قلت: وفيه أن هذه الأمور ونحوها لا تكون لهوان المؤمن على الله بل لكرامته، وفيه الثناء على المجاهد الموصوف بتلك الصفات. قاله المصنف.
[٣٢- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]
[لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق]
ش: لما كانت الطاعة من أنواع العبادة بل هي العبادة فإنها طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة رسله ﵈ ; نبه المصنف رحمه الله تعالى بهذه الترجمة على وجوب اختصاص الخالق ﵎ بها، وأنه لا يطاع أحد من الخلق إلا حيث كانت طاعته مندرجة تحت طاعة الله وإلا فلا تجب طاعة أحد من الخلق استقلالًا. والمقصود هنا الطاعة الخاصة في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فمن أطاع مخلوقًا في ذلك غير الرسول ﷺ فإنه لا ينطق عن الهوى، فهو مشرك كما بينه الله تعالى في قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ﴾ ١ أي: علماءهم ﴿أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ٢. وفسرها النبي ﷺ بطاعتهم في تحريم الحلال، وتحليل الحرام كما سيأتي في حديث عدي.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ ٣.
قيل: هم العلماء، وقيل: هم الأمراء وهما روايتان عن أحمد. قال ابن القيم: والتحقيق بأن الآية تعم الطائفتين.
قيل: إنما تجب طاعتهم إذا أمروا بطاعة الله وطاعة رسوله، فكان العلماء مبلغين لأمر الله وأمر رسوله، والأمراء منفذين له، فحينئذ تجب طاعتهم تبعًا لطاعة الله ورسوله كما قال ﷺ: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" ٤. وقال: "على المرء المسلم
١ سورة التوبة آية: ٣١.
٢ سورة التوبة آية: ٣١.
٣ سورة النساء آية: ٥٩.
٤ البخاري: أخبار الآحاد (٧٢٥٧)، ومسلم: الإمارة (١٨٤٠)، والنسائي: البيعة (٤٢٠٥)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٢٥)، وأحمد (١/٨٢،١/٩٤،١/١٢٤) .