202

Taysir Tafsir

تيسير التفسير

Genres

" لا تفارقوا موضعكم ولو رأيتم الطير تأكلنا "

، ففارقوه وجاءهم خالد وعكرمة بن أبى جهل فأرسل إليهم صلى الله عليه وسلم الزبير فهزمهما ومن معهما، فدخل الرماة العسكر ودخل خالد ومن معه موضعهم، وقتل بعض المسلمين بعضا التباسا { منكم من يريد الدنيا } وهم من تحولوا عن المركز للغنيمة { ومنكم من يريد الأخرة } وهم الملازمون للمركز حتى قتلوا { ثم صرفكم } عطف على جواب إذا، والمعنى كفكم { عنهم } بالانهزام، وغلبوكم { ليبتليكم } يعاملكم معاملة المختبر ليظهر إخلاصكم وثباتكم على الإيمان وعدمها، وفى ذلك استعارة مركبة تمثيلية، والآية دليل على أن كل فعل لمخلوق فعل الله، بمعنى أنه خلقه، ولو معصية، إذا أسند الصرف إلى نفسه، مع أن الانهزام كبيرة ومخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم بلزوم المركز { ولقد عفا عنكم } لعلمه بتوبتكم عن المخالفة، فلا ضمان دية ولا عتاب، فهذا تفضل، فلا دليل فى الآية على تصور العفو بلا توبة، نعم يتصور فى ناسى ذنبه الذى لم يصر عليه، ولا سيما من يستغفر من الذنوب عموما وخصوصا فيدخل ذنبه فى العموم، وهو تعميم واجب على المكلف، وقيل: عفا عنكم بمحض فضله، عفا عن الاستئصال، وقيل عن من لم يعص بانصرافه { والله ذو فضل على المؤمنين } يعفو عنهم ويرحمهم، غلبوا أو غلبوا، والمراد المخاطبون، أو عموم المؤمنين، فيدخلون أولا.

[3.153]

{ إذ تصعدون } اذكر إذ تصعدون، أو عصيتم إذ تصعدون، أو تنازعتم إذ تعصدون، أو فشلتم إذ تصعدون، أو لقد عفا عنكم إذ تصعدون، أو ذو فضل على المؤمنين إذ تصعدون، أنا خصصنا المؤمنين بالمنهزمين، والاصعاد الإبعاد فى الأرض والذهاب فيها هاربين، كقولك أعرق بمعنى دخل العراق، أو إذ تصعدون الجبل حين ضايقكم العدو، لا مانع من خطابين بلا عطف، لأن الخطاب فى تصعدون شامل له أيضا، كقولك: إذكر يا زيد وقت جئت أنت وعمرو فأكرمتكما ولا مخالفة للظاهر، وذلك كقوله تعالى:

يا أيها النبى إذا طلقتم النساء

[الطلاق: 1]، أى طلقت أنت وأصحابك { ولا تلوون على أحد } لا تقيمون لأحد من أصحابكم ليلتحق بكم، أو لتردوا عنه، ولو فى هذا المعنى لا يستعمل إلا فى النفى { والرسول } قبل أن يعرفه كعب بن مالك، ونادى هذا رسول الله، وقال له اسكت، وقد مر { يدعوكم } لتجتمعوا عنده ولا تفرقوا ولتجاهدوا { فى أخراكم } من ورائكم، إلى عباد الله، إلى عباد الله، من يكر فله الجنة، من صبروا احتسب فله الجنة، أى من آخركم، أو فى جماعتكم الأخرى أى الآخرة { فأثابكم } جازاكم والثواب فى اللغة الجزاء ولو بشر، ولو خص فى العرف بخير، حتى قيل إنه هنا تهكم { غما } بالهزيمة والجراح والقتل، وفوت الغنيمة والإرجاف بموت النبى صلى الله عليه وسلم، وهو غم كثير متكرر { بغم } بسبب غمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل وقف عليهم بباب الشعب أبو سفيان، فخافوا أن يقتلهم خوفا أنساهم قتل من قتل من قبل، قيل: بمخالفة المركز والتفرق عنه، أو غما مع غم أى متكررا كثيرا لا غمين فقط { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة والغلبة { ولآ مآ أصابكم } ولا على ما أصابكم من القتل فى أقاربكم وأصحابكم والهزم، والمعنى لتمهدوا أنفسكم بعد على الصبر فى الشدائد، من فوت نفع، أو لخوف ضر وعلى أن الدنيا دول، كما فرحتم ببدر وحزنتم باحد، ولا دليل على زيادة لا فى الموضعين هكذا لتحزنوا على ما فاتكم، وعلى ما أصابكم، ولا دليل على أن ضمير أثاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أى اقتدى بكم فى الإغمام بما نزل عليكم، كما أغتممتم بما نزل عليه ولم يعاتبكم على مخالفة المركز تسلية لكم، كى لا تحزنوا على ما فاتكم ولا على ما أصابكم، وذلك بأنهم لما رأوه مشجوجا مكسور الرباعية مقتول العم اغتموا لأجله، ورآهم عصوا بالمخالفة وحرموا من الغنيمة وقتلت أقاربهم وأصحابهم وهزموا اغتم { والله خبير بما تعملون } من نية وقصد قول وعمل الجوارح، والجزاء على ذلك، قال ابن عمر: فر عثمان يوم أحد وعفا الله عنه وعن من فر معه ولم يحضر بدرا لأمره صلى الله عليه وسلم بأن يقيم مع زوجه لمرضها، وهى بنته صلى الله عليه وسلم، وقال: لك أجر من شهد وسهمه، ولم يحضر بيعة الرضوان لوقوعها بعد ما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وقد ضرب بيمناه بدلا عن بيعة عثمان.

