ـ[توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم]ـ
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: ١٣٢٧هـ)
المحقق: زهير الشاويش
الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت
الطبعة: الثالثة، ١٤٠٦
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
رب يسر وأعن يَا كريم
حمدا لَك اللَّهُمَّ على مَا منحت من الالهام وَفتحت من الافهام وأزحت من الشكوك والاوهام ولطفت بِنَا فِي ركُوب أَعْنَاق الْكَلَام عَن مُوجبَات التوبيخ والملام وأوردتنا من مناهل كتابك الْهدى وَسنة رَسُولك الْمُصْطَفى منهلا يشفي الاوام ويبرىء الْعِلَل والاسقام وأوضحت لنا فِي ظلمات الفلسفة نورا نستضيء بِهِ فِي حنادش ذَلِك الظلام وحفظتنا من خيالات المتصوفة وشطحاتهم الفظيعة ودعاويهم الطَّوِيلَة العريضة الَّتِي هِيَ كسراب بقيعة فعياذا بك اللَّهُمَّ من تِلْكَ المقالات ولياذا بك يَا من لَا نَأْمَن تِلْكَ الضلالات الَّتِي هِيَ رمد جفن الدّين وكمد نفوس المهتدين وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لاشريك لَهُ شَهَادَة يُمْسِي بهَا الْعَمَل الصَّالح مَرْفُوعا ويضحي بهَا الزلل الفاضح مَوْضُوعا وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ إِلَى الْحق هاديا وبشيرا وَنزل عَلَيْهِ الْفرْقَان ليَكُون للْعَالمين نذيرا فهداهم بِهِ إِلَى الْحق وهم فِي ضلال مُبين وسلك بهم مَسْلَك الْهِدَايَة حَتَّى أَتَاهُم الْيَقِين ﷺ وعَلى آله البررة وَصَحبه الخيره مصابيح الامم ومفاتيح الْكَرم وخلفاء الدّين وحلفاء الْيَقِين الَّذين بلغُوا من محَاسِن الْفَضَائِل الْغَايَة ووصلوا من مَكَارِم الفواضل نِهَايَة النِّهَايَة وعَلى من تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان صَلَاة وَسلَامًا دائمين مَا تناوب النيرَان وتعاقب الملوان
وَبعد فَإِن الْمَنْظُومَة الْمَشْهُورَة فِي الطَّرِيقَة السّنيَّة والعقيدة الحنيفية
1 / 3
الْمُسَمَّاة ب (الكافية الشافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاحِيَة (لم ينسج ناسج على منوالها وَلم تسمح الدهور بشكلها وأمثالها نظم الشَّيْخ الإِمَام والعمدة الْقدْوَة الْهمام شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْقَائِم بِبَيَان الْحق وَنصر الدّين العابد الناسك الْوَرع الزَّاهِد شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن ابي بكر بن ايوب بن سعد الْمَعْرُوف بإبن قيم الجوزية أسْكنهُ الله الغرف الْعلية وَلكنهَا من عهد مؤلفها وَهِي عروس لم يمط لثامها وخود بكر لم يفتض ختامها وَلَيْسَ يخفى مَا تضمنته من أصُول الْفُصُول واشتملت عَلَيْهِ من قَوَاعِد العقائد الَّتِي هِيَ الْحَاصِل والمحصول واحتوت عليبه من الرَّد على أهل الْبدع والضلالة والأقوال الْبَاطِلَة المحالة والمحدثات المضلة المخذولة والخزعبيلات المرذولة كالوجودية والجهمية والمعتزلة والرافضة والحرورية والكلابية والمرجئة والمجبرة وَغَيرهم من أهل الضلالات والأقوال المحالات وقمع أباطيلهم وردع اضاليلهم بالحجج الظَّاهِرَة والبراهين الباهرة من صَحِيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول
وموضوعاها المحاكمة بَين الطوائف وَإِثْبَات صِفَات البارئ سُبْحَانَهُ على رغم كل مُخَالف وَلما كنت قد نبغت فِي هَذِه الْفُنُون قَدِيما وصبغت بهَا أديما وَكنت للكتب وأرباب الْعُلُوم سميرا ونديما وبرعت فِي تِلْكَ الْعُلُوم وكرعت من رحيقها الْمَخْتُوم عَن لي أَن أَضَع عَلَيْهَا شرحا يفتح فعلقها ويقيد مُطلقهَا ويكحل جفونها ويسهل حزونها وَذَلِكَ مَعَ تراكم الأشغال وتبلبل الأفكار والبال وَعدم معِين فِي هَذِه الْأُمُور الثقال ونزارة من يسْتَدلّ بِهِ فِي مثل هَذِه المطالب الْعَالِيَة الَّتِي تقصر فِيهَا الْخَطَأ ويتيه فِي مطاويها القطا وَعدم شرح لَهَا يستضاء بنبراسه فِي دياجي المشكلات وَيَبْنِي على أساسه فِي الْأُمُور المعضلات وَمَعَ ذَلِك فَإِن تَحْرِير هَذَا الشَّرْح فِي حَال غيبتي عَن كتبي الَّتِي هِيَ رَأس مَالِي وعيبتي إِلَّا أَن الله
1 / 4
سُبْحَانَهُ بفضله اعان وأمد بِأَسْبَاب لم تخطر على الأذهان
فدونك شرحا يشْرَح الصُّدُور وتضيئ من غضونه شموس وبدور وتتحلى بجواهره اللبات والنحور فَهُوَ كتاب جمع فأوعى وحوى من كل شييء جِنْسا ونوعا وَمَعَ ذَلِك لم أوثر الإطالة خوفًا من السَّآمَة والملالة وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود مستعينا بِالْملكِ المعبود فَأَقُول وَبِاللَّهِ أَحول وأصول
فصل فِي تَرْجَمَة النَّاظِم
