Tawdih
التوضيح في حل عوامض التنقيح
Chercheur
زكريا عميرات
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Année de publication
1416هـ - 1996م.
Lieu d'édition
بيروت
Genres
فصل وقد تجرى الاستعارة التبعية في الحروف ذكر علماء البيان أن الاستعارة على قسمين استعارة أصلية وهي في أسماء الأجناس واستعارة تبعية وهي في المشتقات والحروف وإنما قالوا هي تبعية لأن الاستعارة في المشتقات لا تقع إلا بتبعية وقوعها في المشتق منه كما تقول الحال ناطقة أي دالة فاستعير الناطقة للدلالة بتبعية استعارة النطق للدلالة وكذا الاستعارة في الحروف فإن الاستعارة تقع أولا في متعلق معنى الحرف ثم فيه أي في الحرف كاللام مثلا فيستعار أولا التعليل للتعقيب فإن التعقيب لازم للتعليل فإن المعلول يكون عقيب العلة فيراد بالتعليل التعقيب وهو أعم من أن يكون تعقيب العلة المعلول أو غيره ثم بواسطتها أي بواسطة استعارة التعليل للتعقيب يستعار اللام له أي للتعقيب نحو لدوا للموت وابنوا للخراب لما كان الموت عقيب الولادة جعل كأن الولادة علة للموت فاستعمل لام التعليل وأريد أن الموت واقع بعد الولادة قطعا بلا تخلف كوقوع المعلول عقيب العلة وهذا بناء على أن اللام تدخل في العلة الغائية وهي الغرض بلا شك أنه معلول للعلة الفاعلية فعلم أن اللام الداخلة في الغرض داخلة حقيقة على المعلول وهاهنا نذكر حروفا تشتد الحاجة إليها وتسمى حروف المعاني منها حروف العطف الواو لمطلق الجمع بالنقل عن أئمة اللغة واستقراء مواضع استعمالها وهي بين الاسمين المختلفين كالألف بين المتحدين فإنه يمكن جاء رجلان ولا يمكن هذا في رجل وامرأة فأدخلوا واو العطف وقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تجمع بينهما فلهذا لا يجب الترتيب في الوضوء وأما في السعي بين الصفا والمروة فوجب الترتيب بقوله عليه السلام ابدءوا بما بدأ الله تعالى لا بالقرآن فإن كونهما من الشعائر لا يحتمله أي الترتيب وقوله عليه السلام ابدءوا بما بدأ الله تعالى لا يدل على أن بداءته تعالى موجبة لبداءتكم لكن تقديمه في القرآن لا يخلو عن مصلحة كالتعظيم أو الأهمية أو غيرهما ولا شك أن هذا يقتضي الأولوية لا الوجوب وإنما الوجوب في الحقيقة بما لاح له عليه السلام من وحي غير متلو وبالنسبة إلى علمنا بقوله ابدءوا وزعم البعض أنه للترتيب عند أبي حنيفة رحمه الله وللمقارنة عندهما استدلالا بوقوع الواحدة عنده والثلاث عندهما في إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لغير المدخول بها وهذا أي زعم ذلك البعض باطل بل الخلاف راجع إلى أن عنده كما يتعلق الثاني والثالث بالشرط بواسطة الأول يقع كذلك فإن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط وفي المنجز تقع واحدة لأنه لا يبقى المحل للثاني والثالث وعندهما يقع جملة لأن الترتيب في التكلم لا في صيرورته طلاقا أي لا ترتيب في صيرورته هذا اللفظ تطليقا عند الشرط كما إذا كرر ثلاث مرات مع غير المدخول بها قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فعند الشرط يقع الثلاث كذا هنا وإن قدم الأجزية أي قال لغير المدخول بها أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار يقع الثلاث أي اتفاقا لأنه إذا قال إن دخلت الدار تعلق به الأجزية المتوقفة دفعة فإن قيل إذا تزوج أمتين بغير إذن مولاهما ثم أعتقهما المولى معا صح نكاحهما وبكلامين منفصلين أي قال أعتقت هذه ثم قال للأخرى بعد زمان أعتقت هذه أو بحرف العطف أي قال أعتقت هذه وهذه بطل نكاح