Révolution de l'Islam et le Héros des Prophètes : Abou al-Qasim Muhammad ibn Abdallah
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
والكنعانيون الذين مدنوا سوريا تمدينا عريقا في القدم لا تعرف بدايته أقدم في الوجود من الشعب السامي الذي استوطن العراق.
والرأي الراجح هو أن أواسط جزيرة العرب منذ القدم ومنذ عصور ما قبل التاريخ كانت آهلة بالسكان، وفي أكنافها تكونت الجماعة السامية الأولى، ومنها ابتدأت هجرة الساميين إلى أطراف تلك الجزيرة العربية وإلى ما وراء هذه الأطراف في مصر وإيران.
وقد قرر البحث المقارن أن أهم اللغات هما المجموعتان السامية والآرية، وأن أعظم الأجناس البشرية وأفضلها ينحصر في الجنسين السامي والآري، وإليهما ترجع الحضارة الإنسانية.
ظهور الإسلام
كان من المعجزات الفذة في تاريخ العالم أن شعبا حديث النشأة ولا عهد له بالحضارة العالمية ينهض فجأة، ويخرج من نطاق الصحراء المحصورة، وتتحد عناصره بعد أن كانت متنافرة مشتتة، ثم يشهر أسلحته - التي طالما مزقت أشلاء القبائل نفسها - على الأمم القاصية والدانية فيقهرها قويها وضعيفها، وفي عشرات السنين استطاع هذا الشعب - الذي كان بعيدا عن مظان القوة والملك - أن يمحو قوة كل من عداه من الشعوب من صحيفة الوجود، ولم تقف همته القعساء في تلك الفترة الوجيزة حتى وقف عند أبواب القسطنطينية.
لقد كانت نهضة الإسلام أسرع في الانتشار من نار الحراج تلتهب وتلتهم كل ما يصادفها، وما زالت حتى بلغت شواطئ المحيط الأطلسي غربا.
ولم تكن تلك الحركة المشتعلة، والنهضة التي لم يسبقها مثال سوى ثمرة جهود رجل واحد، هو النبي محمد
صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن الأمم الأوروبية وغيرها قد تمكنت من إدراك حقيقته؛ لشدة ما ذعرت من سرعة تقدمه، وانهيار بنائها، واندحار جنودها، وانطفاء أنوارها حيال اندفاع تياره وشدة بأسه وبطشه ونوره الجديد الباهر، فلما عجز ملوكهم وقوادهم ووزراؤهم عن مقاومته في ميادين الوغى والسياسة، انبرى كتابهم وشعراؤهم لهجائه والنيل منه؛ فقالوا ما قالوا، وسبوا وطعنوا وقذفوا وشتموا ما شاء لهم الغيظ والحقد والحسرة على ممالكهم الضائعة وتيجانهم الطائحة وشملهم المشتت.
وبقي أهل الرأي فيهم في حيرة يتساءلون عن علة ظهور الإسلام بهذا المظهر العظيم، وكيف أن صوت النبي محمد وحده أيقظ شعبا من سباته، بل خموده الذي تطاولت عليه القرون؟! وكان لفيف منهم اتهم النبي بالادعاء، فلما رأوا المتانة في الأخلاق، والشدة في الحروب، والدقة في التدبير، وشهدوا القوة في جميع مظاهرها المادية والمعنوية، خضعوا لها، وما فتئت القوة في نظرهم الحجة التي لا ترد والوسيلة البالغة. وبعد أن كانوا يقولون: «إن الإسلام حليف الشيطان وثمرة جهود إبليس ومظهر الغضب الرباني على الجنس الإنساني.» (مجموعة التواريخ، تأليف دي تيرو، الكتاب الأول، الفصل الأول) سكتوا ولم يدروا كيف يعللون ما حاروا في فهمه؛ فعدلوا عن القذف والشتم وتحولوا إلى الدرس والبحث والتنقيب لعلهم يهتدون إلى تفسير ذلك الحادث التاريخي، والذي كان من شأنه إخضاع الملايين لصوت رجل واحد كان منهم ونشأ بين ظهرانيهم وترجمة حاله معلومة لديهم.
وكان من مؤرخي الإفرنج من بدأ يهمس بأن النبي لو كان دعيا أو منتحلا أو طالب مجد لنفسه على حساب الرب الذي يدعو إليه، ما وصل إلى أعماق تلك القلوب التي كانت بالأمس متحجرة، ولا استطاع هو مهما أوتي من حذق وبراعة أن يضرب على الأوتار الحساسة في قلوبهم ونفوسهم، لا سيما وأنه جاء لهم بمعتقدات تخالف معتقداتهم وتصدم ميولهم وشهواتهم وتقف حجر عثرة في سبيل آمالهم الدنيوية.
Page inconnue