فِي ذكر تَرْجَمَة النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد الزرعي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْمُفَسّر النَّحْوِيّ الأصولي الْمُتَكَلّم الشهير بإبن قيم الجوزية قَالَ فِي (الشذرات (بل هُوَ الْمُجْتَهد الْمُطلق قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي (طَبَقَات الْحَنَابِلَة (فِي تَرْجَمته ولد شَيخنَا سنة ٦٩١ ولازم الشَّيْخ تَقِيّ الد ين بن تَيْمِية وَأخذ عَنهُ وتفنن فى كَافَّة عُلُوم اللإسلام وَكَانَ عَارِفًا فى التَّفْسِير لايجارى فِيهِ وبأصول الدّين واليه الْمُنْتَهى فِيهَا وَبِالْحَدِيثِ ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط مِنْهُ لَا يلْحق فِي ذَلِك وبالفقه وَالْأُصُول والعربية وَله فِيهَا الْيَد الطُّولى وبعلم الْكَلَام والتصوف وَحبس مُدَّة لإنكار شدّ الرحيل إِلَى قبر الْخَلِيل وَكَانَ ذَا عبَادَة وتهجد وَطول صَلَاة إِلَى الْغَايَة القصوى لم أشاهد مثله فِي عِبَادَته وَعلمه بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وحقائق الْإِيمَان وَلَيْسَ هُوَ بالمعصوم وَلَكِن لم أر فِي مَعْنَاهُ مثله وَقد امتحن وأوذي مَرَّات وَحبس مَعَ شَيْخه شيخ
1 / 5
الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين فِي الْمرة الْأَخِيرَة بالقلعة مُنْفَردا عَنهُ وَلم يفرج عَنهُ إِلَّا بعد موت الشَّيْخ وَكَانَ فِي مُدَّة حَبسه مشتغلا بِتِلَاوَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر فَفتح عَلَيْهِ من ذَلِك خير كثير وَحصل لَهُ جَانب عَظِيم من الأذواق والمواجيد الصَّحِيحَة وتسلط بِسَبَب ذَلِك على الْكَلَام فِي عُلُوم أهل المعارف والخوض فِي غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وَحج مَرَّات كَثِيرَة وجاور بِمَكَّة وَكَانَ أهل مَكَّة يتعجبون من كَثْرَة طَوَافه وعبادته وَسمعت عَلَيْهِ قصيدته النونية فِي السّنة وَأَشْيَاء من تصانيفه غَيرهَا وَأخذ عَنهُ الْعلم خلق كثير فِي حَيَاة شَيْخه وَإِلَى أَن مَاتَ وانتفعوا بِهِ قَالَ القَاضِي برهَان الدّين الزرعي مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أوسع علما مِنْهُ ودرس بالصدرية وَأم بالجوزية وَكتب بِخَطِّهِ مَالا يُوصف كَثْرَة وصنف تصانيف كَثِيرَة جدا فِي انواع الْعُلُوم وَحصل لَهُ من الْكتب مَا لم يحصل لغيره
وَقَالَ الْحَافِظ عماد الدّين ابْن كثير فِي (تَارِيخه (مُحَمَّد بن أبي بكر ابْن إيوب الزرعي إِمَام الجوزية وَابْن قيمها سمع الحَدِيث واشتغل بِالْعلمِ فبرع فِي عُلُوم مُتعَدِّدَة لَا سِيمَا علم التَّفْسِير والْحَدِيث والاصلين وَلما عَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من الديار المصرية فِي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة لَازمه إِلَى أَن مَاتَ فَأخذ عَنهُ علما جما مَعَ مَا سلف لَهُ من الِاشْتِغَال فَصَارَ فريدا فِي بَابه فِي فنون كَثِيرَة مَعَ كَثْرَة الطّلب لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَثْرَة الصَّلَوَات والابتهال وَكَانَ حسن الْقِرَاءَة والخلق مَعَ كَثْرَة التودد لَا يحْسد أحدا وَلَا يُؤْذِيه وَلَا يستغيبه وَلَا يحقد على أحد وَله من التصانيف الْكِبَار وَالصغَار شَيْء كثير وَكتب بِخَطِّهِ الْحسن شَيْئا كثيرا واقتنى من الْكتب مَالا يتهيأ لغيره تَحْصِيل عشرَة من كتب السّلف وَالْخلف وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ قَلِيل النظير بل عديم النظير فِي مَجْمُوعه وأموره وأحواله وَالْغَالِب عَلَيْهِ
1 / 6
الْخَيْر والاخلاق الصَّالِحَة وَكَانَ متصديا للافتاء بِمَسْأَلَة الطَّلَاق الَّتِي اخْتَارَهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية ﵀ وَجَرت لَهُ بِسَبَبِهَا فُصُول يطول شرحها مَعَ قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَغَيره وَقد كَانَت جنَازَته حافلة وشهدها الْقُضَاة والاعيان والصالحون من الْخَاصَّة والعامة وتزاحم النَّاس على نعشه وكمل لَهُ من الْعُمر سِتُّونَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ غَيره فِي تَرْجَمته ولد فِي سنة ٦٩١ وَسمع على جمَاعَة كثيرين مثل سُلَيْمَان ابْن حَمْزَة الْحَاكِم وابي بكر ابْن عبد الدَّائِم وَعِيسَى الْمطعم وابي نصر مُحَمَّد بن كَمَال الدّين الشِّيرَازِيّ وَابْن مَكْتُوم والبهاء بن عَسَاكِر وعلاء الدّين الْكِنْدِيّ والوداعي وَمُحَمّد بن أبي الْفَتْح البعلي ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ قِطْعَة من (الْمغرب (
وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ اسماعيل بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي قَرَأَ عَلَيْهِ (مُخْتَصر (ابي الْقَاسِم الْخرقِيّ (وَالْمقنع (لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم ابْن أبي الْفَتْح البعلي وَمِنْهُم الشَّيْخ الامام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من (الْمُحَرر (تأليف جده وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين وَأخذ الْفَرَائِض أَولا عَن وَالِده ثمَّ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية
وَأما الاصول فَأَخذهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ واسماعيل بن مُحَمَّد قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر (الرَّوْضَة (لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من (الْمَحْصُول (وَمن كتاب (الاحكام (للسيف الْآمِدِيّ وَقَرَأَ أصُول الدّين على الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ مثل (الاربعين (و(المحصل (وَقَرَأَ على شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية كثيرا من تصانيفه واشتغل كثيرا وناظر واجتهد وأكب على الطّلب وصنف وَصَارَ من الائمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول فقها وكلاما وَالْفُرُوع وَلم يخلف الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية مثله
