[النساء: 41] فتكذبه الأمم، فتشهد له هذه الأمة، وشهادته صلى الله عليه وسلم بعدالة أمته الشاهدين للأنبياء شهادة على كفار الأمم
وجئنا بك على هؤلاء
[النساء: 41] أى كفار الأمم، شهيدا.
وعن أبى سعيد عنه صلى الله عليه وسلم: يجىء النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ومعه الرجل، أو النبى ومعه الرجلان وأكثر، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما أعلمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا. الآية.
وفى رواية، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته، فيزكيهم، ويشهد بعدالتهم، وذلك قوله تعالى: ويكون الرسول عليكم شهيدا: { وما جعلنا القبلة } وهى الكعبة فى نفس الأمر { التي كنت عليها } قبل، كانت قبلته حين كان بمكة الكعبة، ولو كان يجعلها بينه وبين بيت المقدس، واستقبل المقدس فى المدينة ستة أو سبعة عشر شهرا، بأمر الله تأليفا لليهود، ثم حوله للكعبة. فالتى مفعول ثان لا نعت على المختار، أو ما جعلنا القبلة فى المدينة قبل التحويل أو ما جعلنا القبلة التى كنت عليها قبل الهجرة قبلة، أو ما جعلنا القبلة التى كنت عليها بعد الهجرة قبلة، فالمفعول الثانى محذوف، والتى نعت { إلا لنعلم من يتبع الرسول } محمدا صلى الله عليه وسلم علم ظهور، أو ليظهر علمنا، أو نعاملهم معاملة المختبر، وعلم الله أزكى، لكن لا يخفى عنه وقع الشىء ووقته وتفاصيله، لأنه الخالق له؛ أو ليعلم رسولنا أو عبادنا الصالحون، فحذف المضاف، أو أسند لنفسه، لأنهم خواصه، وفى ذلك تعظيم لهم، أو لنميز مع يتبع الرسول للناس، والعلم سبب للتمييز وملزوم له، فإن العلم صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض، أو لنجازى الطائع والعاصى، وإنما يكون الجزاء ممن علم طاعة الطائع وعصيان العاصى، والمراد بالاتباع البقاء على اتباعه فيما مضى وفيما يحدث من القبلة وغيرها { ممن ينقلب على عقبيه } يكفر بعد الإيمان، بسبب تبدل القبلة كفرا شبيها برجوع الماشى إلى ورائه، يظن أنه صلى الله عليه وسلم فى حيرة من أمره، وقد ارتد لذلك الظن جماعة { وإن } إنه أى الشأن { كانت } أى التولية المعلومة من قوله، ما ولاهم، أو القبلة، أو التحويلة، أو الردة إلى الكعبة.
أو الجعلة أو المتابعة { لكبيرة } شاقة على قلوب الناس، وقاعدة الكوفيين فى جميع القرآن وغيره، أن يجعلوا أن المخففة نافية لا مخففة، واللام بعدها بمعنى إلا، ويرده أنه لم يجىء فى كلام العرب، ما جاء لزيد، أى إلا زيد، وجاء القوم لزيد، أى إلا زيدا { إلا على الذين هدى الله } منهم، أجاز بعضهم التفريغ فى الإثبات، والمانع يعتبر ما فى كبيرة من معنى النفى، أى لا تخف إلا على الذين هدى الله.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء، ينتظر أمر الله، فأنزل الله تعالى، قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام، فقال رجال من المسلمين: ووددنا لو علمنا علم من مات منا، قبل أن نصرف إلى القبلة، وكيف صلواتنا إلى بيت المقدس، فأنزل الله عز وجل { وما كان الله ليضيع إيمنكم } أى طاعتكم، أى ثوابها، وكل عبادة إيمان، وفى الحديث، الإيمان بضع وستون جزءا، وهى أن الإيمان مؤنثة لتأنيث الخبر فى الآية، الصلاة.
قال حيى بن أخطب وأصحابه من اليهود، إن كانت صلاتكم إلى بيت المقدس هدى فقط تحولتم عنه، أو ضلالة فقد دنتم بها مدة، ومن مات قبل التحويل مات عليها كأسعد بن زرارة، وأبى أمامة بن بنى النجار والبراء بن معرور من بنى سلمة، وكانا من النقباء، وآخرين، فقال عشائرهم، يا رسول الله، قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فما حال من مات منا قبل الصرف؟ فنزل: وما كان الله ليضيع إيمانكم، أى صلاتكم أو طاعتكم مطلقا، لا يضيع صلاتكم ولا غيرها، أو إيمانكم باستقبال بيت المقدس سواء أقلنا لها بوحى على ما رجحوا، أو اجتهاد منه إذ وجد أهل التوراة يستقبلونها، كما صام عاشوراء متابعة لهم، فوطن أن يستقبلها حتى يوحتى إليه فى الاستقبال، ومن قال، الإيمان التصديق فقط، وفسره بالصلاة فقد يجوز لأنه سببها وملزومها { إن الله بالناس } متعلق بما بعد اللام بحسب الظاهر فيحمل عليه، فيقال، لا صدر لللام فى خير إن إذا كان المتعلق ظرفا أو مجرورا، لأن تأويل الكثير لا يحسن إلا لما لا بد منه ولا محيد عنه { لرءوف } شديد الرحمة { رحيم } الرحمة أعم من الرأفة، ومع ذلك أخرها للفاصلة، وهى مبنية على الميم نظير الميم فى مستقيم، وأولى من ذلك أن نقول، لا محذور فى تقديم خاص لا يشمل كل ما فى العام، فلذكر العام بعده دلالة على ما لم يدل عليه الخاص، فذكر الرحمة ليدل على رحمة أخرى دون الشديدة، بخلاف فلان متكلم فصيح، فإنه لو أخر متكلم لم تكن له فائدة، فإن فلانا لا يكون فصيحا إلا وهو متكلم.
ولذلك قدمت بلا فاصلة فى قوله تعالى
رأفة ورحمة
Page inconnue