هي ابنة الملكة «أه-هوتب» والأمير «سكنن-را الثالث»، وقد تزوجت أخاها «أهمس»، وشاركته في الحكم مدة ربع جيل. وتاريخ هذا العهد مسطور على النصب التي وجدت في المعصرة، وعندما مات «أهمس» صعد على عرش الملك ابنه الصغير «أمنهوتب الأول»، على أن «نوفريتاري» ظلت تدير الشئون العامة.
ولقد كانت ملكة عظيمة نبيلة، ولم يكن لها هم إلا توطيد السكينة في مملكتها، وكانت بفطرتها ذات عزم وقوة حياة لا منتهى لهما، ووهبت نفسها خالصة لأعباء الملك، غير مشغولة إلا بالقيام على مصالح دولتها.
كانت البلاد ظمأى إلى الأمنة والثقة، من بعد الأزمنة المضطربة التي خاضت عبابها، وبخاصة بعد الحروب العاتية مع «الهيكسوس»، فمهدت لها «أهمس-نوفريتاري» بنشاطها الدائم اليقظ عهد إقبال وعظم شأن.
ولقد نهضت مدة أخذها بأزمة الحكم بالأمر الذي كان هم نفسها، وهو أن تكون لأمتها هاديا ثقة رشيدا.
وهكذا عاشت «أهمس-نوفريتاري» حياة جد مفعمة، وتركت بمصر طابعا بعيد الغور.
ويظهر أنها برغم ما أنجزت من العمل الخطير الشأن لم تكن حياتها طويلة المدى، فقد تبين من سبر جثمانها الذي وجد مصانا بالدير البحري، أنها كانت عند مماتها عوانا بين الصبا والهرم.
بيد أنها بعد أن أتمت ملكها في الأرض، ظلت وهي في عالم الغيب ذات سيطرة حميدة الأثر، وأصبح من كان يتوجه بحاجته نحوها في حياتها يتوسل إليها بالدعاء. ومنذ ذلك العهد وجدت مصر عن فقدها الأليم عزاء، باعتقادها أنها وجدت إلها جديدا، وصارت مؤسسة بيوت الملك التي كانت فخر القطرين، معتبرة في تلك الأماكن التي أحبتها من قبل، وساست أمورها آلهة تقصد بالدعاء، وأمست «أهمس-نوفريتاري» مثل «آمون» و«مت» و«كونسو» صورة تولي الوجوه شطرها بالصلاة، ولها رمز يشبه رمز الإلهة «هاتور».
وأحيانا تصور أمام البقرة المقدسة؛ مثال القبة السماوية التي تلد الشمس كل صباح.
لا تنسى مصر ملوكها المحبوبين، ولا تفتأ تشدو بذكر مفاخرهم، وما هو إلا أن ننعم النظر؛ لنرى أن الذين أخلصوا في محبتها لم تألهم على وجه الدهر قياما بحق الجميل، وأن «أهمس-نوفريتاري» ملكة مصر وإلهة طيبة لتعيش دائما محاطة بهالة كرامة، بين تلك الآثار التي ذهبت إليها مستخبرة أجمع ما تفرق من تاريخ الملكة الغريب، وقد وجدت في كل مكان بقايا لائحة مسفرة من شعائرها الدينية، التي هي نسيج وحدها.
ما بين «أبيدوس» إلى «إدفو» هي حية بآثارها، وصورتها معبودة بنشاط لا يدركه فتور.
Page inconnue