" لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج إلا فى أشهره "
، أراد به التحريم، بدليل الأحاديث الفاصلة على أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل أشهره { فلا رفث } فى الحج ولا جماع كما تعورف شرعا، أو فلا فحش كلام فى أمر الجماع ومقدماته، وهو المعنى الحقيقى للرفث، وعليه فبالأولى أن لاجماع { ولا فسوق } فى الحج ولا غيره، ومنها السب والنبز باللقب، فمن فعل كبيرة بعد الإحرام لزمه دم { ولا جدال فى الحج } فى أيامه بعد الإحرام به، ولو مع المكارى أو الخادم أو الرفقة، ومن جادل حتى أغضب أو غضب لزمه دم، ولو فى الحق والمباح، وقيل المراد لا جدال فى أيام الحج ولو قبل الإحرام، واللفظ إخبار، والمعنى إنشائى أى لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، أو إخبار لفظا ومعنى، أى لا يثبت ذلك فى دين الله، وإن كان فمن دين الجاهلية والشيطان، والفسوق محرم على الحاج وغيره وذكر هنا لمزيد التغليظ، كالنهى عن لبس الحرير فى حق الرجل حال الصلاة، مع أنه محرم فى غيرها أيضا، أو الفسوق بمعنى الخروج، أى لا تخرجوا عن حد الشرع إلى المعصية ولو صغيرة، وإلى ما لا يجوز فى الإحرام كلبس المخيط والتطيب والصيد ، وزعم بعض أن الجدل بالحق غير منهى عنه، ويرده مخالفة ظاهر الآية، وأنه يقضى إلى شر، وقد قال عز وجل
فلا تمار فيهم
[الكهف: 22] الأمر لظاهر، وقال صلى الله عليه وسلم:
" من ترك المراء وهو محق بنى له بيت فى أعلى الجنة، ومن تركه وهو مبطل بنى له فى ربضها "
، وغير ذلك وعدم ذكره فى قوله صلى الله عليه وسلم
" من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
لا يدل على عدم النهى عنه لأن عدم ذكر الشىء لا يدل على انتقائه ويروى أن معنى لا جدال فى الحج، اتركوا الخلاف فى الحج إذ كانت قريش تقف بالمزدلفة وسائر الناس بعرفة، وكانوا يقدمون الحج عاما ويؤخرونه عاما، فأنزل الله ذلك فنقول أيضا لا جدال فى ذلك ولا في غيره ولم يضمر للحج لتأكيد شأنه { وما تفعلوا من خير } كالكلام الحسن مكان الرفث والبر، والتحصن مكان الفسوق، والوفاق بالأخلاق الحميدة مكان الجدال فى الحج وغيره كالصدقة والصوم والنفل وسائر العبادة { يعلمه الله } فيجازيكم به، وكذلك يعلم الشر لكن لم يذكره لأن المقام مقابلة الشر بالخير، أو أراد بالعلم الجزاء { وتزودوا } لآخرتكم الأعمال الصالحة وترك ما ينهى عنه، وترك الطمع والسؤال مع وجود الغنى عنه، فمن لم يتزود لها هلك بالنار كما يموت مسافر بلا زاد { فإن } لأن { خير الزاد } لأن الزاد شمل زاد الدنيا وزاد الآخرة { التقوى } الحذر عن ترك الفرض وفعل المحرم، ومنه الإلحاح فى السؤال بل مطلق السؤال بلا حاجة إليه مضطرة، والخروج إلى الحج بلا زاد، فيكون عيالا على الناس وثقلا عليهم، فالتحرز عن ذلك من حملة التقوى، ويروى أن حجاج اليمن كانوا يفعلون ذلك، ويزعمون أن ذلك توكل على الله، فأوحى الله، أن تزودوا ما يبلغكم ويرجعكم، كما رواه البخارى وأبو داود والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما حتى فسروا الزاد بطعام المسافر وشرابه، طبق ما يفعل اليمانيون ويقولون نحن حجاج بيت ربنا ووفد إليه، أفلا يطعمنا، وربما أفضى بهم ذلك إلى النهب والغضب، وما ذكرته أولا هو الراجح لأنه ظاهر الآية، وعلى الأخير يكون المعنى اصنعوا الزاد لسفر الحج لأن خير الأزواد تقوى، ومن لا يصنعه يخرج عن التقوى بالطمع والسؤال { واتقون يأولى الألبب } فقد وضعت فيكم من العقل ما يميل بكم عن المخالفة.
[2.198]
{ ليس عليكم } أيها المسلمون على الإطلاق { جناح } إثم { أن تبتغوا } فى أن تطلبوا { فضلا } رزقا { من ربكم } التجارة فى الحد، وهذا ترخيص ونهى لهم عن تحريم الجر بعد الإحرام، فإنه لا ينقص ثوابا ولا يحبطه، والترك أولى، وهو الموافق لقوله تعالى:
Page inconnue