1 / 7
وَمن مصنفاته (تَهْذِيب سنَن ابي دَاوُد (وايضاح مشكلاته وَالْكَلَام على مَا فِيهِ من الاحاديث المعلولة مجلده كتاب (سفر الهجرتين وَبَاب السعادتين (مُجَلد ضخم كتاب (مراحل السائرين بَين منَازِل إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين (مجلدان وَهُوَ شرح (منَازِل السائرين (لشيخ الاسلام الانصاري كتاب جليل الْقدر كتاب (عقد مُحكم الاخاء بَين الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح الْمَرْفُوع ألى رب السَّمَاء (مُجَلد ضخم كتاب (شرح اسماء الْكتاب الْعَزِيز (مُجَلد كتاب (زَاد الْمُسَافِرين الى منَازِل السُّعَدَاء فِي هدي خَاتم الانبياء (كتاب (زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد (أَربع مجلدات وَهُوَ كتاب عَظِيم جدا كتاب (جلاء الافهام فِي ذكر الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الانام (وَبَيَان أحاديثها وعللها مُجَلد كتاب (بَيَان الدَّلِيل على اسْتغْنَاء الْمُسَابقَة عَن التَّحْلِيل (كتاب (نقد الْمَنْقُول والمحك الْمُمَيز بَين الْمَرْدُود والمقبول (مُجَلد كتاب (اعلام الموقعين عَن رب الْعَالمين (ثَلَاث مجلدات كتاب (بَدَائِع الْفَوَائِد (مجلدان (الشافية الكافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاجِية (وَهِي القصيدة النونية فِي السّنة مُجَلد كتاب (الصَّوَاعِق الْمنزلَة على الْجَهْمِية والمعطلة (فِي مجلدات كتاب (حادي الارواح إِلَى بِلَاد الافراح (وَهُوَ كتاب صفة الْجنَّة مُجَلد كتاب (نزهة المشتافين وروضة المحبين (مُجَلد كتاب (الدَّاء والدواء (مُجَلد كتاب (تحفة المودود فِي احكام الْمَوْلُود (مُجَلد كتاب (مِفْتَاح دَار السَّعَادَة (مُجَلد ضخم كتاب (اجْتِمَاع الجيوش الاسلامية على غَزْو الْفرْقَة الْجَهْمِية (مُجَلد (رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة (مُجَلد (نِكَاح الْمحرم (مُجَلد (تَفْضِيل مَكَّة على الْمَدِينَة (مُجَلد (نِكَاح الْمحرم (مُجَلد (تَفْضِيل مَكَّة على الْمَدِينَة (مُجَلد (فضل الْعلم (مُجَلد (عدَّة الصابرين (مُجَلد كتاب (الْكَبَائِر (مُجَلد (حكم تَارِك الصَّلَاة (مُجَلد كتا ب (نور الْمُؤمن وحياته (مُجَلد كتاب (إغمام هِلَال رَمَضَان (التَّحْرِير فِيمَا يحل وَيحرم من لِبَاس الْحَرِير (جوابات عابدي الصلبان وَأَن مَا هم عَلَيْهِ من دين
1 / 8
الشَّيْطَان (بطلَان الكيمياء من اربعين وَجها (مُجَلد (الْفرق بَين الْخلَّة والمحبة ومناظرة الْخَلِيل لِقَوْمِهِ (مُجَلد (الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح (مُجَلد لطيف (الْفَتْح الْقُدسِي (التُّحْفَة المكية (كتاب (امثال الْقُرْآن (شرح الاسماء الْحسنى (أَيْمَان الْقُرْآن «الْمسَائِل الطرابلسية (ثَلَاث مجلدات (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي أَحْكَام أهل الْجَحِيم (مجلدان كتاب (الطَّاعُون (مُجَلد لطيف توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَقت عشَاء الاخرة لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشْرين رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد بالجامع عقب الظّهْر ثمَّ بِجَامِع جراح وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير وشيعه خلق كثير وَرويت لَهُ منامات كَثِيرَة حَسَنَة ﵁ وَكَانَ قد رأى قبل مَوته بِمدَّة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي النّوم وَسَأَلَهُ عَن مَنْزِلَته فَأَشَارَ إِلَى علوها فَوق بعض الاكابر ثمَّ قَالَ وَأَنت كدت تلْحق بِنَا وَلَكِن انت الان فِي طبقَة ابْن خُزَيْمَة
ثمَّ قَالَ ابْن رَجَب قرىء على شَيخنَا الامام الْعَلامَة ابي عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن ايوب وانا اسْمَع هَذِه القصيدة من نظمه فِي اول كتاب صفة الْجنَّة وَذكر بعض الميمية الْمَشْهُورَة وَقَالَ الْحَافِظ السخاوي فِي حَقه الْعَلامَة الْحجَّة الْمُتَقَدّم فِي سَعَة الْعلم وَمَعْرِفَة الْخلاف وَقُوَّة الْجنان الْمجمع عَلَيْهِ بَين الْمُوَافق والمخالف وَصَاحب التصانيف السائرة والمحاسن الجمة
1 / 9
قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
ابْتَدَأَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وتأسيا بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي مكاتباته للملوك وَغَيرهم وامتثالا لقَوْله ﷺ (كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِي ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع (رَوَاهُ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي (الاربعين البلدانية (وَكَذَا الْخَطِيب من حَدِيث ابي هُرَيْرَة ﵁ وَمعنى ذِي بَال أَي حَال شرِيف يحتفل لَهُ ويهتم بِهِ وَبَين يَدي كل الامور المهمة
وَقَوله اقْطَعْ أَي نَاقص الْبركَة وَقد يكون غير مُعْتَد بِهِ وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم (اسناده صَحِيح