[3.154]

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم } صرفكم فأثابكم، ثم أنزل، ولفظ ثم كان فى الترتيب وزادت بالتراخى ولكن ذكر لفظ بعد لتأكيد النعمة، ومدة الغم لعظمه كأنها طويلة، فالتراخى لذلك، مع أن فيها ما يسيغ لفظ ثم من التراخى ولو بلا شدة لخروجها عن الاتصال ولك جعل التراخى معنويا لعظمة الأمنة المذكورة فى قوله { أمنة } أمنا، وقيل الأمن مع زوال سبب الخوف والأمنه مع بقائه مفعول أنزل { نعآسا } بدله الاشتمالى أى نعاسا بها، أو عطف بيان على جوازه فى النكرات، ولا بأس به، أو أنزل عليكم نعاسا حال كونكم ذوى أمن أو آمنين، ككامل وكملة، أو مفعول من أجله، ونعاسا مفعول على أن الأمن يكون على من وقع عليه ويكون لمن أوقعه فاتحد فاعله وفاعل الإنزال، أو هو مصدر بمعنى الإيمان، وهو جعلهم آمنين { يغشى طآئفة منكم } قال ابن عباس رضى الله عنهما: آمن الله المؤمنين بنعاس يغشاهم، وإنما ينعس من يأمن، والخائف لا يأمن، فالمنافقون بقوا على الخوف فلم ينعسوا قال طلحة والزبير بن العوام: غشينا النعاس فى المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه، فهم يميلون بالنعاس تحت الدروع والدرق، وتسقط السيوف من أيديهم وهم قائمون، ويأخذونها جازمين بالنصر، آمنين من الاستئصال لصحة إيمانهم، وقيل: ناموا عمدا، إذ علموا أن القوم ذاهبون إلى مكة، وقد خاف صلى الله عليه وسلم أن يحاصروا المدينة، فأمرهم بالصبر إن حاصروا، وأمر رجلا فذهب فرآهم سراعا إلى جهة مكة، فناموا { وطآئفة قد أهمتهم أنفسهم } هم المنافقون، لم ينزل عليهم نعاسا ولا ناموا باختيارهم، أوقعتهم أنفسهم فى الحزن خوفا عليهم، أو جعلتم فى أمر مهم وهو نجاتهم إن شكوا فى نبوته صلى الله عليه وسلم، وإنما حضروا للغنيمة، والجملة مبتدأ وخبر، وأجيز أن يكون قد أهمتهم الخ نعتا، ويقدر الخبر معكم أو منكم، والواو للحال على كل حال { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } كظن الفرق الجاهلية أو أهل الملة الجاهلية، أو الظن المختص بالجاهلية، كقولك حاتم الجود، وذلك أنهم ظنوا أنه لا ينصر وأنه قتل مع أنه لا يموت حتى بنصر، وأنه غير نبى، وغير مفعول به وظن مفعول مطلق، والمفعول الثانى محذوف، أى واقعا، وغير الحق أنه لا يموت صلى الله عليه وسلم، أو أنه غير نبى، ولاجملة خبر ثان لطائفة، أو نعت ثان له أو حال { يقولون هل لنا من الأمر } الذى وعد الله ورسوله من الظفر والنصر، استفهام إنكار، أو تقرير أو تعجب، أولما كثر القتل فى الخزرج قال ابن أبى: ما لى أمر مطاع، ولو أطاعنى محمد ولم يخرج لم يكن هذا القتل، فالأمر شأن الشورى، فالاستفهام للنفى فزيدت من، والجملة تفسير ليظنون { من شىء } أى نصيب { قل إن الأمر كله لله } يفعل ما يشاء ن لأن له القضاء، أو ما أصاب المسلمين