مُقَدّمَة المُصَنّف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
حمدا لَك يَا واهب كل كَمَال وشكرا لَك يَا مانح الجزيل من النوال وَيَا فاتح الأقفال عَن أَبْوَاب كل إِشْكَال
وصلاتك وسلامك على من ختمت ببعثه سلسلة الْإِرْسَال وعَلى آله أَئِمَّة المعارف والعوارف خير آل
وَبعد فَإِنَّهُ لما من الله بمذاكرة مَعَ بعض الْأَعْلَام فِي شرح نخبة الْفِكر لِلْحَافِظِ الإِمَام الْعَلامَة الشهَاب أَحْمد بن عَليّ بن حجر أَفَاضَ الله عَلَيْهِ شآبيب الإنعام وأنزله بفضله بحبوحة دَار السَّلَام
1 / 23
وانتهت إِلَى بحث الْجرْح وَالتَّعْدِيل عرضت عِنْد المذاكرة فروع ناشئة عَن ذَلِك التأصيل فَرغب ذَلِك الْقَلَم إِلَى تحريرها فِي الأوراق تحريرا للفظها وحفظا لمعناها وإبانة للحق النافع يَوْم يعنو كل نفس مَا عناها فَأخذت فِي رقم مَا وَقع ثمَّ اتَّصل بِهِ مَا هُوَ أرفع قدرا وأنفع وَالله أسأله أَن يخلص لوجهه الْأَعْمَال ويعيذنا من موبقات الْأَفْعَال والأقوال وسميته ثَمَرَات النّظر فِي علم الْأَثر
رِوَايَة صَاحب الْبِدْعَة المكفرة والمفسقة
فَأَقُول قسم الْحَافِظ ابْن حجر رَحمَه الله تَعَالَى الْبِدْعَة فِي النخبة إِلَى قسمَيْنِ إِلَى مَا يكون بمكفر أَو بمفسق وَاخْتَارَ
1 / 24
فِي شرحها أَن الأول لَا يكون قادحا فِي الرَّاوِي إِلَّا إِذا كَانَ ردا لأمر مَعْلُوم من الدّين ضَرُورَة أَو عَكسه أَي إِثْبَاتًا لأمر مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنه لَيْسَ مِنْهُ
وَإِنَّمَا فسرنا الْعَكْس بِهَذَا لِأَن ذكر الِاعْتِقَاد لَا دخل لَهُ فِي كَون الْفِعْل بِدعَة فَلَا بُد من حمله على إِثْبَات أَمر ليقابل إِنْكَار أَمر فَيكون إلماما بالأمرين اللَّذين هما مرجع الْبِدْعَة ومنشؤها وهما
1 / 25
النَّقْص فِي الدّين وَالزِّيَادَة فِيهِ كَمَا صرح بذلك صَاحب الإيثار فَالْأول إِشَارَة إِلَى الثَّانِي وَالثَّانِي إِشَارَة إِلَى الأول
أَو هما إِلَّا إِذا كَانَ ردا لأمر مَعْلُوم
وَلَقَد وهم من فسر الْعَكْس بإنكار أَمر واعتقاد خِلَافه وزحلق الْعبارَة عَمَّا تفيده إِذْ لَا بُد من حمل الِاعْتِقَاد على إِثْبَات أَمر مجَازًا من بَاب إِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب وَكَانَ حق الْعبارَة أَن يَقُول أَو إِثْبَات غَيره أَي إِثْبَاتًا لأمر فِي الدّين مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنه لَيْسَ مِنْهُ قلت إِلَّا أَنه لَا يخفى أَنه من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة فَهُوَ كَافِر لرده مَا علم من الدّين ضَرُورَة وإثباته مَا لَيْسَ مِنْهُ ضَرُورَة وكلا الْأَمريْنِ كفر وَإنَّهُ تَكْذِيب للشارع وتكذيبه فِي أَي أَمر علم من الدّين ضَرُورَة إثْبَاته أَو نَفْيه كفر فَهَذَا لَيْسَ من مَحل النزاع إِذْ النزاع فِي مُجَرّد الابتداع لَا فِي الْكَافِر الْكفْر الصَّرِيح فَلَا نزاع