الثانية فجعلتموه للترتيب هكذا وضع المسألة في أصول شمس الأئمة وأما فخر الإسلام رحمه الله تعالى فقد وضع المسألة هكذا زوج رجل أمتين من رجل بغير إذن مولاهما وبغير إذن الزوج فقوله بغير إذن الزوج لا حاجة إلى التقييد به وعلى تقدير أن يقيد به لا بد أن يقبل النكاح فضولي آخر من قبل الزوج إذ لا يجوز أن يتولى الفضولي الواحد طرفي النكاح وقد قيد في الحواشي كون نكاح الأمتين بعقد واحد اتباعا لوضع المسألة في الجامع الكبير ولا حاجة لنا إلى التقييد به إذ البحث الذي نحن بصدده لا يختلف بكونه بعقد واحد أو بعقدين وفي الجامع الكبير قيد المسألة بعقد واحد لأنه نظم كثيرا من المسائل في سلك واحد وبعض تلك المسائل يختلف حكمه بالعقد الواحد وبعقدين كما إذا كان نكاح الأمتين برضى المولى وبرضاهما دون رضا الزوج فإن هذه المسألة تختلف بالعقد الواحد وبعقدين فلأجل هذا الغرض قيد بعقد واحد وإن أردت معرفة تفاصيله فعليك بمطالعة الجامع الكبير وإن زوجه الفضولي أختين بعقدين فأجازهما متفرقا بطل نكاح الثانية وإن أجازهما معا أي قال أجزت نكاحهما أو بحرف العطف أي قال أجزت نكاح هذه وهذه بطلا أي بطل نكاح كل واحدة منهما فجعلتموه للقران فإن قال أعتق أبي في مرض موته هذا وهذا وهذا ولا وارث له ولا مال سوى ذلك فإن أقر متصلا عتق من كل ثلثه وإن سكت فيما بين ذلك عتق الأول ونصف الثاني وثلث الثالث لأنه لما قال أعتق أبي هذا وسكت يعتق كله لأنه يخرج من الثلث لأن المفروض أن قيمة العبيد على السواء فإذا قال بعد السكوت وهذا وسكت فقد عطفه على الأول وموجبه أن يعتق نصف الثاني مع نصف الأول لكن لما عتق كل الأول لا يمكن الرجوع عنه ثم لما قال وهذا فموجبه عتق ثلث الثالث مع عتق ثلث كل من الأولين فيعتق ثلث الثالث ولا يمكن الرجوع عن الأولين فجعلتموه للقران أي جعلتم حرف العطف فيما إذا أقر متصلا للقران بمنزلة قولهم أعتقهم أبي معا لأنه لو لم يكن للقران بل يثبت الترتيب كان كمسألة السكوت قلنا أما الأول فلأنه لما عتقت الأولى لم تبق الثانية محلا ليتوقف نكاحها على عتقها فإن نكاح الأمة على الحرة لا يجوز فلم تبق الأمة محلا للنكاح فبطل نكاحها وأما الثاني والثالث فلأن الكلام يتوقف على آخره إذا كان آخره مغيرا بمنزلة الشرط والاستثناء وهاهنا إشارة إلى هاتين المسألتين كذلك أي آخر الكلام مغير لأوله أما في الأختين فلأن إجازة نكاح الثانية توجب بطلان نكاح الأولى وأما في الإخبار بالإعتاق فلأن قوله أعتق أبي هذا يوجب عتق كله ثم قوله وهذا يوجب أن يكون الثلث منقسما بينهما ولا يعتق من الأول إلا بعضه فيكون مغيرا لأول الكلام بخلاف الأمتين أي في المسألة الأولى ليس آخر الكلام مغايرا للأول لأنه إذا قال أعتقت هذه وهذه فإعتاق الثانية لا يغير إعتاق الأولى فلا يتوقف أول الكلام على آخره وفي مسألة الأختين آخر الكلام مغير للأول فيتوقف وقد ذكر في الجامع الحصيري قد قيل لا فرق بين مسألة الأمتين ومسألة الأختين بل إنما جاء الفرق لاختلاف وضع المسألة وهو أن في مسألة الأمتين قال هذه حرة وهذه حرة وفي مسألة الأختين قال أجزت نكاح هذه وهذه فإنه أفرد لكل واحدة منهما تحريرا في مسألة الأمتين فلا يتوقف صدر الكلام على الآخر وفي مسألة الأختين لم يفرد فيتوقف حتى لو أفرد هنا صح نكاح الأولى ولو لم يفرد في الأمتين بأن قال أعتقت هذه وهذه عتقا معا وصح نكاحهما وقد تدخل بين الجملتين فلا توجب المشاركة ففي قوله هذه طالق ثلاثا وهذه طالق تطلق الثانية واحدة وإنما تجب هي أي المشاركة إذا افتقر الآخر إلى الأول فيشارك