وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ
..................................................................................................
فالحب الخلي عن ذل والذل الخلي عن حب لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين. وقال أيضا: وأما ما خلقوا له من محبة الله تعالى ورضاه فهو إرادته الدينية، فذلك مذكور في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١ ٢.
وقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٣ الآية. يخبر تعالى أنه بعث في كل قرن وطائفة من الأمم رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة ما زينه الشيطان لهم وأوقعهم فيه من عبادة ما سواه، فمنهم من هدى الله ووحده تعالى بالعبادة وأطاع رسله، ومنهم من حقت عليه الضلالة فأشرك مع الله غيره بعبادته، ولم يقبل هدى الله الذي جاءت به الرسل، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٤. وهذا التوحيد الذي خلقوا له ودعوا إليه هو توحيد الإلهية، توحيد القصد والطلب.
وأما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الأفعال، فهو توحيد العلم والاعتقاد، وأكثر الأمم قد أقروا به لله. وأما توحيد الإلهية فأكثرهم قد جحدوه، كما قال تعالى عن قوم هود لما قال لهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٥ ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ ٦ وقال مشركو قريش: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٧، وهذه الآية وهي قوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٨، هذه الآية تبين معنى الآية قبلها وكذلك الآيات بعدها، وأن المراد بالعبادة التي خلقوا لها هي العبادة الخالصة التي لم يلبسها شرك بعبادة شيء سوى الله كائنا ما كان، فلا تصح الأعمال إلا بالبراءة من عبادة كل ما يعبد من دون الله، والله تعالى خلق الثقلين ليعبدوه، فمنهم من فعل، ومنهم من أشرك وكفر، كما قال تعالى في هذه الآية: ﴿فَمِنْهُمْ
_________
١ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٢ انظر: كتاب العبودية ص ٤٥٤ المطبوع ضمن مجموعة التوحيد ص ٤٥٤، طبعتنا.
٣ سورة النحل آية: ٣٦.
٤ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٥ سورة اأعراف آية: ٦٥.
٦ سورة الأعراف آية: ٧٠.
٧ سورة ص آية: ٥.
٨ سورة النحل آية: ٣٦.
1 / 4