1 / 26
فِيهِ
وَإِذا كَانَ من هُوَ بِهَذِهِ الصّفة فقد جَاوز رُتْبَة الابتداع إِلَى أشر مِنْهُ وَأَنه لَا يرد من أهل ذَلِك الْقسم إِلَّا هَذَا عرفت أَنه لَا يرد أحد من أهل هَذَا الْقسم وَأَن كل مُبْتَدع مَقْبُول
وَأما مَا يكون ابتداعه بمفسق فقد اخْتَارَهُ لنَفسِهِ وَنَقله عَن الجماهير أَنه يقبل مَا لم يكن دَاعِيَة وَحِينَئِذٍ فَرده لأجل كَونه دَاعِيَة إِلَى بدعته لَا لأجل بدعته فَتحصل من هَذَا أَن كل مُبْتَدع مَقْبُول سَوَاء كَانَ بمكفر أَو بمفسق واستثناؤه لمن رد مَا علم فَاثْبتْ من الدّين ضَرُورَة أَو زَاد فِيهِ مَا لَيْسَ بضرورة لَيْسَ لأجل بدعته بل لرده وإثباته مَا لَيْسَ من الدّين ضَرُورَة وَكَذَا رد الداعية لأجل دَعوته لَا لأجل بدعته وَالْكل لَيْسَ من مَحل النزاع
1 / 27
ثمَّ لَا يخفى أَن الْحَافِظ وَأهل مذْهبه لَا يرَوْنَ التَّكْفِير بالتأويل
1 / 28
فَكَأَنَّهُ قسم الْبِدْعَة على رَأْي غَيره إِذْ لَا يرى كفر أحد من أهل الْقبْلَة والآتي بِمَا يكفره بِهِ من يرى كفر التَّأْوِيل مُبْتَدع وَاضح الْبِدْعَة كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب وَمن لم يكفر فَهُوَ عِنْده وَاضح الْبِدْعَة انْتهى
مَسْأَلَة قبُول كَافِر التَّأْوِيل وفاسقه
وَهَذِه هِيَ مَسْأَلَة قبُول كَافِر التَّأْوِيل وفاسقه وَقد نقل صَاحب العواصم إِجْمَاع الصَّحَابَة على قبُول فساق التَّأْوِيل من عشر طرق فِي كتبه الْأَرْبَعَة وَنقل أَدِلَّة غير الْإِجْمَاع وَاسِعَة إِذا عرفت هَذَا فَحق عبارَة النخبة أَن يُقَال ونقبل المبتدع مُطلقًا إِلَّا الداعية
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان فِي تَرْجَمَة أبان بن تغلب مَا لَفظه
1 / 29
الْبِدْعَة على ضَرْبَيْنِ فبدعة صغرى كغلو التَّشَيُّع أَو كَانَ التَّشَيُّع بِلَا غلو وَلَا تحرق فَهَذَا كثير فِي التَّابِعين وتابعيهم مَعَ الدّين والورع والصدق فَلَو ذهب حَدِيث هَؤُلَاءِ لذهب جملَة من الْآثَار النَّبَوِيَّة وَهَذِه مفْسدَة بَيِّنَة
ثمَّ بِدعَة كبرى كالرفض الْكَامِل والغلو فِيهِ والحط على أبي بكر وَعمر ﵄ وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك فَهَذِهِ النَّوْع لَا يحْتَج بهم وَلَا كَرَامَة انْتهى
قلت هَذَا المثيل لأحد أَنْوَاع الابتداع وَإِلَّا فَمن الابتداع النصب بل هُوَ شَرّ من التَّشَيُّع لِأَنَّهُ التدين ببغض عَليّ ﵁ كَمَا فِي الْقَامُوس فالأمران بِدعَة إِذْ الْوَاجِب وَالسّنة محبَّة كل مُؤمن بِلَا غلو فِي الْمحبَّة
