كونوا حجارة
[الإسراء: 50] أو للإطلاق بعد الحصر، على أن يكون ذلك عند قرب مرت موسى عليه السلام، وقرب الخروج من التيه، أو على أن موسى لم يمت فيه، بل خرج معهم، وببعد أن يكون قائل " أتستبدلون " الله على لسان يوشع، حين نبىء فى التيه عند حضور الخروج.
والمراد مصرا من الأمصار، أو القاهرة أو اعمالها، وعلى الأخيرين نون مع أنه علم القاهرة أو أعمالها، لأنه ثلاثى ساكن الوسط كهند، أو بتأويل البلد، أو المحل، ويدل لهما قراءة عدم التنوين، ومعنى هبوط مصر نزوله، أو الهبوط دناءة الرتبة، فإن طعام التيه أفضل من طعام مصر، أو حسى بأن تكون أرض المصر الذى يخرجون إليها أسفل من أرض التيه { فإن لكم } فى المصر { ما سألتم } من البقل وما بعده إلا أنه إذا فسرنا القوم بالثوم كان الكل بقلا، وجنسه، وكلامهم إنما على الطعام، فالمناسب أنه البر، وما يخبر طعاما، لكن أفضله البر، وذكر أولا ما يؤكل بلا علاج نار، وذكر بعدها ما يعالج بها مع تقديم الأشرف فالأشرف { وضربت عليهم } جعلت على فروعهم لفعلهم مثل أفعال آبائهم، ورضاهم عنهم، ولا سيما بعد ذهابهم إلى قتل عيسى عليه السلام، جملا تشبيها بنقش الدراهم فى لزوم الأثر واستمراره، نفى ضرب استعارة تحقيقية تبعية { الذلة } ضعف القلب والخوف مما يخاف منه، أو هى الجزية أخبر الله جل جلاله، أنها ستكون عليهما إذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه معجزة وإن لم يقل هذا، مما لم يوح به قب القرآن، مواضع أيضا أنى قضيت عليهم أنها ستكون { والمسكنة } أثر الفقر الظاهر على البدن ولو كانوا أغنياء، ولا يوجد يهودي غنى النفس { وبآءو بغضب من الله } رجعوا أو احتملوا، أو استحقوا أم أقروا أو لازموا حال كونهم ملابسين لغضب الله، وهو قضاؤه الأزلى عليهم بالشقوة وتوابعها، أو هو ذمة إياهم فى الدنيا وعقابه فى الآخرة { ذلك } المذكور من الغضب، وضرب الذلة والمسكنة، وصيغة البعد لبعد ما قبل البوء بغضب، أو لبعد ذلك عن منصب من أكرمه الله بنعم الدين والدينا: وأنزل عليه كتابا لفظاعتها، أو لبعدهم عنها { بأنهم } أى سبب ذلك أنهم { كانوا يكفرون } يؤول المصدر من كان أى بكونهم يكفرون، وكثير يأتون به من خبرها، مثل أن يقال هنا بكفرهم، وكأنهم يقولون، لا تدل على الحدث، والتحقيق أنها تدل عليه { بأيت الله } التى أنزلت فى التوراة مما يكرهونه، والتى فى الإنجيل مطلقا، لكفرهم بعيسى عليه السلام، أو بما خالف منه التوراة، وبما أنزل من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه، وذلك قبل أهل عصره صلى الله عليه وسلم كراهة لأن تخرج النبوءة من ولد هارون عليه السلام، وقد أنكروا الرجم أيضا قبله صلى الله عليه وسلم { ويقتلون النبيين } مجموع ذلك لمن بعد موسى، وأما فى زمانه فلا إلا الذلة، روى أنهم قتلوا بعده سبعين نبيا أول النهار، ولم يشغلهم ذلك حتى إنه قام سوق البقل آخر النهار، وقتلوا زكريا وشعياء، وعملوا فى قتل عيسى، وأما قوله تعالى:
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا
[غافر: 51] فإنما هو بالحجة وبأخذ الثأر بعد، فذلك لا يختلف، كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن الله عز وجل قادر أن يقتل بكل نبى سبعين ألفا كما كان بعد قتل يحيى، وبكل خليفة خمسة وثلاثين ألفا، والمراد بالنبيين ما شمل الرسل، لقوله تعالى:
أفكلما جاءكم رسول...
[البقرة: 87] الآية { بغير الحق } عندهم، فإنهم يقتلونهم تشبيها وحبا للدنيا، ولا يعتقدون أن قتلهم حق، فليس المراد أنه قد يكون قتل الأنبياء حقا، إذ لا يفعلون موجب قتل، ولا يبيح الله دمهم بلا موجب، ووجه آخر، أن المراد بيان الواقع، كالصفة الكاشفة تأكيدا لذمهم وفضيحة، أو يعتبر أنه لو شاء الله لأباحه كما أباح لملك الموت، وكما أمر إبراهيم بذبح إسماعيل، وقيل : قتلوا فى بيت المقدس فى يوم واحدة ثلاثمائة نبى { ذلك } المذكور البعيد من الغضب وضرب الذلة والمسكنة، كرر للتأكيد، أو ذلك المذكرو من الكفر وقتل الأنبياء { بما عصوا وكانوا } بعصيانهم وكونهم { يعتدون } ينهمكون فى المعاصى، ولا تنس أن المعصية توجب العقاب بالإيقاع فى مصعية أعظم منها، وذلك بعصيان منهم فى قتلهم لا باعتقاد حل.