تَنْبِيه اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا اذا كَانَ الْكتاب كُله شعرًا فجَاء عَن الشّعبِيّ ﵀ منع ذَلِك وَعَن الزُّهْرِيّ ﵀ قَالَ مَضَت السّنة أَن لَا يكْتب فِي الشّعْر (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (وَعَن سعيد بن جُبَير ﵀ جَوَاز ذَلِك وَتَابعه على ذَلِك الْجُمْهُور
1 / 10
وَقَالَ الْخَطِيب وَهُوَ الْمُخْتَار انْتهى وَلَا سِيمَا ان كَانَ المنظوم من نفائس الْعُلُوم قَالَ بعض الْعلمَاء الرَّاجِح عِنْد الْجُمْهُور طلب الْبَسْمَلَة فِي ابْتِدَاء الشّعْر مَا لم يكن محرما اَوْ مَكْرُوها قَالَ واما مَا تعلق بالعلوم فَمحل اتِّفَاق
قَوْله بِسم الله أَي باسم مُسَمّى هَذَا اللَّفْظ الاعظم الْمَوْصُوف بأوصاف الْكَمَال فالباء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره فعلا خَاصّا مُؤَخرا اولى من تَقْدِيره اسْما عَاما مقدما أما اولوية كَونه فعلا فَلِأَنَّهُ الاصل فِي الْعَمَل وَحِينَئِذٍ فَمحل الْجَار وَالْمَجْرُور النصب على المفعولية بِالْفِعْلِ الْمُقدر واما أَوْلَوِيَّة كَونه خَاصّا فَلِأَنَّهُ أدل على الْمَطْلُوب فتقدير الف عِنْد التَّأْلِيف أولى من ابتدائي وَكَذَا عِنْد الْقِرَاءَة وَنَحْو ذَلِك فَيقدر عِنْد كل أَمر مَا يُنَاسِبه واما أَوْلَوِيَّة تَقْدِيره مُؤَخرا فلأمرين احدهما الاهتمام بِالِابْتِدَاءِ باسم الله تَعَالَى لفظا وتقديرا لانه تَعَالَى يقدم ذاتا فَقدم ذكرا ليُوَافق الِاسْم الْمُسَمّى
وَالثَّانِي لافادة التَّخْصِيص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين﴾ لَا يُقَال الاولى مُلَاحظَة قَوْله تَعَالَى ﴿اقْرَأ باسم رَبك﴾ لانا نقُول الْمَطْلُوب الاهم ثمَّ الْقِرَاءَة لانها أول مَا نزل عَلَيْهِ ﷺ واول مَا طرق المسامع الشَّرِيفَة من الْوَحْي فَكَانَ الانسب تَقْدِيم الْقِرَاءَة لمزيد الاعتناء بهَا والاهتمام وَالله أعلم
فَائِدَة الِاسْم فِي الْمَخْلُوق غير الْمُسَمّى وَفِي حق الْخَالِق تَعَالَى لَا غير وَلَا عين قَالَ الامام الْمُحَقق ناظم هَذِه الْمَنْظُومَة فِي كِتَابه (بَدَائِع الْفَوَائِد (اسماء الله الْحسنى فِي الْقُرْآن من كَلَامه تَعَالَى وَكَلَامه غير مَخْلُوق وَلَا يُقَال هِيَ غَيره وَلَا هِيَ هُوَ وَهَذَا الْمَذْهَب مُخَالف لمَذْهَب الْمُعْتَزلَة الَّذين يَقُولُونَ اسماؤه غَيره وَهِي مخلوقة انْتهى
و(الله (علم على رَبنَا سُبْحَانَهُ قَالَ الْكسَائي وَالْفراء أَصله الاله حذفوا
1 / 11
الْهمزَة وادغموا اللَّام فصارتا لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة مفخمة قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (زعم السُّهيْلي وَشَيْخه ابْن الْعَرَبِيّ أَن اسْم الله غير مُشْتَقّ لَان الِاشْتِقَاق يسْتَلْزم مَادَّة يشتق مِنْهَا واسْمه سُبْحَانَهُ قديم لَا مَادَّة لَهُ فيستحيل الِاشْتِقَاق وَلَا ريب أَنه ان اريد بالاشتقاق هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ بَاطِل وَلَكِن من قَالَ بالاشتقاق لم يرد هَذَا الْمَعْنى وَلَا ألم بِقَلْبِه وانما اراد انه دَال على صفة لَهُ تَعَالَى وَهِي الالهية كَسَائِر اسمائه الْحسنى من الْعَلِيم والقدير فانها مُشْتَقَّة من مصادرها بِلَا ريب وَهِي قديمَة وَالْقَدِيم لَا مَادَّة لَهُ فَمَا كَانَ جوابكم عَن هَذِه الاسماء كَانَ جَوَاب من قَالَ بالاشتقاق فِي الله تَعَالَى ثمَّ الْجَواب عَن الْجَمِيع أَنا لَا نعني بالاشتقاق الا أَنَّهَا ملاقية لمصادرها فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى لَا أَنَّهَا مُتَوَلّدَة مِنْهَا تولد الْفَرْع من أَصله وَتَسْمِيَة النُّحَاة الْمصدر والمشتق مِنْهُ أصلا وفرعا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن أَحدهمَا تولد من الآخر وانما هُوَ بِاعْتِبَار أَن احدهما مُتَضَمّن للْآخر وَزِيَادَة فالاشتقاق هُنَا لَيْسَ هُوَ اشتقاقا ماديا وانما هُوَ اشتقاق تلازم يُسمى المتضمن فِيهِ بِالْكَسْرِ مشتقا والمتضمن بِالْفَتْح مشتقا مِنْهُ وَلَا مَحْذُور فِي اشتقاق أَسمَاء الله تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنى انْتهى وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن جرير (الله (أَصله الاله أسقطت الْهمزَة الَّتِي هِيَ فَاء الِاسْم فالتقت اللَّام الَّتِي هِيَ عين الِاسْم وَاللَّام الزَّائِدَة وَهِي سَاكِنة فأدغمت فِي الاخرى فصارتا فِي اللَّفْظ لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة انْتهى
وَأما تَأْوِيل الله فانه على مَا رُوِيَ لنا عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ هُوَ الَّذِي يألهه كل شَيْء ويعبده كل خلق وسَاق بِسَنَدِهِ عَن الضَّحَّاك عَن عبد الله ابْن عَبَّاس قَالَ الله ذُو الالوهية والعبودية على خلقه أَجْمَعِينَ فان قَالَ لنا قَائِل وَمَا دلّ على أَن الالوهية هِيَ الْعِبَادَة وَأَن الاله هُوَ المعبود وَأَن لَهُ
1 / 12
اصلا فِي فعل وَيفْعل وَذكر بَيت رؤبة بن العجاج
... لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تاله ...
