لما دعي مالك بن أنس و[ شوور ] وسمع منه, وقبل قوله [ شنف ] الناس له, وحسدوه و[ بغوه ] بكل شيء, فلما ولي جعفر بن سليمان [ بن على ] المدينة سعوا به إليه, وكثروا عليه عنده , وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء , وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز , فغضب جعفر بن سليمان, فدعا بمالك [ فاحتج عليه بما رقي إليه عنه , ثم جرده ] و[ مده ] وضربه بالسياط, ومدت يده حتى انخلع كتفاه, وارتكب منه أمرا عظيما, فوالله ما زال بعد ذلك الضرب في رفعة عند الناس, وعلو من أمره, وإعظام الناس له, وكأنما كانت تلك السياط التي ضربها حليا حلي بها. (1)
قال: وكان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز, ويعود المرضى, ويقضي الحقوق, ويجلس في المسجد, ويجتمع إليه أصحابه, ثم ترك الجلوس في المسجد, وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله, وترك شهود الجنائز فكان يأتي أصحابها فيعزيهم, ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد, ولا الجمعة, ولا يأتي أحدا يعزيه, ولا يقضي له حقا واحتمل الناس ذلك كله له , وكانوا أرغب ما كانوا فيه وأشده له تعظيما حتى مات على ذلك, وكان ربما كلم في ذلك, فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره.
Page 21