ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
[النحل: 32] وبفضل الله تعالى إذ أورثهم ما تستوجبه أعمالهم، وبجعله أعمالهم وأقوالهم واعتقادهم ثمنا لها ولدرجاتها، وجعل ذلك ثواب فضل من الله، فلا حاجة إلى جعل الباء فى قوله بما كنتم تعملون بغير سببية وعد، إلى جعل دخولها بمقتضى الوعد، وإلى دعوى أن عدم ذكر السبب لذلك، أى فثابتون فى رحمة الله، أخبر أولا بالدخول وأخبر ثانيا بالخلود، إذ قال { هم فيها خالدون } بدأ بالابيضاض وختم بخلود الجنة لاستحسان الطبع أن يبدأ بما يسر مع ختمه بما يسر، وعبر بالرحمة عن الجنة لأنها محل الرحمة، والظرفية حقيقة، أو عن الثواب فتكون مجازا، وفى ذلك إشارة إلى أن دخولها برحمة الله، لا يستقل بها عمل مؤمن ولو عاش ما عاش فى محض طاعة لا تشوبها معصية، وفى الحديث:
" لن يدخل أحدكم الجنة عمله، فقيل: حتى أنت يا رسول الله، قال: حتى أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته ".
[3.108]
{ تلك ءايآت الله نتلوها عليك } يا محمد بواسطة جبريل، كقوله تعالى { سنقرئك } ، وفى إسناد التلاوة إليه تعالى مع التكلم مبالغة فى تعظيم الآيات المتلوة وتعظيم المتلو عليه صلى الله عليه وسلم، ولا داعى إلى الإعراض عن جعل آيات خبرا إلى جعله بدلا، فنتلوها حال من آيات { بالحق } لا شبهة فيها { وما الله يريد ظلما للعالمين } لا يريد أن يظلمهم بعقاب ما لم يفعلوا، فضلا عن أن يوقع ظلمهم، ولو ظلموا أنفسهم، وظلم بعض بعضا، فتعذيبه الكفرة بالنار عمل بأفعالهم، لا ظلم وذلك أوى من أن تحمل الإرادة على مبينها، ولا رمها البيان وهو الظلم.
[3.109]
{ ولله } وحده { ما فى السماوات وما فى الأرض } ليس لأحد فى ملكه حق، فيظلم بنقصه ولا منع من شىء فيظلم بفعله، فما هو بفاعل ما سمى ظلما بين العباد، فهو يثيب المطيع بلا وجوب، ولا نقص عن حقه، بل فضلا، ويعاقب العاصى عدلا بلا زيادة على عمله { وإلى الله } وحده، إلى قضائه وحكمه { ترجع الأمور } أمور الخلق فيجازيهم.
[3.110]
{ كنتم } الخطاب للأمة كلها، أمة الإجابة، كما قال عمر رضى الله عنه، من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شكر الله تعالى، يعنى قوله تعالى، تأمرون الخ، فإما أن يريد تلك الآية عمت، وإما أن يريد خصت الصحابة، كما قيل أو المهاجرين وأن غيرهم فى حكمهم، وكذا إذا قيل إنها فى أهل البيت، أو قيل فى عمار ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل، والصحيح الأول، الحديث:
" أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد وجعل لى التراب طهورا، وجعلت أمتي خير أمة "
Page inconnue