الأبجدية اليونانية
تعلم اليونان الكتابة وأخذوا رسم الحروف من «قدموس» الفينيقي كما قالوا في تواريخهم ورووا قبل ذلك في أساطيرهم المتواترة؛ مما يدل على قدم العهد باعتمادهم في ثقافتهم على المصادر الفينيقية.
وأيا كان قول المؤرخين والرواة فهذه المسألة - مسألة الأبجدية - من المسائل التي لا حاجة بها إلى التاريخ والرواية؛ لأن أسماء الحروف وأشكالها ومعانيها شاهدة بانتقالها من المصادر العربية، سواء كانت فينيقية أو آرامية أو يمنية من الجنوب.
فالأبجدية تسمى عند اليونان بال «ألفابيتا» وتبدأ بالألف والباء والتاء، ثم تتوالى فيها حروف كثيرة بلفظها العربي في العصر الحاضر على وجه التقريب.
وليس لأسماء الحروف معان مفهومة في اللغة اليونانية، ولكنها بهذه الأسماء مفهومة المعنى في لغتنا العربية العصرية، فضلا عن اللهجات العربية الغابرة.
وأقرب هذه الحروف إلى المعاني العربية الشائعة في أيامنا حرف الباء من «بيت»، وحرف الجيم من «جمل»، وحرف العين من «عين»، وحرف الفاء من «فم»، وحرف الكاف من «كف»، وحرف الميم من «ماء»، وحرف الياء من «يد».
وأشكالها المرسومة قريبة من أسمائها الأولى كما يرى في شكل «البيت» وشكل «رقبة الجمل» وشكل «العين» وشكل «الفم»، وغيرها من الأشكال.
وإذا رجعنا إلى نطق أسماء الحروف كما شاعت أول استعمالها في البلاد العربية تبينت العلاقة بين أشكالها ومعانيها جميعا بغير استثناء حرف واحد من الحروف؛ فكلها أوائل كلمات مفهومة من بقايا الكتابة التصويرية التي ترسم الشكل كله، وتأخذ من الكلمة حرفها الأول عند الكتابة بالحروف.
وليس من اللازم أن تكون الحروف كلها قد شاعت وعمت على صورة واحدة في وقت واحد؛ إذ من المحقق أن حروف العلة تأخرت زمنا طويلا بعد الحروف الساكنة كما نرى من كتابة المبتدئين إلى اليوم، فإن الطفل الناشئ الذي يتعلم الهجاء لا يكتب حروف المد إذا سمع الكلمة ممن يمليها عليه.
كذلك يثبت من تاريخ الكتابة أن الحروف المتشابهة نشأت على التدريج؛ لتميز الأصوات المتشابهة أو التي يسهل الإبدال بينها، ك «التاء والثاء، والحاء والخاء، والدال والذال، والعين والغين»، وغيرها من المتشابهات في نطقها ورسمها، فإنها تتبدل في لفظها اليوم كما كانت تتبدل منذ مئات السنين، ويتبين من تاريخ التدرج في الكتابة أن الحروف المتشابهة وضعت حينا بعد حين للتمييز بينها بعد التباس النطق بها، ووضوح الحاجة إلى تمييزها ببعض العلامات، كعلامات النقط والتذييل.
Page inconnue