الأول أي آخر الكلام أوله فيما تم به الأول بعينه أي بعين ما تم لا بتقدير مثله أي مثل ما تم إن لم يمتنع الاتحاد أي إن لم يمتنع أن يكون ما تم به الأول متحدا في المعطوف والمعطوف عليه نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق وليس كتكرار قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فلا يقع الثلاث عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى هنا بخلاف التكرار فإنه يمكن أن يتعلق الأجزية المتكثرة بشرط متحد فيتعلق طالق وطالق وطالق بعين الشرط المذكور وهو قوله إن دخلت الدار لا بتقدير مثلها أي لا يقدر شرط آخر حتى يصير كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق كما زعم أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وبتقديره أي بتقدير مثله وهو عطف على قوله لا بتقدير مثله إن امتنع أي الاتحاد نحو جاءني زيد وعمرو لا بد أن يكون مجيء زيد غير مجيء عمرو وبعضهم أوجبوا الشركة في عطف الجمل أيضا حتى قالوا إن القران في النظم يوجب القران في الحكم فقالوا في وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة لا تجب الزكاة على الصبي كما لا تجب الصلاة عليه يشبه أن يكون هذا الحكم عندهم بناء على أنه يجب أن يكون المخاطب بأحدهما عين المخاطب بالآخر ولما لم يكن الصبي مخاطبا بقوله تعالى وأقيموا الصلاة لا يكون مخاطبا بقوله تعالى وآتوا الزكاة لكنا نقول إنما لا تجب الزكاة على الصبي لأنها عبادة محضة والصبي ليس من أهلها لا للقران في النظم والقائل بوجوب الزكاة على الصبي يقول الخطاب بالصلاة والزكاة يتناول الصبيان لكن العقل خصهم عن وجوب الصلاة إذ هي عبادة بدنية لا عن وجوب الزكاة إذ هي عبادة مالية يمكن أداء الولي عنه وهذا فاسد عندنا الإشارة راجعة إلى إيجاب الشركة في الجمل لأن الشركة إنما تثبت إذا افتقرت الثانية ففي قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر يتعلق العتق بالشرط أيضا لأن الأصل في الواو الشركة وهذه إنما تثبت إذا عطفت على الجزاء فهذه الجملة وإن كانت تامة لكنها في قوة المفرد في حكم الافتقار فعطف على الجزاء فتكون الواو على أصلها وعطف الاسمية على مثلها بخلاف وضرتك طالق فإن إظهار الخبر هنا دليل على عدم المشاركة في الجزاء لما ذكرنا أن الشركة بين المعطوف والمعطوف عليه إنما تثبت إذا افتقرت الثانية فقوله وعبدي حر في قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي حر يراد إشكالا لأنها جملة تامة غير مفتقرة إلى ما قبلها فينبغي أن لا يتعلق بالشرط بل يكون كلاما مستأنفا عطفا على المجموع فأجاب بأنها في قوة المفرد في حكم الافتقار مع أنها جملة تامة لأن مناسبتها الجزاء في كونهما جملتين اسميتين ترجع كونها معطوفة على الجزاء لا على مجموع الشرط والجزاء وإذا كانت معطوفة على الجزاء تكون في قوة المفرد لأن جزاء الشرط بعض الجملة وأيضا الواو للعطف والأصل في العطف الشركة فتحمل على الشركة ما أمكن وهذا إذا كان المعطوف مفتقرا إلى ما قبله حقيقة كما في المفرد أو حكما كما في الجملة التي يمكن اعتبارها في قوة المفرد فحينئذ يحمل على الشركة لتكون الواو جارية على أصلها بقدر الإمكان أما إذا لم يمكن حملها على الشركة فلا تحمل وهذا إذا كان المعطوف جملة لا تكون في قوة المفرد فلا تكون مفتقرة إلى ما قبلها أصلا كما في وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فالواو وتكون لمجرد النسق والترتيب ففي قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وضرتك