يَعْنِي من تعبدي وطلبي الله بعملي ولاشك أَن التأله التفعل من أَله يأله وَقد جَاءَ مِنْهُ مصدر يدل على أَن الْعَرَب قد نطقت مِنْهُ ب فعل يفعل بِغَيْر زِيَادَة وَذَلِكَ مَا حَدثنَا بن سُفْيَان بن وَكِيع وسَاق السَّنَد إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ ﴿ويذرك وإلاهتك﴾ الاعراف ١٢٧ قَالَ عبادتك وَيَقُول انه كَانَ يعبد وَلَا يعبد وَذكر مثله عَن مُجَاهِد فقد تبين قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد أَن أَله عبد وَأَن الالهة مصدره وسَاق حَدِيثا عَن أبي سعيد مَرْفُوعا أَن عِيسَى أسلمته امهِ الى الْكتاب ليعلمه فَقَالَ الْمعلم اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ عِيسَى اتدري مَا الله الله إِلَه الْآلهَة
الرَّحْمَن الرَّحِيم
اسمان مشتقان من رحم بجعله لَازِما بنقله الى بَاب فعل بِضَم الْعين وبتنزيله منزلَة اللَّازِم إِذْ هما صفتان مشبهتان وَهِي لَا تشتق من مُتَعَدٍّ والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لَان زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا كَمَا فِي قطع وَقطع وَمن غير الْغَالِب قد يُفِيد نَاقص الْبناء مَا لَا يُفِيد زائده من الْمُبَالغَة كحذر وحاذر فان (حذر (أبلغ من (حاذر (فالرحمن صفة فِي الاصل بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة جدا ثمَّ غلب على الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها وَهُوَ الله والرحيم ذُو الرَّحْمَة الْكَثِيرَة
قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (أَسمَاء الرب تَعَالَى اسماء ونعوت فا نها دَالَّة على صِفَات كَمَاله فَلَا تنَافِي فِيهَا بَين العلمية والوصفية فالرحمن اسْمه
1 / 13
تَعَالَى وَوَصفه لَا يُنَافِي اسميته وصفيته فَمن حَيْثُ هُوَ صفة جرى تَابعا على اسْم الله من حَيْثُ هُوَ اسْم ورد فِي الْقُرْآن غير تَابع يَعْنِي كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن علم الْقُرْآن﴾ الرَّحْمَن ١ ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ طه ٥ ﴿أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جند لكم ينصركم من دون الرَّحْمَن﴾ الْملك ٢٠ وَهَذَا شَأْن الِاسْم الْعلم وَلما كَانَ هَذَا الِاسْم مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى حسن مَجِيئه مُنْفَردا غير تَابع كمجيء اسْمه الله كَذَلِك وَهَذَا لَا يُنَافِي دلَالَته على صفة الرَّحْمَن كاسم الله فَإِنَّهُ دَال على صفة الالوهية وَلم يجىء قطّ تَابعا لغيره بل متبوعا بِخِلَاف الْعَلِيم والقدير والسميع والبصير وَلِهَذَا لَا تَجِيء هَذِه وَنَحْوهَا مُفْردَة بل تَابِعَة
قَالَ ﵀ وَأما الْجمع بَين الرَّحْمَن والرحيم فَفِيهِ معنى بديع وَهُوَ أَن الرَّحْمَن دَال على الصّفة الْقَائِمَة بِهِ سُبْحَانَهُ والرحيم دَال على تعلقهَا بالمرحوم وَكَأن الاول الْوَصْف وَالثَّانِي الْفِعْل فالاول دَال على أَن الرَّحْمَن صفته أَي صفة ذَات لَهُ سُبْحَانَهُ وَالثَّانِي دَال على أَنه يرحم خلقه برحمته أَي صفة فعل لَهُ سُبْحَانَهُ فَإِذا أردْت فهم هَذَا فَتَأمل قَوْله تَعَالَى ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما﴾ الاحزاب ٤٣ ﴿إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم﴾ سُورَة التَّوْبَة ١١٧ وَلم يجىء قطّ رَحْمَن بهم فَعلمت أَن رَحْمَن هُوَ الْمَوْصُوف بِالرَّحْمَةِ وَرَحِيم هُوَ الراحم برحمته قَالَ ﵀ وَهَذِه النُّكْتَة لَا تكَاد تجدها فِي كتاب وَإِن تنفست عِنْدهَا مرْآة قَلْبك لم تنجل لَك صورتهَا انْتهى
وَرَحْمَة الله تَعَالَى جلّ شَأْنه وَتَعَالَى سُلْطَانه صفة قديمَة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التفضل والانعام وَأما تَفْسِيرهَا برقة فِي الْقلب تَقْتَضِي التفضل فالتفضل غايتها فيراد مِنْهَا غايتها كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتكلمة كالزمخشري فِي (كشافه (وَغَيره من النظار فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيق برحمة الْمَخْلُوق لَا برحمة الْخَالِق تَعَالَى وتقدس وَبَينهمَا بون وَنَظِير ذَلِك (الْعلم (فَإِن حَقِيقَة علمه تَعَالَى الْقَائِمَة بِهِ لَيست مثل الْحَقِيقَة الْقَائِمَة بالمخلوق بل نفس الارادة الَّتِي يرد بَعضهم الرَّحْمَة
1 / 14