أما وجوب محبَّة أهل الْإِيمَان فأدلته طافحة كَمَا فِي صَحِيح مُسلم مَرْفُوعا (لَا تدخلون الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا) الحَدِيث
بل حصر ﷺ الْإِيمَان فِي الْحبّ
1 / 30
فِي الله كَمَا فِي حَدِيث (وَهل الْإِيمَان إِلَّا الْحبّ فِي الله)
الغلو فِي الدّين
وَأما تَحْرِيم الغلو فِي كل أَمر من أُمُور الدّين فثابت كتابا وَسنة ﴿لَا تغلوا فِي دينكُمْ﴾ (إيَّاكُمْ والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الغلو فِي الدّين) أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
1 / 31
مَاجَه وَالْحَاكِم
إِلَّا أَنه لَا يتَحَقَّق الغلو إِلَّا بِإِطْلَاق مَا لَا يحل إِطْلَاقه فِي المحبوب المغلو فِي حبه أَو فعل مَا لَا يحل فعله أَو ذكر الْغَيْر بِمَا لَا يحل لأَجله
وَأما زِيَادَة صُحْبَة الشَّخْص لبَعض أهل الْإِيمَان مَعَ محبته لَهُم جَمِيعًا فَهَذَا لَا إِثْم فِيهِ وَلَا قدح بِهِ وَإِن سمي غلوا وَقد كَانَ بعض الْمُؤمنِينَ عِنْد رَسُول الله ﷺ أحب إِلَيْهِ من بعض واشتهر أَن أُسَامَة ابْن زيد ﵁ حب رَسُول الله وَكَانَت عَائِشَة ﵂ أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ
إِذا عرفت هَذَا فالشيعي الْمُطلق قد أَتَى بِالْوَاجِبِ من محبَّة هَذَا الْبَعْض من الْمُؤمنِينَ فَإِن كَانَ غاليا فقد ابتدع بالغلو وأثم إِن أفْضى
1 / 32
بِهِ إِلَى مَا لَا يحل
وَأما مُجَرّد زِيَادَة الْمحبَّة والميل فَهُوَ إِذا صَحَّ أَنه غلو فَلَا إِثْم فِيهِ
أَقسَام التَّشَيُّع
وَقد اتَّضَح لَك أَن الْحَافِظ الذَّهَبِيّ قسم التَّشَيُّع ثَلَاثَة أَقسَام
الأول تشيع بِلَا غلو وَهَذَا لَا كَلَام فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْله أَو كَانَ التَّشَيُّع بِلَا غلو وَلَا تحرق
وَلَا يخفى أَنه صفة لَازِمَة لكل مُؤمن وَإِلَّا فَمَا تمّ إيمَانه إِذْ مِنْهُ مُوالَاة الْمُؤمنِينَ سِيمَا رَأْسهمْ وسابقهم إِلَيْهِ فَكيف يَقُول فول ذهب حَدِيث هَؤُلَاءِ يُرِيد الَّذين والوا عليا ﵁ بِلَا غلو وَمَا الَّذِي يذهبه بعد وَصفه لَهُم بِالدّينِ والصدق والورع لَيْت شعري أيذهبه فعلهم لما وَجب من مُوالَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي لَو أخلوا بِهِ لأخلوا بِوَاجِب وَكَانَ قادحا فيهم وَللَّه
1 / 33
در كثير من التَّابِعين وتابعيهم فقد أَتَوا بِالْوَاجِبِ ودخلوا تَحت قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا﴾ وَتَحْت قَوْله تَعَالَى ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان﴾