طالق يمكن حمل قوله وضرتك طالق على الوجهين لكن إظهار الخبر وهو طالق في قوله وضرتك طالق يرجع العطف على المجموع لا على الجزاء لأنه لو كان معطوفا على الجزاء لكي أن يقول وضرتك فقوله بخلاف وضرتك طالق يرجع إلى قوله يتعلق العتق بالشرط ولهذا جعلنا قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا معطوفا على الجزاء لا على قوله وأولئك هم الفاسقون أي ولأجل ما ذكرنا في قوله وعبدي حر مما يوجب كونه معطوفا على الجزاء وما ذكرنا في قوله وضرتك طالق من قيام الدليل على عدم المشاركة في الجزاء جعلنا قوله تعالى ولا تقبلوا إلخ معطوفا على الجزاء فإن قوله ولا تقبلوا جملة إنشائية مثل قوله تعالى فاجلدوا والمخاطب بهما الأئمة وقوله تعالى وأولئك جملة إخبارية وليس الأئمة مخاطبين بها فدليل المشاركة في الجزاء قائم ولا تقبلوا ودليل عدم المشاركة في أولئك فعطفنا الأول على الجزاء لا الآخر وثمرة هذا تأتي في آخر فصل الاستثناء إن شاء الله تعالى الفاء للتعقيب فلهذا تدخل في الجزاء فإن قال إن دخلت هذه الدار فهذه الدار فأنت طالق فالشرط أن تدخل على الترتيب من غير تراخ وقد تدخل على المعلول نحو جاء الشتاء فتأهب وقد يكون المعلول عين العلة في الوجود لكن في المفهوم غيرها نحو سقاه فأرواه ونحو قوله عليه السلام لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه فإن قال بعت هذا العبد منك فقال الآخر فهو حر يكون قبولا بخلاف هو حر ولو قال لخياط أيكفيني هذا الثوب قميصا فقال نعم فقال فاقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه يضمن كما لو قال إن كفاني فاقطعه بخلاف قوله اقطعه وقد تدخل على العلل نحو أبشر فقد أتاك الغوث ونظيره أد إلي ألفا فأنت حر يعتق في الحال وكذا انزل فأنت آمن اعلم أن أصل الفاء أن تدخل على المعلول لأنها للتعقيب والمعلول يعقب العلة وإنما تدخل على العلل لأن المعلول إذا كان مقصودا من العلة يكون علة غائية للعلة فتصير العلة معلولا فلهذا تدخل على العلة باعتبار أنها معلول ومن ذلك قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وقول الشاعر ذا ملك لم يكن ذا هبه فدعه فدولته ذاهبه ونظائره كثيرة وإنما قلنا يعتق في الحال لأن قوله فأنت حر معناه لأنك حر ولا يمكن أن يكون فأنت حر جوابا للأمر لأن جواب الأمر لا يقع إلا الفعل المضارع لأن الأمر إنما يستحق الجواب بتقدير إن وكلمة إن تجعل الماضي بمعنى المستقبل والجملة الاسمية الدالة على الثبوت بمعنى المستقبل وإنما تجعل ذلك إذا كانت ملفوظة أما إذا كانت مقدرة فلا كما تقول إن تأتني أكرمتك ولا تقول ائتني أكرمتك بل يجب أن تقول ائتني أكرمك فكذا في الجملة الاسمية تقول إن تأتني فأنت مكرم ولا تقول ائتني فأنت مكرم فكما لا تجعل إن المقدرة الماضي بمعنى المستقبل فكذلك لا تجعل الاسمية بمعنى المستقبل أيضا بل أولى لأن مدلول الجملة الاسمية بعيد من المستقبل ومدلول الماضي قريب إليه لاشتراكهما في كونهما فعلا ودلالتهما على الزمان فلما لم تجعل الماضي بمعنى المستقبل لم تجعل الاسمية بمعناه بالطريق الأولى ما ثم للترتيب مع التراخي وهو أي الترتيب مع التراخي راجع إلى التكلم عنده أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإلى الحكم عندهما فإن قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار فعندهما يتعلقن جميعا وينزلن مرتبا فإن كانت مدخولا بها يقع الثلاث وإن لم تكن مدخولا بها تقع واحدة وكذا إن قدم الشرط وعنده في غير المدخول بها