إِلَيْهَا هِيَ فِي حَقه تَعَالَى لارادة الْمَخْلُوق إِذْ هِيَ فِي الْمَخْلُوق ميل الْقلب إِلَى الْفِعْل أَو التّرْك وَالله منزه عَن ذَلِك وَكَذَلِكَ رد الزَّمَخْشَرِيّ لَهَا فِي حَقه تَعَالَى إِلَى الْفِعْل بِمَعْنى الإنعام والتفضيل فَإِن فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ إِنَّمَا يكون لجلب نفع للْفَاعِل أَو دفع ضَرَر عَنهُ وَلَا كَذَلِك فعله تَعَالَى فَمَا فر مِنْهُ أهل التَّأْوِيل مَوْجُود فِي مَا فروا إِلَيْهِ من الْمَحْذُور وَبِهَذَا ظهر أَنه لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْمجَاز فِي رَحمته تَعَالَى فَإِنَّهُ خلاف الاصل وَهُوَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعذر حمل الْكَلَام على الْحَقِيقَة وَلَا تعذر هُنَا كَمَا لَا يخفى وَأَيْضًا معيار الْمجَاز صِحَة نَفْيه كَمَا إِذا قيل زيد أَسد أَو بَحر أَو قمر لشجاعته أَو كرمه أَو حسنه فَإِنَّهُ يَصح أَن تَقول زيد لَيْسَ بأسد أَو لَيْسَ ببحر أَو لَيْسَ بفمر وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَينهم وَلَا يَصح أَن يُقَال الله لَيْسَ برحيم فَلَو كَانَت الرَّحْمَة مجَازًا فِي حَقه تَعَالَى لصَحَّ ذَلِك وَلَا ريب أَن الرَّحْمَة صفة كَمَال وَسَائِر الْكتب السماوية مَمْلُوءَة بذكرها وإطلاقها عَلَيْهِ تَعَالَى وَمن الْعجب أَن تكون هَذِه الصّفة الْعَظِيمَة حَقِيقَة فِي حق الْمَخْلُوق مجَاز فِي حق الْخَالِق
وَالْحَاصِل أَن الصّفة تَارَة تعْتَبر من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَتارَة تعْتَبر من حَيْثُ قِيَامهَا بِهِ تَعَالَى وَتارَة من حَيْثُ قِيَامهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى وَلَيْسَت الاعتبارات متماثلة إِذْ لَيْسَ كمثله شيئ لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله وَالْكَلَام على الصِّفَات فرع عَن الْكَلَام فِي الذَّات كَمَا أَنا نثبت ذاتا لَيست كالذوات فلنثبت رَحْمَة لَيست كرحمة الْمَخْلُوق كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك وَقَررهُ وَنبهَ عَلَيْهِ وحرره النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (
قَوْله الْحَمد لله الَّذِي شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقات وأقرت لَهُ بالعبودية جَمِيع مصنوعاته وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ بِمَا أودعها من لطيف صنعه وبديع آيَاته وَسُبْحَان الله
1 / 15
وَبِحَمْدِهِ عدد خلقه ورضا نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته وَلَا إِلَه إِلَّا الله الْأَحَد الصَّمد لَا شريك لَهُ فِي ربوبيته وَلَا شَبيه لَهُ فِي أَفعاله وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي ذَاته وَالله أكبر عدد مَا أحَاط بِهِ علمه وَجرى بِهِ قلمه وَنفذ فِيهِ حكمه من جَمِيع برياته وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه تَفْوِيض عبد لَا يملك لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا وَلَا موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا بل هُوَ باللهوإلى الله فِي مبادئ أمره ونهاياته
الْحَمد لُغَة هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل وَعرفا فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم على الحامد وَغَيره وَالشُّكْر لُغَة هُوَ الْحَمد اصْطِلَاحا وَعرفا صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا خلق لأَجله فَبين الْحَمد وَالشُّكْر عُمُوم وخصوص من وَجه يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذاكان بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الْحَمد فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الشُّكْر فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وَاخْتَارَ الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الدَّوَام والثبوت على الْجُمْلَة الفعلية الدَّالَّة على التجدد والحدوث لِأَنَّهُ مَعَ كَونه على نسق الْكتاب الْعَظِيم أليق بالْمقَام وتفاؤلا بذلك وَهِي وَإِن كَانَت خبرية لفظا فَهِيَ إنشائية معنى (وأل (فِي الْحَمد للاستغراق أَو الْجِنْس أَو الْعَهْد أَي كل الْحَمد مُسْتَحقّ أَو جنسه مُخْتَصّ ومملوك لله وعلامة (أل (الاستغراقية أَن يخلفها كل وَنَحْوهَا و(أل (الجنسية إِذا تعقبتها لَام الِاخْتِصَاص كَانَ الْمَعْنى جنس الْحَمد مُخْتَصّ ومملوك لَهُ تَعَالَى فتفيد مَا أفادته ال الإستغراقية ضمنا وَإِن كَانَت (أل (للْعهد فالمعهود ثَنَاء الله على نَفسه وثناء مَلَائكَته وَرُسُله وأنبيائه وخواص خلقه وَلَا نظر لغير ثنائهم و(اللَّام (فِي الله للْملك والاستحقاق أَو الِاخْتِصَاص وَلما ابْتَدَأَ بالبسملة ابْتَدَأَ حَقِيقا وَهُوَ الاتيان بهَا قبل كل شييء أعقبها
1 / 16
بِالْحَمْد لَهُ ابْتِدَاء إضافيا أَي بِالنِّسْبَةِ لما بعْدهَا وَهُوَ مَا يقدم على الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فِي الذَّات جمعا بَين حَدِيثي الْبَسْمَلَة والحمدلة وَلم يعكس لموافقة الْكتاب الْعَزِيز فَإِن ألصحابة افتتحوا كِتَابَته فِي ألإمام الْكَبِير بِالتَّسْمِيَةِ والحمدلة تلوها وتبعهم جَمِيع من كتب الْمُصحف بعدهمْ فِي جَمِيع الْأَمْصَار سَوَاء فِي ذَلِك من يَقُول بِأَن الْبَسْمَلَة آيَة وَمن لَا يَقُول ذَلِك فَكَانَ أولى
قَوْله شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقاته الخ