وَمن هَا هُنَا تعلم أَن القَوْل بِأَن مُطلق التَّشَيُّع بِدعَة لَيْسَ بِصَحِيح والقدح بِهِ بَاطِل وَلَا قدح بِهِ حَتَّى يُضَاف إِلَيْهِ الرَّفْض الْكَامِل وَسَب الشَّيْخَيْنِ ﵄ وَحِينَئِذٍ فالقدح فِيهِ بسب الصَّحَابِيّ لَا بِمُجَرَّد التَّشَيُّع
وَالْقسم الثَّانِي من غلا فِي التَّشَيُّع وأسلفنا لَك أَنه أَتَى بِوَاجِب وابتدع فِيهِ إِن سلم أَن مُجَرّد الغلو بِدعَة إِلَّا أَنَّهَا بِدعَة لم
1 / 34
تفض بصاحبها إِلَى كفر وَلَا فسق فَهُوَ غير مَرْدُود اتِّفَاقًا إِذْ قد قيل عِنْد الجماهير من أفضت بِهِ بدعته إِلَى أَحدهمَا كَمَا سلف آنِفا
الثَّالِث من أَقسَام التَّشَيُّع من غلا وَحط على الشَّيْخَيْنِ فَهَذَا قد أفْضى بِهِ غلوه إِلَى محرم قطعا وَهُوَ سباب الْمُسلم وَقد ثَبت عَنهُ ﷺ أَن سباب الْمُؤمن فسوق فَهَذَا فَاعل الْمحرم قطعا خَارج عَن حد الْعَدَالَة فَاسق تَصْرِيحًا فَاعل لكبيرة كَمَا يَأْتِي وتارك أَيْضا لواجب وَحِينَئِذٍ فَرده والقدح فِيهِ لَيْسَ لأجل مُطلق تشيعه وَهُوَ موالاته لعَلي ﵁ بل لسبه الْمُسلم وَفعله الْمحرم فَعرفت أَن التَّشَيُّع الْمُطلق لَيْسَ بِصفة قدح وجرح من
1 / 35
حَيْثُ هُوَ بل هُوَ صفة تَزْكِيَة لِأَنَّهُ لَا بُد لِلْمُؤمنِ من مُوالَاة أهل الْإِيمَان فَإِذا عرف بهَا صَارَت تَزْكِيَة فَإِذا وَقع فِي عباراتهم الْقدح بقَوْلهمْ فلَان شيعي فَهُوَ من الْقدح الْمُبْهم لَا يقبل حَتَّى يتَبَيَّن أَنه من النَّوْع القادح وَهُوَ غلو الرَّفْض
تَعْرِيف النصب
وَأما النصب فَعرفت من رسمه عَن الْقَامُوس أَنه التدين ببغض عَليّ ﵁ فالمتصف بِهِ مُبْتَدع شَرّ ابتداع أَيْضا فَاعل لمحرم تَارِك لواجب فَإِن محبَّة عَليّ ﵁ مَأْمُور بهَا عُمُوما وخصوصا
أما الأول فَلِأَنَّهُ دَاخل فِي أدلته إِيجَاب محبَّة أهل الْإِيمَان
وَأما الْخَاصَّة فأحاديث لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْعد آمرة بحبه ومخبرة بِأَنَّهُ لَا يُحِبهُ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضه إِلَّا مُنَافِق وَقد أودعنا الرَّوْضَة الندية شرح
1 / 36
التُّحْفَة العلوية من ذَلِك شطرا من الْأَحَادِيث بِحَمْد الله معزوة إِلَى مَحَله مصححة ومحسنة فالناصبي أَتَى بِمحرم قطعا وَلم يَأْتِ بِالْوَاجِبِ الآخر من مُوالَاة سَائِر أهل الْإِيمَان كالصحابة إِذْ لَيْسَ من لَازمه محبَّة بَقِيَّة الصَّحَابَة وهب أَنه من لَازمه فَلَا يُخرجهُ عَن الْإِخْلَال بِوَاجِب محبَّة عَليّ ﵁ وَفعله لمحرم من بغضه