صورة غلبة والأمر الحقيق غلبة الله وأوليائه بالعافية بعد، وبالحجة، فإن حزب الله هم الغالبون { يخفون فى أنفسهم } من التكذيب { ما لا يبدون لك } ويظهرون طلب النصرة، وفسر ذلك بقوله { يقولون } فى أنفسهم أو بعض لبعض خفية { لو كان لنآ من الأمر } من الاقتداء برأينا فى عدم الخروج إلى العدو، وفى البقاء فى المدينة، فنقتلهم إذا جاءونا فيها كما اعتدنا، أولو كان لنا مما وعد محمد من النصر، ومن قوله إن الأمر كله لله وأوليائه { شىء ما قتلنا هاهنا } فى أحد، ولو أخذ برأينا لم نقتل فى المدينة، لكن لم يؤخذ فخرجنا فقتلنا { قل } للمنافقين والمرتابين، وقيل للمنافقين، وأو لهما وللمؤمنين { أو كنتم فى بيوتكم } ومنازلكم فى المدينة وما يليها ولم تخرجوا كما خرجتم { لبرز } ظهر بالخروج إلى أحد { الذين كتب عليهم } فى اللوح المحفوظ أو قدر { القتل إلى مضاجعهم } مصارعهم لا يقدرون ألا يخرجوا إلى أحد ولا على أن يموتوا فيه، لقضاء الله ذلك، وقضاؤه لا يختلف، أو لو كنتم فى بيوتكم لبرز المؤمنون فيقتلون ولا يتخلفون كما تخلفتم، وسمى المصرع مضطجعا تشبيها بموضع الرقاد لجامع لزوم المكان، وعدم التصرف فيه، فذلك استعارة تبعية، لأن اسم المكان الميمى يتضمن حدثا، ولا يصح ما قيل من أنه اعتبر المضجع بمعنى موضع الامتداد لحي أو ميت، فهو حقيقة، لأن الميت لا يمتد بنفسه بل ولا بغيره، لأن من يضعه فى قبره، يضعه كما هو، لا يحدث له مدا ولا يزيده، وأيضا لا نسلم أن المضجع لا يختص بمد النوم { وليبتلى الله ما فى صدوركم } لبرز لنقاذ القضاء وليبتلى، أو لكيلا تحزنوا وليبتلى، أو فعل ذلك القتل فى أحد ليبتلى، أو لبرز لمصالح كثيرة وليبتلى، وابتلاء الله ما فى الصدور إظهاره ما فيها من إخلاص أو نفاق يظهر بالجزاء مرة وبالوحى أخرى فى خير أو شر، كقوله تعالى:

يوم تبلى السرائر

[الطارق: 9]، والصدور القلوب ، تسمية للحال باسم المحل، فإن القلب كزائد حادث متدل فى الصدرن أو تسمية للجزء باسم الكل،وذكر القلوب تفنن بعد، والتمحيص للاعتقاد والإيمان، ولا يقال آمن بصدره، وينسب للصدر الشرح، كما فى مواضع من القرآن وعبارة بعضهم، القلب مقر الإيمان، والصدر محل الإسلام، والفؤاد مشرق المشاهدة واللب مقام التوحيج { وليمحص ما فى قلوبكم } من السرائر يخلصه من الوساويس، من الشك والارتياب بما يربكم من عجائب صنعه، فى إلقاء الأمنة وصرف العدو وإعلان المنافقين، أو يصفى ما فى قلوبكم من تبعات المعاصى بتكفيره بما أصابكم، وعن ابن عباس، الابتلاء والتمحيص واحد { والله عليم بذات الصدور } فيجازى عليها ولا يحتاج إلى ظهورها، وإنما أظهرها ليتميز المنافق من المؤمن بالقلوب صاحبة الصدور، والمعنى بما فى القلوب التى فى الصدور كأنها مالكة للصدور، أو عليم باعتقادات صاحبة الصدور.

Page inconnue