الْمَخْلُوق هُوَ الْمَصْنُوع وَمعنى شَهَادَة الْمَخْلُوقَات بربوبيته سُبْحَانَهُ أَن الْعقل الصَّرِيح يقطع بِأَن الْمَخْلُوق لَا بُد لَهُ من خَالق والمصنوع لَا بُد لَهُ من صانع والحادث لَا بُد لَهُ من مُحدث لِاسْتِحَالَة حُدُوث الْحَادِث بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (أم خلقُوا من غير شييء أم هم الْخَالِقُونَ) الطّور ٣٥ يَقُول سُبْحَانَهُ أحدثو من غير مُحدث أم هم أَحْدَثُوا أنفسهم وَمَعْلُوم أَن الْمُحدث لَا يُوجد بِنَفسِهِ فطريق الْعلم بذلك أَن يُقَال الْمَوْجُود وَإِمَّا حا وَإِمَّا قديم والحادث لَا بُد لَهُ من قديم فَيلْزم ثُبُوت الْقَدِيم على كل حَال وَذَلِكَ أَن الْفقر وَالْحَاجة لكل حَادث وممكن وصف لَازم لَهما فَهِيَ مفتقرة إِلَيْهِ دَائِما حَال الْحُدُوث وَحَال الْبَقَاء وَمن زعم من أهل الْكَلَام أَن افتقارهما إِلَيْهِ فِي حَال الْحُدُوث فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم أَو فِي حَال الْبَقَاء فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتفلسفة الْقَائِلين بمساوات الْعَالم لَهُ وكلا الْقَوْلَيْنِ خطأ كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح (شرح عقيدة شمس الدّين الاصبهاني (فالإمكان والحدوث متلازمان فَكل مُحدث مُمكن وكل مُمكن مُحدث والفقر ملازم لَهما فَلَا تزَال مفتقره إِلَيْهِ لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ لَحْظَة عين وَهُوَ الصَّمد الَّذِي يصمد إِلَيْهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات وَلَا يصمد هُوَ إِلَى شييء بل هُوَ سُبْحَانَهُ الْغَنِيّ بِنَفسِهِ
1 / 17
الْمُغنِي لما سواهُ وَله ﵀ فِي هذاالمعنى
والفقر لي وصف ذَات لَازم أبدا كَمَا الْغنى أبدا وصف لَهُ ذاني
قَالَ ابْن المعتز ... فيا عجبا كَيفَ بعصى الاله ... أم كَيفَ يجحده الجاحد
وَللَّه فِي كل تحريكة ... وتسكينة أبدا شَاهد
وَفِي كل شييء آيَة ... تدل على أَنه وَاحِد ...
وَسُئِلَ أَبُو نواس عَن وجود الصَّانِع فَأَنْشد ... تَأمل فِي نَبَات الأَرْض وَانْظُر ... إِلَى آثَار مَا صنع المليك
عُيُون من لجين ناظرات ... بأحداق هِيَ الذَّهَب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بِأَن الله لَيْسَ لَهُ شريك ...
قَوْله وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات الخ فِي هَذِه البراعة الْإِشَارَة إِلَى تَوْحِيد الربوبية وتوحيد الألوهية وَسَيَأْتِي بسط الْكَلَام على ذَلِك فِي تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ
قَوْله الكائنات قَالَ فِي (الْقَامُوس (الْكَوْن الْحَدث كالكينونة والكائنة كالحادثة وَكَونه الله خلقه وَالله الْأَشْيَاء أوجدها
قَوْله وَسُبْحَان الله الخ سُبْحَانَ اسْم بِمَعْنى التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ التَّنْزِيه وانتصابه بِفعل مَتْرُوك إِظْهَاره
قَوْله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَي لَا تحول من حَال إِلَى حَال وَلَا قدرَة على ذَلِك إِلَّا بِاللَّه وَقيل لَا حول عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بمعونة الله وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إِلَّا بِتَوْفِيق الله وَالْمعْنَى الأول أجمع وأشمل قَوْله
1 / 18
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا صَاحِبَة لَهُ وَلَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا كُفْء لَهُ الَّذِي هُوَ كَمَا اثنى على نَفسه وَفَوق مَا يثنى عَلَيْهِ أحد من جَمِيع برياته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وأمينه على وحيه وَخيرته من بريته وسفيره بَينه وَبَين عباده وحجته على خلقه أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق بَين يَدي السباعة بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا أرْسلهُ على حِين فَتْرَة من الرُّسُل وطموس من السبل ودروس من الْكتب وَالْكفْر قد اضطرمت ناره وتطايرت فِي الْآفَاق شرارة وَقد اسْتوْجبَ أهل الأَرْض أَن يحل بهم الْعقَاب وَقد نظر الْجَبَّار ﵎ إِلَيْهِم فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَى بقايا من أهل الْكتاب وَقد اسْتندَ كل قوم إِلَى ظلم آرائهم وحكموا على الله سُبْحَانَهُ بمقالاتهم الْبَاطِلَة وأهوائهم وليل الْكفْر مدلهم ظلامه شَدِيد قتامة وسبل الْحق عَافِيَة آثارها مطموسة أعلامها ففلق الله سُبْحَانَهُ بِمُحَمد صلى اله عَلَيْهِ وَسلم صبح الْإِيمَان فأضاء حَتَّى مَلأ الْآفَاق نورا وأطلع بِهِ شمس الرسَالَة فِي حنادس الظُّلم سِرَاجًا منيرا فهدى الله بِهِ من الضَّلَالَة وَعلم بِهِ من الْجَهَالَة وبصر بِهِ المعمى وأرشد بِهِ من الغي وَكثر بِهِ بعد الْقلَّة وأعز بِهِ بعد الذلة وأغنى بِهِ بعد الْعيلَة واستنقد بِهِ بعد الهلكة وَفتح بِهِ أعينا عميا وآذانا صمًّا وَقُلُوبًا غلقا فَبلغ الرسَالَة ودى وَأدّى الْأَمَانَة ونصح الْأمة وكشف الْغُمَّة وجاهد فِي الله حق جهاده وَعبد الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين من ربه وَشرح الله لَهُ صَدره وَرفع لَهُ ذكره وَوضع عَنهُ وزره وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أمره وَأقسم بحياته فِي كِتَابه الْمُبين وَقرن اسْمه باسمه فَإِذا ذكر ذكر مَعَه كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد والتأذين فَلَا يَصح لأحد خطْبَة وَلَا تشهد وَلَا أَذَان وَلَا صَلَاة حَتَّى يشْهد أَنه عَبده وَرَسُوله شَهَادَة الْيَقِين فصلى الله