فالشيعي الْمُطلق فِي رُتْبَة علية أَتَى بِالْوَاجِبِ وَترك الْمحرم والناصبي فِي أدنى رُتْبَة وأخفضها فَاعل للْمحرمِ وتارك للْوَاجِب فَإِن انْتهى نَصبه إِلَى إِطْلَاق لِسَانه بسب الْوَصِيّ ﵁ فقد انْتَهَت بِهِ بدعته إِلَى الْفسق الصَّرِيح كَمَا انْتَهَت بالشيعي الساب بِدعَة غلوه إِلَى ذَلِك وَخير التَّشَيُّع تشيع من قَالَ
(أَنا شيعي لآل الْمُصْطَفى ... غير أَنِّي لَا أرى سبّ السّلف)
(أقصد الْإِجْمَاع فِي الدّين وَمن ... قصد الْإِجْمَاع لم يخْش التّلف)
(لي بنفسي شغل عَن كل من ... للهوى قرض قوما أَو قذف)
والشيعي إِن انضاف إِلَى حبه لعَلي ﵁ بغض أحد من السّلف فقد سَاوَى مُطلق الناصبي فِي بغضه لبَعض أهل
1 / 37
الْإِيمَان فَإِن قلت هَل يقْدَح فِي دينه ببغضه لبَعض الْمُؤمنِينَ قلت البغض أَمر قلبِي لَا يطلع عَلَيْهِ فَإِن اطلع عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوض هُنَا كَانَ قدحا إِذْ الْكَلَام فِي الناصبي وَلَا يعرف أَنه ناصبي إِلَّا بالاطلاع على بغضه لرأس أهل الْإِيمَان
فَمن عرف بِمثل هَذِه الْمعاصِي ردَّتْ رِوَايَته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل على تَعْرِيف ابْن حجر للعدالة إِذْ قد حد فِي رسمها اللّغَوِيّ عدم الابتداع وَلَا يتم إِلَّا بخلو الْقلب عَن بغض أهل الْإِيمَان كَيفَ وَقد ثَبت أَن بغضه ﵁ عَلامَة النِّفَاق
1 / 38
وَبِهَذَا عرفت أَن الناصبي الْمُطلق خَارج عَن الْعَدَالَة فَإِن انضاف إِلَى نَصبه إِطْلَاق لِسَانه فِيمَن يبغضه فقد ازْدَادَ عَنْهَا بعدا والشيعي الْمُطلق مُحَقّق الْعَدَالَة وَإِن أبْغض وَسَب فَارق الْعَدَالَة وَحِينَئِذٍ يتَبَيَّن لَك أَنه كل التَّمْثِيل ببدعة النصب للابتداع الخارم للعدالة أولى إِذْ هُوَ على كل حَال بِدعَة قادحة بِخِلَاف التَّشَيُّع فالمطلق مِنْهُ لَيْسَ ببدعة بل فعله وَاجِب
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي مُقَدّمَة الْفَتْح
التَّشَيُّع محبَّة عَليّ ﵇ وتقديمه على الصَّحَابَة فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر ﵄ فَهُوَ غال فِي التَّشَيُّع وَيُطلق عَلَيْهِ رَافِضِي وَإِلَّا فشيعي فَإِن انضاف إِلَى ذَلِك السب وَالتَّصْرِيح بالبغض فغال فِي الرَّفْض انْتهى كَلَامه
فقسم التَّشَيُّع أَيْضا ثَلَاثَة أَقسَام رفض وغلو فِي الرَّفْض وتشيع
فَالْأول انضاف إِلَى محبته لعَلي ﵁ تَقْدِيمه على الشَّيْخَيْنِ وَالثَّانِي انضاف إِلَيْهَا بغض الشَّيْخَيْنِ والسب لَهما
1 / 39
وَالثَّالِث الْمُحب فَقَط وَهَذَا التَّقْسِيم وَقع فِي ذكره لبدعة التَّشَيُّع
وَأَقُول أما محبته مُطلقًا وَهُوَ الْقسم الثَّالِث فَإِنَّهُ شَرط فِي إِيمَان كل مُؤمن وَلَيْسَ من الْبِدْعَة فِي دبير وَلَا قبيل