[2.62]
{ إن الذين ءامنوا } قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من لدن آدم أو بعدها بالأنبياء الوحى والكتب، كتبع، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وقيل: المنافقون بإضمار الشرك، وقيل: مؤمنو هذه الأمة، فمنعنى من آمن على هذا القول، والأول من آمن من اليهود والنصارى والصابئين، وأما على غيرهما فالمعنى من تاب من نفاقه ويهوديته ونصرانيته وصابئيته، وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم { والذين هادوا } دخلوا فى اليهودية، من هاد بمعنى تاب من عباد العجل، أو سكن، ومنعه الهوادة، أومعرب يهوذا، بذال معجمة بعدها ألف، عرب إهمال الذال وإسقاط الألف، سمو باسم ولد يعقوب يهوذا، وهو أكبر ولده. ولا يلزم أن يكون هذا الاسم قبل موسى، مع أنهم فى زمانه وما بعده فقط، ولا أن يكونوا كلهم عبدوا العجل، لأن التسمية تحدث ولو بعد زمان من سموا به، ولأن وجه التسمية فى بعض لأفراد كيف { والنصرى } جمع نصران، كالندامى، واليا فى نصرانى لمبالغة، كقوله: والدهر بالإنسان دوارى، أى دوار ورجل أحمرى، أى أحمر، وقيل للوحدة، كزنجى من زنج، ورمى مر روم، وقيل جمع نصرى كمهرى ومهارى. حذفت إحدى ياءيه، وفتحت الراء، وقلبت للياء الباقية ألفا، سموا لأنهم نصروا المسيح، أو لأنهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران عند الجوهرى، أو نصرانية، أو نصرانيا، أو نصرى، أو ناصرة، كان عيسى ينزلها، سموا باسمها، أو باسم من أسسها، كما سميت قسنطينة المغرب والعظمى، باسم من بناها { والصبئين } طائفة من اليهود، أو من النصارى عبدوا الملائكة والكواكب، أو بين اليهود والمجوس، أو تعبد الكواكب فى الباطن وتنتسب إلى النصارى فى الظاهر. أو لفقوا دينا من التوراة والإنجيل، ولما جاء القرآن أخذوا منه بعضا. كالصلاة إلى الكعبة والوضوء. أقوال. ويدعون أنهم على دين صابىء ابن شيث بن آدم، وقيل: منهم من يعبدون الكواكب الثوابت: وهم صابئة صفد، ومنهم من يعبدون السيارة، وهم صابئة الروم، ومنهم من يفزع إلى الجمادات، ومنهم من يصلى إلى الجنوب، ومنهم من يعبد الملائكة، من صبا يصبو بلا همز، أو صبأ يصبأ بالهمزة، قلبت ياء، وحذفت كما حذفت فى الأول الياء التى هى عن واد { من آمن } من اليهود والنصارى والصابئين وترك الإشراك بالله { بالله } ورسله وأنبيائه وكتبه ولم ينكر نبيا أو كتابا { واليوم الآخر } يوم البعث والجزاء. ولم يذكر المجوس لأنه ليس منهم من لو تبع كتابه لنجا، إذ كتابهم أضاعوه سرعة { وعمل صلحا } ولم يفرق بين أحد من رسله قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعدها، فآمن به واتبع القرآن، ومن لم يؤمن به، وبالقرآن لم ينتفع بعمله فهو مشرك فى النار، وهو غير متبع للتوراة والإنجيل، بل كافر بهما أيضا، لأن فيهما الأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم، وكذا من كفر من اليهود والنصارى قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
لا يدخلون فى الآية، كمن قال، عيسى إله، ومريم إله، أو عيسى ابن الله { فلهم أجرهم } أجرة علمهم للطاعات، وتركهم للمعاصى والمكروهات { عند ربهم } حفظه الله لهم لا يضيع، كما يحفظ الشىء، بحضرة الملك فى خزانته { ولا خوف عليهم } من العقاب لانتفاعه { ولا هم يحزنون } على تضييع العمر، وفوت الأجر، والفضل لعدم تضييعهم، وعدم الفوت، والمراد الخوف والحزن الدائمان؛ فإنه الشقى فى الآخرة لا يزول خوفه وحزنه حتى يدخل النار بل يخاف فيها أيضا، لأنه يخاف فى كل عقاب عقابا بعده، ويحزن لذلك، ودخل فى الآية أهل الفترة الذين آمنوا وأدركوا البعثة كأبى ذر، وسلمان رضى الله عنهما، أو لم يدركها كقيس بن ساعدة، قيل: وورقة ابن نوفل، وبحيرا الراهب.
Page inconnue