النظر في بعض النصوص التي وردت عنه أنه كان عارفًا بربه حق المعرفة، ويثق بما عنده ويلجأ إليه في كل الأمور، ويجأر إليه بالدعاء كلما حزبه أمرٌ أو نزل به مكروه، فتراه يقول: «وأنا أسأل الله العظيم أن يكفيني شر شكواي، وأن لا يزيدني على بلواي، فإني كلما أردت خفض العيش صار مرفوعًا، وعاد بالحزن سبب المسرة مقطوعًا، والله المستعان في كل حال، ومنه المبدأ وإليه المآل» وكان معتزًا بكرامته يصون وجهه عن الخضوع لغير الله، فيقول في خاتمة كتابه «شرح اللمع»: فأسأل الذي صان أوجهنا عن السجود لغيره أن يصون ألسنتنا عن السؤال لغيره، وأن يعرفنا عيوب أنفسنا، ويشغلنا بسترها، وأن يفتح علينا أبواب رزقه العميم ومنه الجسيم، وأن يجمع لنا بين العلم والعمل، وإن يحقق لنا هذا الأم، وأن يصلي على نبيه محمد الذي أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وعلى آله الهادين، وأصحابه المهديين، وأن يجعل ما أمليته خالصًا لوجهه الكريم، إنه أكرم مسئول، ولديه تحقيق كل مأمول، فهو حسبي ونعم الوكيل».
فمثل هذه العبارات لا تنبع إلا من قلب صاف عمر بالإيمان، وأضار بنور اليقين، ولا تجري إلا على لسان رطب بذكر الله، ومن هنا يمكن القول بأنه كان عالمًا بارعًا متدينًا صالحًا، وكان ﵀ متمتعًا بخلق العلماء من تواضع ووفاء، فكان إذا تعرض لذكر شيخه الذي أخذ عنه كثيرًا في كتابه ترفع عن ذكره باسمه إجلالًا له وتقديرًا وذكره يلقب الشيخ، ثم يتبع هذا اللقب بالترحم عليه أو الترضي عنه.
قال ابن الخباز (باب الحال): وقال لنا الشيخ ﵀: إذا كان اسم الفاعل والمفعول صلة للام، لم يجز تقديم الحال عليه تقول: زيد المنطلق مسرعًا، ولا يجوز زيد مسرعًا المنطلق، لتقديمك بعض الصلة على الموصول «وقال في (باب التصغير) معللًا تصغير وراء وقدام وأمام، مع إلحاقها تاء التأنيث: قال الشيخ رحمه لله: لأن الغالب على الظروف التذكير، وهذه مؤنثات، فلو صغرت بغير تاء لألحقت بالغالب.
«وأيضًا كان وفيًا لمن استفاد من علمهم ونهل من موردهم فلا يذكر أحدهم إلا ويتبع اسمه بالترحم عليه مثل قوله: أنشد يعقوب ﵀، وأنشد ابن فارس ﵀، وأنشد سيبويه ﵀ وهكذا كان يأبى عليه وفاؤه إلا أن يكرم أهل الفضل، ويعترف بأياديهم عليه، شكرًا وامتنانًا، وتلك هي أخلاق العلماء وصفات الصالحين الفضلاء.
1 / 22