وَهل الْإِيمَان إِلَّا الْحبّ فِي الله وَحِينَئِذٍ عرفت أَن كل مُؤمن شيعي
وَأما الساب فسب الْمُؤمن فسوق صحابيا كَانَ أَو غَيره إِلَّا أَن سباب الصَّحَابَة أعظم جرما لسوء أدبه مَعَ مصحوبه ﷺ ولسابقتهم فِي الْإِسْلَام
وَقد عدوا سبّ الصَّحَابَة من الْكَبَائِر كَمَا يَأْتِي عَن الْفَرِيقَيْنِ الزيدية وَمن يُخَالف مَذْهَبهم
وَقد عرفت أَنه دلّ كَلَام الذَّهَبِيّ وَكَلَام الْحَافِظ ابْن حجر على أَن التَّشَيُّع بِكُل أقسامه بِدعَة وَلَا يخفى أَن مُطلق التَّشَيُّع
1 / 40
الَّذِي هُوَ مُوالَاة عَليّ وَاجِب وفاعل الْوَاجِب لَا يكون مبتدعا
فَإِن قلت هَذَا كُله مَبْنِيّ على أَن قَول الْحَافِظ وتقديمه على الصَّحَابَة لَيْسَ من جملَة رسم التَّشَيُّع وَأي مَانع عَن جعله قيدا فيقيد أَن التَّشَيُّع محبَّة عَليّ ﵁ مَعَ تَقْدِيمه على الصَّحَابَة فَلَا يتم أَن مُجَرّد محبته تشيع قلت يمْنَع عَنهُ أَنه إِن حمل لفظ الصَّحَابَة فِي كَلَامه فِي الرَّسْم على من عدا الشَّيْخَيْنِ لزم أَن من قدمه على أَي صَحَابِيّ وَلَو من الطُّلَقَاء أَو مِمَّن ثَبت لَهُ مُجَرّد اللِّقَاء يكون شِيعِيًّا لِأَن لفظ الصَّحَابَة للْجِنْس فَهُوَ فِي قُوَّة من قدمه على أَي صَحَابِيّ وَهَذَا لَا يَقُوله أحد فَإِنَّهُ من السَّابِقين الْأَوَّلين من الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وهم مقدمون على غَيرهم بالنصوص
وَلِأَنَّهُ بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ يُسمى الشيعي من قدم عليا على أَي فَرد من أَفْرَاد الصَّحَابَة أَو حمل على الشَّيْخَيْنِ فَقَط فَيكون التَّشَيُّع محبَّة عَليّ ﵁ وتقديمه على الشَّيْخَيْنِ فَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ الَّذِي أَفَادَهُ
1 / 41
بقوله فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر فَهُوَ غال فَحِينَئِذٍ تدَاخل الْأَقْسَام وَلَا يَشْمَل كَلَامه وضابطه رسم التَّشَيُّع الْمُطلق أَو حمل على الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة فَهَذَا الْإِشْكَال بَاقٍ إِذْ من قدمه على الثَّلَاثَة فقد قدمه على الشَّيْخَيْنِ مَعَ الْخلَل الَّذِي عَرفته أَيْضا
وَإِنَّمَا بلغت عِبَارَته إِلَى هَذَا الْخلَل على التقادير الْأَرْبَعَة بِسَبَب جعل قَوْله تَقْدِيمه على الصَّحَابَة قيدا تعين حملهَا على مَا تصح بِهِ وتفيد وَأَن قَوْله وتقديمه استئنافية وَالْوَاو للاستئناف قدمهَا إرهاصا لقَوْله فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر وَأَن المُرَاد من الصَّحَابَة الشَّيْخَانِ ذكرهمَا أَلا إِجْمَالا ثمَّ ثَانِيًا تَفْصِيلًا وَأَن قَوْله
1 / 42