فقال: أهذا على تلك المناظر، وكبَر تلك المحابر، وكمال تلك الطيالس؟ قلت: نعم، إنها لِحاء الشجر، وليش ثمّ ثمرٌ ولا عَبَق. قال لي: صدقتَ، إني أراك قد ماثلْتَ معي. قلت: كما سمعت. قال: فكيف كلامهم بينهم؟ قلت: ليس لسيبويه فيه عمل، ولا للفَراهيدي إليه طريق، ولا للبَيان عليه سمة. إنما هي لُكنةٌ أعجميةٌ يُؤدّون بها المعاني تأدية المَجوس والنَّبَط. فصاح: إنا لله، ذهبت العربُ وكلامُها! ارمهم يا هذا بسَجع الكُهّان، فعسى أن ينفعك عندهم، ويُطير لك ذِكرًا فيهم. وما أُراك، مع ذلك، إلا ثقيل الوطأة عليهم، كَريهَ المجيء إليهم.
فقال الشيخ الذي إلى جانبه، وقد علمتُ أنه صاحب عبد الحميد، ونفسي مرتقِبةٌ إلى ما يكون منه: لا يَغُرَّنْك منه، أبا عُيينة، ما تكلّف لك من المماثلة، إن السجع لطبعه، وإن ما أسمّعك كُلْفة. ولو امتدّ به طَلَقُ الكلام، وجرت أفراسه في مَيْدان البَيان، لصلى كَودَنُه وكل بُرثُنُه. وما أُراه إلاّ من اللُّكْن الذين ذّكَر، وإلاّ فما للفصاحة لا تهدِر، ولا للأعْرابية لا تومِض؟ فقلتُ في نفسي: طبع عبد الحميد ومساقُه، وربِّ الكعبة! فقلت له: لقد عجِلْتَ، أبا هُبيرة، - وقد كان زهيرٌ عرّفني بكُنيته - إنّ قوسَكَ
1 / 113