1 / 19
وَمَلَائِكَته وأنبياؤه وَرُسُله وَجَمِيع خلقه عَلَيْهِ كَمَا عرفنَا بِاللَّه وهدانا إِلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
أَي أخبر أَنِّي قَاطع بالوحدانية قَوْله وسفيره قَالَ فِي (الْقَامُوس (وسفره تسفيرا أرْسلهُ إِلَى السّفر قَوْله وطموس من السبل الطموس الدُّرُوس الإمحاء يطمس ويطمس طمسا محوته والشييء استأصلت أَثَره وَمِنْه (فَإِذا النُّجُوم طمست (المرسلات ٨ قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله قتامه القتام كسحاب الْغُبَار قَالَه فِي (لقاموس (قَوْله عَافِيَة آثارها قَالَ فِي (الْقَامُوس (عَفا شعر الْبَعِير كثور طَال فَغطّى وبره وَقد عفيته وأعفيته قَوْله حنادس الظُّلم قَالَ فِي (الْقَامُوس (الحندس بِالْكَسْرِ اللَّيْل المظلم والظلمة جمع حنادس وتحندس اللَّيْل أظلم قَوْله الصغار قَالَ فِي (الْقَامُوس (صغر ككرم وَفَرح صغارة صغرا كعنب وَكَذَا صغَارًا وصغارة بفتحهما وصغرا وصغرانا بضَمهَا وأصغره جعله صاغرا انْتهى قَوْله وَقرن اسْمه باسمه الخ قَوْله كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد وتأذين هَذَا ظَاهر وَهَذَا كَمَا قَالَ حسان بن ثَابت رضى الله عَنهُ ... أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم ... من الله مَيْمُون يلوح وَيشْهد
وَضم إِلَّا لَهُ اسْم النَّبِي إِلَى اسْمه ... إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن أشهد
وشق لَهُ من اسْمه ليجة ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد ...
قَوْله فصلى الله وَمَلَائِكَته الخ الصَّلَاة من الله تَعَالَى الرَّحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن غَيرهم التضرع وَالدُّعَاء بِخَير هَذَا هوالمشهور والجاري على أَلْسِنَة الْجُمْهُور وَلم يرتض هَذَا النَّاظِم فِي كِتَابه (جلاء الأفهام (و(بَدَائِع الْفَوَائِد (وَغَيرهمَا ورده من وجوده مِنْهَا أَن الله تَعَالَى غاير
1 / 20
بَينهمَا فِي قَوْله تَعَالَى (صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة) الْبَقَرَة ١٥٧ الثَّانِي أنسؤال الرَّحْمَة يشرع لكل مُسلم وَالصَّلَاة تخْتَص بِالنَّبِيِّ ﷺ وإله فَهِيَ حق لَهُ وَلَا لَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنى منع كثير من الْعلمَاء الصَّلَاة على معِين غَيره يعْنى وَغير سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَلم يمْنَع اُحْدُ من الترحم على معِين من الْمُسلمين الثَّالِث أَن رَحْمَة الله عَامَّة وسعت كل شَيْء وَصلَاته خَاصَّة لخواص عباده وَقَوْلهمْ الصَّلَاة من الْعباد بِمَعْنى الدُّعَاء مُشكل ايضا من وَجه أَحدهَا أَن الدُّعَاء يكون بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالصَّلَاة لَا تكون إِلَّا فِي الْخَيْر الثَّانِي أَن دَعَوْت يعدي بَالَام وَصليت لَا يتَعَدَّى إِلَّا ب (على (و(دُعَاء (المعدى ب (على لَيْسَ بِمَعْنى صلى وَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة لَيست بِمَعْنى الدُّعَاء الثَّالِث أَن فعل الدُّعَاء يَقْتَضِي مدعوا ومدعوا لَهُ تَقول دَعَوْت الله لَك بِخَير وَفعل الصَّلَاة لَا يَقْتَضِي ذَلِك لَا تَقول صليت الله عَلَيْك وَلَا لَك فَدلَّ على انه لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَأَي تبَاين اظهر من هَذَا قَالَ وَلَكِن التَّقْلِيد يعمي عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق فإياك والإخلاد إِلَى ارضه قَالَ فِي (الْبَدَائِع (وَرَأَيْت لأبي الْقَاسِم السُّهيْلي رَحمَه الله تَعَالَى كلَاما حسنا فِي اشتقاق الصَّلَاة فَذكر مَا ملخصه أَن معنى اللَّفْظَة حَيْثُ تصرفت ترجع إِلَى الحنو والعطف إِلَّا أَن ذَلِك يكون محسوسا ومعقولا فالمحسوس مِنْهُ صِفَات الْأَجْسَام والمعقول صفة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام وَهَذَا الْمَعْنى كثير مَوْجُود فِي الصِّفَات وَالْكثير يكون صفة للمحسوسات وَصفَة للمعقولات وَهُوَ من أَسمَاء الرب تَعَالَى وتقدس عَن مشابهة الْأَجْسَام وصفات الْأَنَام فَمَا يُضَاف إِلَيْهِ تَعَالَى من هَذِه الْمعَانِي معقولة غير محسوسة فَإِذا ثَبت هَذَا فَالصَّلَاة كَمَا قُلْنَا حنو وَعطف من قَوْلك صليت أَي حنيت صلاك وعطفته فأخلق بِأَن تكون الرَّحْمَة كَمَا سمي
1 / 21