنكار ألوهية هذه الكائنات واعتبارها من الجن، وقد جردها القرآن الكريم من صفات الربوبية. وما ورد في الأخبار من خروج جنية من نائلة وغيرها عند كسر صنمها على يد خالد بن الوليد يدل على تأييد هذه الفكرة التي جعلت من هذه الإلهات جنيات؛ أي أرواح شريرة لا خير فيها ولا ربوبية لها، ولكن الوثنيين غضبوا لذلك، كما غضبوا لسب آبائهم وتسفيه أحلامهم واحتقار عقولهم، وقالوا في احتجاجهم إنهم إذا عبدوا الجن فقد عبدوا الشيطان، وهم لم يعبدوا الشيطان أبدا. ولكن احتجاجهم هذا لم يمنع النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يقول في حجة الوداع: «إن الشيطان يئس أن يعبد هنا.» لأن دينهم كان حافلا بالأوهام والخرافات وسخافات المعتقد. غير أن دينهم كان لا يقل شأنا عن غيره من أديان الوثنية - المعاصرة والمجاورة - ولعله يفوق بعضها برسومه ومناسكه وكعبته التي جمعت فأوعت أربابا من كل عقيدة ولون! وكانت ذات كهنة وسدنة ورهبان وقرابين ونذور وعهود ونبوءات ومشاركة دائمة في حياة المجتمع في الحرب والسلم والحلال والحرام والزواج والطلاق والنعيم والبؤس، ولكن هؤلاء الوثنيين ما فتئوا يعتقدون بالله؛ وهو الإله الأكبر، زعيم الآلهة، ويقسمون أحرج الأيمان به، وباسمه (باسمك اللهم) تفتتح المعاهدات والمحالفات وتختم العقود والتعهدات، ولكنه اعتقاد شرك؛ لأنه لم يكن وحيدا ولا منفردا في تدبير العالم، فهو صورة مصغرة أو مشوهة من زفس إله الإغريق الأكبر، بيد أنها وثنية سامية وشرك شرقي، وإذا أقسم أحد به فلا يخطر بباله أن يحنث في يمينه، ولا يخطر ببال أحدهم أن يستغني بإله صغير عن هذا الإله الأكبر؛ لأن الإله الصغير كان معبودا لفريق دون فريق ومقدسا في سبط دون الآخر، ولكن «الله» كان مقدسا عند الجميع، وكان الرجل إذا حدثته نفسه باقتراف إثم أو قسوة وحشية ذكر بالله ليخشاه أو يصده عن الإسراف في الأذى، وأكبر سبة تلحق المرء أن يقال عنه «عدو الله».
ولكن الله هذا كان حاكما ومسيطرا أعلى على الجميع، فلا يحق لفرد أن يتصل به لحساب نفسه، ويحتل في العبادة المكان الأعلى والذروة الرفيعة، والقمة التي لا تنال والمحل الأقصى كما كان زفس رب أرباب اليونان يعتلي صهوة أولمب؛ فكان على كل فرد أن يلجأ في شئونه الخاصة إلى إلهه الخاص، ويطلب إليه - في ذل وانكسار - قضاء حاجته التي لا تبلغ درجة المطالب الكبرى التي تلتمسها الجماعات في أوقات الاضطرار، كالنصر في الحرب أو النجاة من خطر محقق، فكان كل إله من هذه الآلهة قادرا على نفوذ أغراض عابديه في دائرة اختصاصه؛ فلا يتعدى الحدود المعينة له؛ فهو استقلال داخلي في العقيدة!
وقد تناول مؤرخو الأديان العربية البحث فيما إذا كان العرب يقيمون مواسم الحج إكراما «لله» ذلك المعبود الأكبر، أو للآلهة الصغرى. ولكن الثابت أن هبل كان يعبد في الكعبة، وقزح في مزدلفة (الواقدي، ص248)، ويمكن أن نتصور أن هبل كان لله بمثابة «إيل» بالنسبة إلى «ياهوفا» عند العبريين، وكانت القرابين تقدم لكل إله باسمه، وباسم الله، أو «باسمك اللهم» ...
وهكذا تخيل العرب الجاهليون أربابهم على صورة البشر، وجعلوا لها طبقات ودرجات بعضها فوق بعض، وقسموا الاختصاص والنفوذ بينها. ولكن هذا الدين - وقوامه عبادة الأوثان، وعلى رأسها الله - لم يظهر أن هذه الأوثان عبدت لذاتها، أم على أنها بمثابة الوسطاء والشفعاء بين العابدين والمعبود الأكبر، وهذا الغموض لم يكن له أثر معنوي في أخلاق هذه الأمة المغرقة في الجهالة والقصور الذهني.
ولم يكن منهم من يخاف الله أو يخشى الآلهة الأخرى إلا في الندرى، ولم يكن لهذا الدين من ثمرة نافعة سوى الاتفاق على حرمة بعض الأماكن وبعض الأشهر؛ فنظام الحل والحرم - كحلف الفضول - كان سياسيا واقتصاديا قبله العرب لفائدته العملية؛ لأن فترة السلم والأمان في وسط الزعازع لا تقدر بمال للقبائل المشتغلة بالتجارة ونقل البضائع من أقصى الجزيرة إلى أقصاها. وقد دلت البحوث التاريخية على أنه لم يكن عند عرب الجاهلية وازع ديني، ولا رادع خلقي، ولا آداب اجتماعية بالمعنى الذي نفهمه في زمننا هذا أو في أي زمن، بل كانت حياتهم مادية أرضية محضة، لا تحكمها شريعة ولا تكبح جماحها سنة ولا فضيلة، ولا يضبطها ضابط من خصال الاستقامة ولا قاعدة من قواعد الأخلاق التي كانت لليونان والرومان والمصريين والبابليين من الوثنيين؛ فكانت الخمر والخيل والخيلاء، والعشق والثأر والفخر والطغيان، والميسر والحرب والسلب والاعتداء؛ جماع ما يشغل أذهان شعرائهم الذين يمثلون أفكار الشبان والشيوخ. وكان منهم - بلا ريب - قلة يخضعون لمبادئ الشرف - وهو «العرض» - بتأثير الأسرة، أو دفاعا عن «العرض»
2
وحسن السمعة، حتى يكاد الأدب الجاهلي - نثرا وشعرا - يخلو من ذكر أربابهم؛ فهم في غير حاجة إلى تخليدها، وقد يذكرونها ليشتموها، كما فعل امرؤ القيس، أو ليعبروا عن الزهد فيها. وقد يرد اسم أحدها على لسانهم في عرض التغني بانتصار أو التفجع على هزيمة، أو استنجادا في موقعة كما فعل أبو سفيان عندما هتف: «اعل هبل!» في موقعة أحد، فأسقطه محمد رسول الله.
Page inconnue