La Suite de l'Exposé sur l'Histoire des Afghans
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
Genres
فلما اطلع على ذلك الأمراء من الأفغانيين اشتد غيظهم منه وانحرفت قلوبهم عنه وحقد أكبر ولدي ميرويس المسمى «محمود» الذي كان يظهر من ناصيته علائم النجابة والشهامة على عمه حيث تعدى على حقه، فاتفق مع أربعين شخصا من الأفغانيين، ودخل بيته على حين غفلة، وذبحه، وباطلاع الأفغانيين على ذلك، أقاموه حاكما على أنفسهم ولقبوه بشاه قندهار.
وفي تلك الأوقات بعينها قام «إزاد خان العبدالي» من الأفغانيين واستولى على مدينة هرات ورفع لواء الاستقلال، واتفق مع بعض طوائف الأزبك على نهب بلاد خراسان الداخلة تحت حكومة إيران، فبعثت حكومة الشاه بثلاثين ألفا من العساكر تحت إمرة «صفي قلي خان» لتأديب إزاد خان فاستقبلهم بجيوشه، واقتتلوا من أول النهار إلى زوال الشمس، ولهول الواقعة اختلط الأمر على طبجية
1
الإيرانيين فلم يميزوا بين جيوش الأفغان وجيوشهم، فأخذوا يطلقون المدافع على عساكرهم الخيالة، فظنت جيوش إيران أن هذه خدعة حربية؛ إذ كانوا يعلمون أن الأفغانيين لا توجد عندهم المدافع فانفصلت العساكر بعضهم عن بعض، فاتخذ الأفغانيون ذلك فرصة للهجوم فهجموا، وشتتوا شمل العساكر الإيرانية، وبددوها وقتل صفي قلي خان مع ابنه وثمانية آلاف من العساكر الإيرانية، وتركوا جميع الأثاثات والأدوات العسكرية، وعشرين مدفعا وتمت بذلك السلطة لأزاد خان في ولاية هرات، واستقرت بها الحكومة البدالية، كما استقرت الحكومة الغلجائية في مدينة قندهار.
وفي أثناء هذه الفتن هجم الأكراد السنيون للنهب والإغارة على بلاد إيران، وتوغلوا فيها حتى وصلوا إلى جدران أصفهان كرسي المملكة، وثارت أعراب مسقط، واستولت على جزائر خليج فارس، وعلى الفرض
2
الواقعة بساحل ذاك الخليج، فلما رأى محمود شاه قندهار اختلال أحوال السلطنة الإيرانية وضعف عقول أمرائها وتفرق كلمتهم وتمكن النفاق من قلوبهم «كما هو الواقع الآن في أمراء الشرق» طمع في سلطنة الشاه، وساق عساكره لحربه من طريق «كرمان» مع عدم وجود المياه والكلأ بذلك الطريق، فلما وصل إلى كرمان، ولم يكن أهلها على استعداد حيث هاجمهم على غفلة منهم، سلموا له المدينة بدون حرب ولا منازعة، وحصل من عساكره أن أطالوا يد الظلم على الأهالي «كما هو عادة المتغلبين من الأمم الشرقية بل الغربية.» ثم صدر الأمر من شاه إيران إلى «لطف على خان» الذي كان واليا في بندر عباس بمحاربة الأفغانيين وطردهم، فتوجه إليهم، ونازلهم، فلم تكن إلا واقعة واحدة طرد فيها الأفغانيين من كرمان، بحيث لم يستطيعوا الوقوف في نقطة من النقط حتى رجعوا إلى قندهار، إلا أن أهالي كرمان صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، حيث نالهم من يد عساكر الشاه ما أوقع الاشتباه عندهم: «هل مصائب تغلب الأفغانيين أشد وأفظع أو مصائب مساعدة دولتهم؟»
ولما علم لطف علي خان أن مير محمود سيعود كرة ثانية، شرع في حشد العساكر وجمع الذخائر، وأخذ أهبة الاحتياط في «شيراز». ولدواع اقتضاها الحال إما لعدم الانتظام أو حكم الزمان، قد نشأ عن هذا وقوع الظلم بالرعية؛ إذ كانوا يصادرونهم في أموالهم، ويسخرون دوابهم في الأعمال اللازمة وغير ذلك، فاتخذ أعداء لطف علي خان هذا الاختلال وسيلة للسعي في عزله، فسعوا لدى الشاه فعزله عن رئاسة العساكر، فتفرقوا، وذهبوا من حيث جاءوا. «انظر إلى الأدنياء الأخساء خائني الوطن والأمة، كيف أنهم لبعض أغراض شخصية وعداوات جزئية، وللتشفي من شخص واحد، قد تسببوا في تفريق العساكر التي كانت وقاية للأمة وحفاظا للوطن، وترتب على تفريقهم ما ترتب كما سنبينه.»
وفي تلك الأوقات قد أغار العبدالية من الأفغانيين على غالب بلاد خراسان حتى كادوا يفتحون مدينة «مشهد» وهي طوس القديمة، وفي أثناء هذه الفتن والقلاقل وقعت زلزلة شديدة في مدينة «تبريز» وأصبح ثمانون ألفا من الناس تحت التراب، وحصل في الجو تكاثف حتى حجب ضياء الشمس، فكانت لا ترى إلا كنقطة من نحاس أحمر، فوقع في أوهام العامة أن هذه آثار الغضب الإلهي، ومقدمات نزول البلاء السماوي، وأخذوا يتحيلون لدفع القضاء بطرد الفاجرات وإزالة كثير من المنكرات، والمشايخ كانوا يطوفون في الأزقة ويدعون الناس للاستغفار، والمنجمون قد حكموا حكما باتا أن هذه علامة لخراب أصفهان؛ فوقعت العقول في وحشة، والنفوس في حيرة، وضعفت القلوب، وتدانت لهم حتى كانت هذه الأمة الكبيرة واقفة على قدم الاستعداد للموت، وانقطعت آمالها من الحياة والنجاة. «تفطن وانظر إلى مضار الاعتقادات الخرافية، وما ينشأ عنها من ضعف النفس وسقوط الهمة وارتباط الأيدي عن العمل.»
وفي سنة 1135 من الهجرة عاد مير محمود كرة ثانية من طريق كجستان إلى كرمان مع خمسة وعشرين ألفا من عساكر الأفغان والبلوج،
Page inconnue