الإيمان بالحياة
في ليلة من ليالي الدهر أذكرها، ما وقعت علي مثلها، وعادت بذكرى ذلك الإحساس الذي جعلني أكتب هذا. قمت من النوم فزعا وإشفاقا على تلك الشعلة التي يخشى خمودها، تلك الحياة التي نجلها ولو كان ملؤها الشقاء. فكم من حزين لم يدع له الدهر نعيما إلا سلبه، يتعلق منها بخيط الأماني، ولو سألت رجلا جمع في شخصه ثلاثة فكان المقعد الأصم الأعمى عما يرى في الحياة من النعيم لقال بأن فضيلة البقاء في البقاء؛ لأن في الحياة لذة ليست من تلك اللذات التي تملأ أوقاتها، بل هي حقيقة في نفسها كائنة بنفسها.
سمعت في تلك الليلة صوت النادبات عن قرب فامتلكني الفزع، فجعلت أرفه عني بالتفكير؛ لأن فيه حياة أحسن من الحياة؛ بل هو الحياة. ثم تدليت من النافذة فأخذت وجه السماء بنظرة حائرة، فإذا هو وجه سقيم مثل وجه المرآة إذا نظر إليها الحزين.
وقد يأخذ علينا هذا من يقول إن الطبيعة هي التي تطبع على المرء صورتها الحسنة أو القبيحة، فتعين إحساسه أن يكون ابتهاجا أو امتعاضا، ولقد كاد يكون هذا القول حقا في جميع حالاته لولا أن الإحساس درجات، وقد يبلغ بالمرء درجة يمتلكه فيها فيقيس به الأشياء ويحكم عليها بحكمه، وقد يسلك الإحساس بالمرء مسلك الحزن، حتى ينتهي به إلى هذه الدرجة فيريه الحسن من الطبيعة قبيحا.
من سودت نار الجوى عيشه
يسود في عينه ضوء الضحى
وإذا سلك الإحساس بالمرء مسلك الاستبشار أراه كل شيء من الطبيعة حسنا.
على أن جمال الطبيعة قائم بذاته مهما اختلفت هيئاته وتباينت صوره، فليس الليل المقمر أو الروض الأخضر أو اليوم الأزهر بمغط على بهاء وجلال الليل الخداري والدجن المستقر، وجعلت هذه الأفكار تتردد في ذهن.
كتردد الآمال في
خلد الطموح الممتري
Page inconnue