أي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في غير المدخول بها إذا قدم الجزاء وإنما لم نذكر تقديم الجزاء لأنه يأتي هناك قوله وإن قدم الشرط فيدل على أن البحث السابق في تقديم الجزاء يقع الأول أي في الحال لعدم تعلقه بالشرط كأنه قال أنت طالق وسكت لأن التراخي عنده إنما هو في التكلم ويلغو الباقي لعدم المحل لأن المرأة غير مدخول بها وإن قدم الشرط تعلق الأول ونزل الثاني أي وقع في الحال لعدم تعلقه بالشرط كأنه قال إن دخلت الدار فأنت طالق وسكت ثم قال وأنت طالق ولغا الثالث لعدم المحل وفائدة تعلق الأول أنه إن ملكها ثانيا ووجد الشرط يقع الطلاق وفي المدخول بها أي إن قدم الجزاء ولم يذكره للعذر السابق نزل الأول والثاني أي يقعان في الحال لعدم تعلقهما بالشرط لها كأنه سكن عنهما ثم قال أنت طالق إن دخلت الدار ولما كانت المرأة مدخولا بها تكون محلا فيقع تطليقتان وتعلق الثالث لقربه بالشرط وإن قدم أي الشرط تعلق الأول ونزل الباقي وهذا ظاهر وإنما جعل أبو حنيفة رحمه الله تعالى التراخي راجعا إلى التكلم لأن التراخي في الحكم مع عدمه في التكلم ممتنع في الإنشاءات لأن الأحكام لا تتراخى عن التكلم فيها فلما كان الحكم متراخيا كان التكلم متراخيا تقديرا كما في التعليقات فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يصير كأنه قال عند الدخول أنت طالق وليس هذا القول في الحال تطليقا أي تكلما بالطلاق بل يصير تطليقا عند الشرط بل للإعراض عما قبله وإثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاءني زيد بل عمرو فلهذا قال زفر في قوله له علي ألف درهم بل ألفان يجب ثلاثة آلاف لأنه لا يملك إبطال الأول كقوله أنت طالق واحدة بل ثنتين تطلق ثلاثا قلنا الإخبار يحتمل التدارك وذا في العرف نفي انفراده ذا إشارة إلى التدارك أي التدارك في الإعداد بكلمة بل يراد به نفي الانفراد عرفا نحو سني ستون بل سبعون بخلاف الإنشاء فإنه لا يحتمل الكذب أي الإنشاء لا يحتمل التدارك لأن المراد بالتدارك تدارك الكذب والإنشاء لا يحتمل الكذب فقلنا تعقيب لقوله بخلاف الإنشاء أي لما لم يكن الإنشاء محتملا للصدق والكذب قلنا تقع الواحدة إذا قال ذلك أي قوله أنت طالق واحدة بل ثنتين لغير المدخول بها فإنه إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة وقعت واحدة لا يمكن التدارك والإبطال لكونه إنشاء فإذا وقعت واحدة لم يبق المحل ليقع بقوله بل ثنتين بخلاف التعليق وهو قوله لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة بل ثنتين فإنه يقع الثلاث عند الشرط لأنه قصد إبطال الأول أي الكلام الأول وهو تعليق الواحدة بالشرط وإفراد الثاني بالشرط مقام الأول أي قصد تعليق الكلام الثاني بالشرط حال كونه منفردا غير منضم إلى الأول ولا يملك الأول أي الإبطال المذكور ويملك الثاني أي الإفراد المذكور فتعلق بشرط آخر أي تعلق الثاني وهو قوله ثنتين بشرط آخر فاجتمع تعليقان أحدهما إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة والثاني إن دخلت الدار فأنت طالق ثنتين فإذا وجد الشرط وقع الثلاث فصار كما إذا قال لا بل أنت طالق ثنتين إن دخلت الدار بخلاف الواو فإنه العطف على تقدير الأول فيتعلق الثاني بواسطة الأول كما قلنا أي بخلاف ما إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فإن الواو للعطف مع تقرير الأول فيتعلق الثاني بعين ما تعلق به الأول بواسطة الأول فعند وجود الشرط يكون الوقوع على الترتيب ولما لم يبق المحل بوقوع الأول لا يقع الثاني والثالث كما قلنا في