هزت عطفي هذه العروض، وبزت لطفي مما لها عندي من القروض، فأحببت أن أعتلق بأذيالها، وأغتبق بجريالها، فقلت، وبالله التوفيق:
وقع المحبوب في شركي ... وتبرا الهم من هممي
زار يخفي خوف لومه
والدجى في حلي أنجمه
لا تخف يا عقد مبسمه
درك المكنون في دركي ... واللمى لا يخش من ألم
زورة قد بلغت أملي
لم ترد حولي ولا حيلي
خلصتني من يدي أجلي
كنت منها وسط معترك ... من سرايا الشوق والسقم
هو أحياني بزورته
وشفى سقمي بقبلته
أرج الأرجا بنكهته
نفس مثل العبير ذكي ... من فم كالدر منتظم
من كمحبوبي الذي بهرا
لطفه مثل النسيم سرى
] . . . . . . . . . . . . [
وجهه في شعره الحلك ... قمر قد لاح في الظلم
يا غزالا ساحر الحدق
وهلالا سافر الأفق
ته على كل الورى وفق
فلك الأقمار في الفلك ... قد غدت من جملة الخدم
وفتاة قد صبت لفتى
ما رآها قط فالتفتا
فلذا قالت وقد عنتا:
إن وقع ذا الشب في شركي ... فحرمي إن دخل حرمي
-٤٦-
ومن ذلك موشحة لابن الزقاق الأندلسي، وهي:
خذ حديث الشوق عن نفسي ... وعن الدمع الذي همعا
ما ترى شوقي قد اتقدا
وهمى بالدمع واطردا
واغتدى قلبي عليك سدى
آه من ماء ومن قبس ... بين طرفي والحشا جمعا
بأبي ريم إذا سفرا
أطلعت أزراره قمرا
فاحذروه كلما نظرا
فبألحاظ الجفون قسي ... أنا منها بعض من صرعا
أرتضيه جار أو عدلا
قد خلعت العذر والعذلا
إنما شوقي إليه فلا
كم وكم أشكو إلى اللعس ... ظمأي، لو أنه نفعا
ضل عبد الله بالحور
وبطرف فاتر النظر
حكمه في أنفس البشر
مثل حكم الصبح في الغلس ... إن تجلى نوره صدعا
شبهته بالرشا الأمم
فلعمري إنهم ظلموا
فتغنى من به السقم
أين ظبي القفر والكنس ... من غزال في الحشا رتعا
-٤٧-
استخفني هذا بالطرب، وأرشفني رضاب الضرب، فاغتبقت من كاسه، وارتفقت بين ورده وآسه، وتفوقت خلفه، ونظمت خلفه، وقلت:
يا صبا مسكية النفس ... أنت قد جددت لي الولعا
كانت الأحشاء قد خمدت
وسيول الدمع قد جمدت
وأيادي الصبر قد حمدت
ثم لما سرت في الغلس ... بان صبري والسلو معا
كيف أحبابي، هل ادكروا
من به قد أودت الفكر
وشكوا بلواه أو شكروا
وهل العهد القديم نسي ... فالوفا والبعد ما اجتمعا
لي حبيبٌ لانَ ثم قسا
واحتمى بالصد واحترسا
فأراه كلما عبسا
مثل ليث الغاب مفترسي ... وهو ظبي في الحشا رتعا
بدر تم شعره غسق
وله من فرقه فلق
وكذا في خده شفق
نبل عينيه بغير قسي ... قد أصاب الصب فانصرعا
لست أنسى يوم زورته
حين حياني بطلعته
وسقاني راح ريقته
عسلا أجنيه من لعس ... بين ذاك الدر قد نبعا
ومهاة في الجمال رقت
ألفت تربا به علقت
طالما قالت وقد قلقت:
يا زويجي قد كثر هوسي ... في العشيق روح اطلبو وتعا
-٤٨-
ومن ذلك موشحة لأبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري، وهي:
من علق القرطا ... في أذن الشعرى
وألحف المرطا ... ألغصن النضرا
ألحسن مرجوم ... عندي ومأثوم
والطرف ظلوم ... والقلب مظلوم
وبأبي ريم ... يعشقه الريم
لم يأكل الخمطا ... ولا رعى السدرا
ولا درى الأرطى ... مذ سكن القصرا
يا قوم بي تياه ... لماه معسول
الهجر هجيراه ... والذنب محمول
يدري الذي يهواه ... أنه مقتول
أماتني عبطا ... وما اتقى الوزرا
لم أعرف الشرطا ... فكنت مغترا
قد همت في وسنان ... أسد الشرى يسبي
بلحظه الفتان ... في معرك الحرب
على الظبى سلطان ... بقدرة الرب
سبحان من أعطى ... جفونك السحرا
1 / 19