فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة وما دام العلم باقيا في الأرض فالناس على هدى وبقاء العلم ببقاء حملته العاملين به، فإذا ذهبت حملته أو من يقوم به وقع الناس في الضلال، كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء فإذا لم يجدوا عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" وذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما رفع العلم فقيل له كيف يذب العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأنا نساءنا وأبناءنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم شيئا" فسئل عبادة بن الصامت رضى الله عنه عن هذا الحديث فقال: "لو شئت لأخبرتكم بأول علم يرفع عن الناس الخشوع" وإنما قال عبادة هذا لأن العلم قسمان: أحدهما ما كان ثمرته في قلب الإنسان وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله المقتضية لخشيته ومهابته وإجلاله والخضوع له ورجائه ومحبته ودعائه والتوكل عليه ونحو ذلك مما هو عبادة مختصة بجلاله فهذا هو العلم النافع كما قال ابن مسعود رضي الله عنه أن أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وقال الحسن العلم علمان: علم اللسان فذلك حجة الله على بني آدم وهو كما في الحديث: "القرآن حجة لك أو عليك" وعلم القلب وهو العلم النافع الذائد لصاحبه عن جميع المهالك وهذا لا يمكن إلا بصلاح تلك المضغة التي قد نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" أخرجه البخاري ومسلم من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير وقد أرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الهدى والعلم وأمره أن يسألهما منه عند الاختلاف فيه رغبة إليه سبحانه وإعراضا عن المشركين الذين قال الله عنهم: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} وقال: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} فروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي من الليل يقول: " اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض علم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من
Page 46