الصيف يحمل تفاصيله وينسحب قليلا، كما ينسحب جندي جريح من ميدان المعركة، ثم يأتي الشتاء بأغنياته الباردة؛ فصلان في هذه المدينة: خريفها هو صيفها، كان يرتدي التيل الأبيض، التيل الرمادي أو الأسود في الشتاء، وأنا مثله.
قبلني قبلة سريعة، وكأنه يهرب من شفتي، ثم خرجنا للحديقة المتوحشة للقراءة وتبادل التجارب، حكى لي عن حلم قال: كانت الشمس في قبة السماء ضخمة وهائلة، لونها لون الدم ثم انقسمت بدوي هائل إلى نصفين، امتلأت البلاد كلها بحمرة الدم، البلاد الكبيرة ...
تصدعت الشمس، أخذ كل جزء يتجه إلى جهة، وهو يزداد حمرة ...
حمرة وصغرا.
حمرة وصغرا.
حمرة وصغرا.
حتى أصبحت خريزات حمراء، قبل أن تنفجر دخانا أسود قاتما عم الأمكنة.
أمكنة البلاد الكبيرة ...
فاستيقظت وأنا أرتجف من الخوف، فتحت النافذة، أغلقتها، فتحت الباب، أغلقته، توضأت وظللت متيقظا إلى الصباح، حكيت له عن امرأة التقيتها في باص العاشرة، نوار سعد، أستاذة تاريخ الفن المرئي والنحت بالجامعة، وقلت له: إنها مختلفة عن مايازوكوف، ومختلفة عن أصدقائنا، ولو أنها خليط منا جميعا، مذهبها الرغبة، ثم قرأ علي فقرات من كتاب «الطواسين»، ثم فقرات من كتاب آخر، ثم مادة كاملة من كتاب «المواقف والمخاطبات»، ثم بدأنا الحوار حول النيرفانا.
كان يحاول أن يؤكد لي أن النيرفانا هي غاية كل الأشياء، حتى الأنهر والأشجار.
Page inconnue