حرف الواو لكن للاستدراك بعد النفي إذا دخل في المفرد وإن دخل في الجملة يجب اختلاف ما قبلها وما بعدها وهي بخلاف بل اعلم أن لكن للاستدراك فإن دخل في المفرد يجب أن يكون بعد النفي نحو ما رأيت زيدا لكن عمرا فإنه يتدارك عدم رؤية زيد برؤية عمرو وإن دخل في الجملة لا يجب كونه بعد النفي بل يجب اختلاف الجملتين في النفي والإثبات فإن كانت الجملة التي قبل لكن مثبتة وجب أن تكون الجملة التي بعدها منفية وإن كانت التي قبلها منفية وجب أن تكون التي بعدها مثبتة وهي بخلاف بل في أن بل للإعراض عن الأول ولكن ليست للإعراض عن الأول فإن أقر لزيد بعبد فقال زيد ما كان لي قط لكن لعمرو فإن وصل فلعمرو وإن فصل فللمقر لأن النفي يحتمل أن يكون تكذيبا لإقراره فيكون أي النفي ردا إلى المقر ويمكن أن لا يكون تكذيبا إذ يجوز أن يكون العبد معروفا بكونه لزيد ثم وقع في يد المقر فأقر به لزيد فقال زيد العبد وإن كان معروفا بأنه لي لكنه كان في الحقيقة لعمرو فقوله لكنه لعمرو بيان تغيير لذلك النفي فيتوقف بيان عليه أي على قوله لكن لعمرو بشرط الوصل لأن بيان التغيير لا يصح إلا موصولا وقد ذكرنا في المتن أنه بيان تغيير لأن ظاهر كلامه يدل على الاحتمال الأول المذكور في المتن وقد عرف في بيان التغيير أن صدر الكلام موقوف على الآخر فيثبت حكمهما معا لا أنه يثبت الحكم في الصدر ثم يخرج البعض وعلى هذا قالوا في المقتضى له بدار بالبينة إذا قال ما كانت لي قط لكنها لزيد وقال زيد باع مني أو وهب لي بعد القضاء أن الدار لزيد وعلى المقتضى له القيمة للمقضي عليه لأنه إذا وصل فكأنه تكلم بالنفي والاستدراك معا فيثبت معا موجبهما وهو النفي عن نفسه وثبوت ملك لزيد ثم تكذيب الشهود وإثبات ملك المقضي عليه لازم لذلك النفي فيثبت الملك لعمرو بعد ثبوت موجبي الكلامين وهما النفي عن نفسه وثبوت ملك لزيد فيكون حجة عليه أي على المقضي له لا على زيد فيضمن القيمة ثم إن اتسق الكلام تعلق ما بعده بما قبله يرجع إلى أول البحث وهو أن لكن للاستدراك فينظر أن الكلام مرتبط أم لا أي يصلح أن يكون ما بعد لكن تداركا لما قبلها أولا فإن صلح يحمل على التدارك وإلا فهو كلام مستأنف أي وإن لم يتسق أي لا يصلح أن يكون ما بعدها تداركا لما قبلها يكون ما بعدها كلاما مستأنفا نحو لك علي ألف قرض فقال المقر له لا لكن غصب الكلام متسق فصح الوصل على أنه نفي السبب لا الواجب فإن قوله لا لا يمكن حمله على نفي الواجب لأنه لو حمل على نفي الواجب لا يستقيم قوله لكن غصب ولا يكون الكلام متسقا مرتبطا فحملناه على نفي السبب فلما نفى كونه قرضا تدارك بكونه غصبا فصار الكلام مرتبطا ولا يكون ردا لإقراره بل يكون نفي السبب بخلاف ما إذا تزوجت أمة بغير إذن مولاها بمائة فقال لا أجيز النكاح لكن أجيزه بمائتين ينفسخ النكاح وجعل لكن مبتدأ لأنه لا يمكن إثبات هذا النكاح بمائتين ففي هذه المسألة الكلام غير متسق لأن اتساقه بأن لا يصح النكاح الأول بمائة لكن يصح بمائتين وذا لا يمكن لأنه لما قال لا أجيز النكاح انفسخ النكاح الأول فلا يمكن إثبات ذلك النكاح بمائتين فيكون نفي ذلك النكاح وإثباته بعينه فعلم أنه غير متسق فحملنا قوله لكن أجيزه بمائتين على أنه كلام مستأنف فيكون إجازة لنكاح آخر مهره مائتان أو لأحد الشيئين لا للشك فإن الكلام للإفهام وإنما يلزم الشك من المحل وهو الإخبار بخلاف الإنشاء فإنه حينئذ للتخيير كآية الكفارة فقوله هذا حر أو هذا إنشاء شرعا فأوجب التخيير بأن يوقع العتق في أيهما شاء ويكون هذا أي إيقاع العتق في أيهما