{ هم } أى المؤمنون والكافرون عند ابن عباس والكلبى، كقوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة الآية { درجات } مراتب { عند الله } أحوالهم درجات، أو هم ذوو درجات، أو هم كدرجات، كقولك زيد أسد، أى كأسد، أو هم نفس الدرجات، مبالغة فى التفاوت، ووجه الشبه التفاوت ثوابا وعقابا باتباع رضوان الله وبالبوء بالسخط، وتقاوت أيضا المتبعون فيما بينهم، والباءون فيما بينهم وكل ذلك فى الآية، وجعل ابن عباس التفاوت بين من اتبع ومن باء فقط، والدرجات تستعمل فى الشر كما تستعمل فى الخير، كقوله تعالى: ولكل درجات والمراد فى الآية المؤمنون، يرد الضمير إلى من ابتع، لأن لفظ الدرجات أنسب به وبقوله عند الله، وإنما يضيف إلى نفسه الخير، كقوله:
كتب ربكم على نفسه الرحمة
[الأنعام: 54]، غالبا، فيقدر للكفار هكذا، والعصاة دركات عنده، أو نحو ذلك، أو المراد من كفر، فيرد الضمير إلى من باء، ويناسبه أنه أقرب، وبه قال الحسن، إذ فسر ذلك بأن أهل النار متقاوتون فى العذاب، ومعنى عند الله فى حكمه وعلمه وقضائه، ويتعلق بدرجات، لأن معنى درجات متفاوتون، ومن تفاوتهم فى العذاب قوله صلى الله عليه وسلم:
" إن منها ضحضاحا وغمرا وأنا أرجو أن يكون أبو طالب فى ضحضاحها "
، وقول صلى الله عليه وسلم:
" الله، الله، الله، إن أقل أهل النار عذابا له نعلان من نار، يغلى من حرهما دماغه، ينادى، يا رب، هل يعذب أحد عذابى "
{ والله بصير بما يعملون } يجازى متبع الرضوان بالكرامة والثواب وغيره بالمهانة والعذاب.
[3.164]
{ لقد من الله } أنعم، وأصله القطع، فإن البلية تقطع بالنعمة، وإذا أعددت على أحد بما فعلت به من الخير فقد مننت،أى أبطلت ما فعلت وقطعته { على المؤمنين } بالفعل، أو من يئول أمره إلى الإيمان، أنعم عليهم برسوله، والإيمان به، ومنهم الرسول، من الله عليه بالوحى وإيمانه به، ومن عليه بمن اتبعه، وكل نبى هو أول من يؤمن بما أوحى إليه أنه من الله، ولو تقدم الإيحاء به إلى غيره والرسول منة على كل أحد، لأنه منجاة لكل من أرادها، إلا أنه خص المؤمنين لأنهم المنتفعون به، والمراد المؤمنون من العرب، او من قريش، أو من الناس { إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } نسبهم من إسماعيل ومن عدنان إليهم، ونسبه فى كل العرب إلا بنى تغلب، تنصروا واستمروا عليها، وكان فى قومه يشاهدونه من حيث نشأ إلى ادعائه الوحى ما يرون منه محرما ولا مكروها ، ولا شيئا من مساوىء الأخلاق وما رأوا منه إلا عبادة الله بما أمكن له قبل الوحى ومكارم الأخلاق، فيبعد أن ينسبوه إلى الكذب فى دعوى الوحى، لا كذب أقبح من دعوى الوحى كذبا إلا دعوى الألوهية وعبادة الأصنام، وجحود الله، وأنواع االشرك، فبعثه فيهم من أكبر النعم إذ كان أقرب لهم إلى فهم كلامه وإلى الإيمان فلا يكذبونه لمشاهدتهم صدقه فى كل أحواله، وإذ كان أنسب لهم بالافتخار به فيكون من دواعى الإيمان به، أو أنفسهم قريش، ويدل له قراءة من أنفسهم، بفتح الفاء، فذلك أشد لهم فخرا ونعمة، أو أنفسهم الإنس لا من الجن ولا من الملائكة فهو أليق بالأخذ عنه، وأخرج البيهقى عن عائشة، أن المراد العرب خاصة، وذلك فى الآية، وإلا فهو رحمة للعالمين كلهم، ومن يتعلق ببعث، أو بمحذوف نعتا لرسولا، ومن لم يعلم أنه من الجن أو الإنس أو الملائكة أشرك ومن لم يعلم من العرب أو العجم أشرك، لأنه كونه من العرب معلوم كالأمر الضرورى، وقيل، لا يشرك، ومن جزم بأنه من العجم أو من الملائكة أشرك، لا إن لم يعلم أنه من أشرف القبائل { يتلوا عليهم ءاياته } أي القرآن، وهو أفضل كتب الله، بعد ما لم يجدوا إلا ما قل جدا من أهل الكتاب من الوحي ممزوجا بأكاذيب { ويزكيهم } يطهرهم من الشرك وما دونه من المعاصى وسوء الطباع والاعتقاد وفساد الجاهلية وأهل الكتاب، أو يشهد لهم أنهم أزكياء { ويعلمهم الكتاب } القرآن { والحكمة } السنة، يعبر عن القرآن تارة بالآيات، وتارة بالكتاب تلويحا بأنه علامة ونعمة من حيث إنه كلام مجموع، وقد يعبر عنه بالحكمة من حيث إنه عصمة فوسط التزكية للإيذان بذلك التعدد فى النعم، فإن التزكية تكميل بالعمل لمرتب على التعليم، المرتب على التلاوة، وأما قوله تعالى
ربنا وابعث فيهم رسولا
Page inconnue