شاء إنشاء حتى يشترط صلاحية المحل حينئذ أي حين إيقاع العتق في أيهما شاء وإخبار لغة عطف على قوله إنشاء شرعا فيكون بيانه إظهارا للواقع فيجبر عليه أي على البيان اعلم أن هذا الكلام إنشاء في الشرع لكنه يحتمل الإخبار لأنه وضع للإخبار لغة حتى لو جمع بين حر وعبد وقال أحدكما حر أو قال هذا حر أو هذا لا يعتق العبد لاحتمال الإخبار هنا فمن حيث إنه إنشاء شرعا يوجب التخيير أي يكون له ولاية إيقاع هذا العتق في أيهما شاء ويكون هذا الإيقاع إنشاء ومن حيث إنه إخبار لغة يوجب الشك ويكون إخبارا بالمجهول فعليه أن يظهر ما في الواقع وهذا الإظهار لا يكون إنشاء بل إظهارا لما هو الواقع فلما كان للبيان وهو تعيين أحدهما شبهان شبه الإنشاء وشبه الإخبار عملنا بالشبهين فمن حيث إنه إنشاء شرطنا صلاحية المحل عند البيان حتى إذا مات أحدهما فقال أردت الميت لا يصدق ومن حيث إنه إخبار قلنا يجبر على البيان فإنه لا جبر في الإنشاءات بخلاف الإخبارات كما إذا أقر بالمجهول حيث يجبر على البيان وهذا ما قيل إن البيان إنشاء من وجه إخبار من وجه وفي قوله وكلت هذا أو هذا أيهما تصرف صح فلهذا أي لما قلنا إن أو في الإنشاءات للتخيير أوجب البعض التخيير في كل أنواع قطع الطريق بقوله تعالى أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وقلنا ذكر الأجزية مقابلة لأنواع الجناية وهي معلومة عادة من قتل أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال أو تخويف فالقتل جزاؤه القتل والقتل والأخذ جزاؤه الصلب وأخذ المال جزاؤه قطع اليد والرجل والتخويف جزاؤه النفي أي الحبس الدائم على أنه ورد في الحديث بيانه على هذا المثال فإن أخذ وقتل فعند أبي حنيفة رحمه الله إن شاء قطع ثم قتل أو صلب وإن شاء قتل أو صلب لأن الجناية تحتمل الاتحاد والتعدد ولهذا قالا في هذا حر أو هذا مشيرا إلى عبده ودابته أنه باطل لأن وضعه لأحدهما الذي هو أعم من كل وهو غير صالح لعتق هنا وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يحمل على الواحد للعين مجازا إذ العمل بالحقيقة متعذر ولو قال لعبيده الثلاثة هذا حر أو هذا وهذا يعتق الثالث ويخير في الأولين كأنه قال أحدهما حر وهذا يمكن أن يكون معناه هذا حر أو هذان فيخير بين الأول والأخيرين لكن حمله على قولنا أحدهما حر وهذا أولى لوجهين الأول أنه حينئذ يكون تقديره أحدهما حر وهذا حر وعلى ذلك الوجه يكون تقديره هذا حر أو هذان حران ولفظ حر مذكور في المعطوف عليه لا لفظ حران فالأولى أن يضمر في المعطوف ما هو مذكور في المعطوف عليه والثاني أن قوله أو هذا مغير لمعنى قوله هذا حر ثم قوله وهذا غير مغير لما قبله لأن الواو للتشريك فيقتضي وجود الأول فيتوقف أول الكلام على المغير لا على ما ليس بمغير فيثبت التخيير بين الأول والثاني بلا توقف على الثالث فصار معناه أحدهما حر ثم قوله وهذا يكون عطفا على أحدهما وهذان الوجهان تفرد بهما خاطري وإذا استعمل أو في النفي يعم نحو ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا هذا ولا ذاك لأن تقديره لا تطع أحدا منهما فيكون نكرة في موضع النفي فإن قال لا أفعل هذا أو هذا يحنث بفعل أحدهما وإذا قال هذا وهذا يحنث بفعلهما لا بأحدهما لأن المراد المجموع أي لا يحنث بفعل أحدهما لأنه حلف على أنه لا يفعل هذا المجموع فلا يحنث بفعل البعض بل بفعل المجموع إلا أن يدل الدليل على أن المراد أحدهما كما إذا حلف لا يرتكب الزنا وأكل مال اليتيم فإن الدليل دال على أن المراد أحدهما في النفي أي لا يفعل أحدا منهما لا هذا ولا ذاك بأن لا يكون للاجتماع تأثير في المنع أي دلالة الدليل على أن المراد أحدهما إنما تثبت بأن لا يكون للاجتماع تأثير في المنع واعلم أن هذا اليمين للمنع فإن كان لاجتماع الأمرين تأثير في المنع أي إنما منعه لأجل الاجتماع فالمراد نفي المجموع كما إذا حلف لا يتناول السمك واللبن فهاهنا للاجتماع تأثير في المنع فإن تناول أحدهما لا يحنث أما في الصورة الأولى فالدليل دال على أنه إنما حلف لأجل أن كل واحد منهما محرم في الشرع فالمراد نفي كل واحد منهما فيحنث بفعل أحدهما وأيضا كما أن الواو للجمع فإنها أيضا نائبة عن العامل فيحتمل أن يراد لا يفعل المجموع فلا يحنث بفعل واحد منهما ويحتمل أن يراد لا يفعل هذا ولا يفعل هذا فيتعدد اليمين فيحنث بفعل كل واحد منهما فيحتاج إلى الترجيح بدلالة الحال وهو ما ذكرنا فاحفظ هذا البحث فإنه بحث بديع محتاج إليه في كثير من المسائل وقد تكون للإباحة نحو جالس الفقهاء أو المحدثين والفرق بينها وبين التخيير أن المراد فيه أحدهما فلا يملك الجمع بينهما بخلاف الإباحة فله أن يجالس كلا الفريقين اعلم أن المراد بالتخيير منع الجمع وبالإباحة منع الخلو ويعرف بدلالة الحال أن المراد أيهما فعلى هذا قالوا في لا أكلم أحدا إلا فلانا أو فلانا له أن يكلمهما لأن الاستثناء من الحظر إباحة وقد يستعار لحتى كقوله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم لأن أحدهما يرتفع بوجود الآخر كالمغيا يرتفع بالغاية فإن حلف لا أدخل هذه الدار أو أدخل تلك الدار فإن دخل الأولى أولا حنث وإن دخل الثانية أولا بر حتى للغاية نحو حتى مطلع الفجر وحتى رأسها وقد تجيء للعطف فيكون المعطوف إما أفضل أو أخس وتدخل على جملة مبتدأة فإن ذكر الخبر نحو ضربت القوم حتى زيد غضبان جواب الشرط هنا محذوف أي فبها ونعمت أو فالخبر ذلك وإلا أي وإن لم يذكر الخبر يقدر من جنس ما تقدم نحو أكلت السمكة حتى رأسها بالرفع أي مأكول إن دخلت الأفعال فإن احتمل الصدر الامتداد والآخر الانتهاء إليه فللغاية نحو حتى يعطوا الجزية حتى تستأنسوا وإلا فإن صلح لأن يكون سببا للثاني يكون بمعنى كي نحو أسلمت حتى أدخل الجنة وإلا فللعطف المحض فإن قال عبدي حر إن لم أضربك حتى تصيح حنث إن أقلع قبل الصياح لأن حتى للغاية في مثل هذه الصورة وإن قال عبدي حر إن لم آتك حتى تغديني فأتاه فلم يغده لم يحنث لأن قوله حتى تغديني لا يصلح للانتهاء بل هو داع إلى الإتيان ويصلح سببا والغداء جزاء فحمل عليه ولو قال حتى أتغدى عندك فللعطف المحض لأن فعله لا يصلح جزاء لفعله فصار كقوله إن لم آتك فأتغدى عندك حتى إذا تغدى من غير تراخ بر وليس لهذا أي للعطف المحض نظير في كلام العرب بل اخترعوه أي الفقهاء استعارة حروف الجر الباء للإلصاق والاستعانة فتدخل على الوسائل كالأثمان فإن قال بعت هذا العبد بكر يكون بيعا وفي بعت كرا بالعبد يكون سلما فتراعى شرائطه ولا يجري الاستبدال في الكر بخلاف الأول قال لا تخرج إلا بإذني يجب لكل خروج إذن لأن معناه إلا خروجا ملصقا بإذني وفي إلا أن آذن لا أي إن قال لا تخرج إلا أن آذن لا يجب لكل خروج إذن بل إن أذن مرة واحدة فخرج ثم خرج مرة أخرى بغير إذنه لا يحنث قالوا لأنه استثنى الإذن من الخروج لأن أن مع الفعل المضارع بمعنى المصدر والإذن ليس من جنس الخروج فلا يمكن إرادة المعنى الحقيقي وهو الاستثناء فيكون مجازا عن الغاية والمناسبة بين الاستثناء والغاية ظاهرة فيكون معناه إلى أن آذن فيكون الخروج ممنوعا إلى وقت وجود الإذن وقد وجد مرة فارتفع المنع
Page 211