L'Effet Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Genres
واكتشفوا السلم الذي تسلق منه توماس من السطح حتى وصل إلى العشب خلف المنزل. كان قد جهز لهروبه هذا، وفي طريق العودة حكت لهما فاندا ما حدث بإيجاز، فأمطراها بالأسئلة. رجتهما فاندا أن يمنحاها لحظة هدوء، لحظة واحدة فقط، وشعرت كيف أن شعورها الأولي بالارتياح صار يتحول تدريجيا إلى إحباط لا تستطيع له دفعا. أنزلها يوهانيس أمام باب منزلها، وأراد بعدها أن يوصل زابينة إلى بيتها، ثم يذهب لينال هو نفسه قسطا من النوم. لقد كان اليوم طويلا على الجميع. •••
وعلى عتبة غرفة المعيشة وجدت كرتونة بيض عليها ورقة مثبتة داخل الشريط المطاطي الذي يغلف الكرتونة، وكتب على الورقة بخط غير منسق: «شكرا، جارك.» احتوت الكرتونة على خمس بيضات ومفتاح، ألقت فاندا نظرة على باب الشقة المجاورة لها. كان المصباح فوق الباب مضاء، رنت الجرس. سمعت صوت خطوات تقترب، ثم فتح الباب وانزلق وجه رفيع من فرجة الباب، وحين عرفها فتح الباب أوسع. انبعثت من الداخل روائح هواء مكتوم.
سأل بصوت متهدج: «هل حالك أفضل الآن؟» كان يرتدي بدلة ركض بينما توردت وجنتاه. أشارت فاندا إلى كرتونة البيض ونظرت إليه متسائلة. «كان المفتاح لمؤجر الشقة قبلك، إنه لا يدخل الآن في الباب.» كان لسانه ثقيلا بينما ينظر هو إلى الأرض خجلا.
قال متلعثما: «البيض ... لا أستطيع دائما الخروج من منزلي، تعرفين.» لكن فاندا لم ترد أن تعرف المزيد؛ لقد كانت متعبة فقالت: «لنتحدث لاحقا.» ثم دخلت من باب شقتها، وفي الداخل وضعت حقيبة السفر وخلعت الحذاء غير المريح، ثم أخذت تقشر ملابسها عنها طبقة طبقة مثلما يقشر البصل. كانت تترك ملابسها تسقط ببساطة مخلفة إياها ما بين الردهة والثلاجة، ثم الردهة والحمام، وأخيرا في الطريق إلى المكتب. وهناك وضعت هاتفها المحمول. الآن أضحت عارية تماما. وعلى ألواح زجاج النافذة المقسومة وجدت انعكاس صورتها مقسوما اثنين. الجزء العلوي يعكس رأسها حتى بداية نهديها، فمالت برأسها نحو الجانب. كان شحوبها ورقبتها يذكران بصور السيدات النبيلات، أما الجزء السفلي فظهرت عليه حلمتا ثدييها وكأنهما عينان تطلان من وجه آخر، بينما انتهت الصورة أسفل سرة بطنها بقليل. أزعجتها الصورة المقسومة، نظرت إلى نفسها وأزعجها مظهر جسدها. أغمضت عينيها ومسدت رقبتها بأناملها. شعرت بالراحة فواصلت المتعة حتى انطلق رنين الهاتف معلنا وصول رسالة نصية.
كانت فاندا لا تزال مستغرقة في لذتها، واحتاجت بعض الوقت لتستوعب الأمر. كانت الرسالة من الزميل المختص بعلم الفيروسات. لم يجد بالعينة أثرا لجزيئات النانو.
وهذا يعني أن العينات التي أخذوها من دماغ هيلبيرج نظيفة. صحيح أن هذه النتيجة لا تنقد مزاعم سنايدر؛ لأن الجزيئات يمكن أن تكون قد تحللت بعد كل هذا الوقت، لكنها أيضا لا تؤكدها. ربما لم يكن ثمة تلوث في نيو مكسيكو بالأساس.
في البداية شعرت به في أحشائها، ثم تصاعد شعورها بالسرور ليصل إلى صدرها ويعلن عن نفسه في صرخة سعادة مدوية فاجأتها هي نفسها. لقد ظهر لها الموقف برمته الآن من زاوية مغايرة تماما. توجهت فاندا إلى الحمام وتحممت بالماء الساخن طويلا، بعدها انسلت إلى منامتها وذرعت بها الغرفة ذهابا وجيئة لتطفئ الأنوار. رأت الصندوق الصغير الذي يحوي مقتنياتها، وكانت قد وضعته على المكتب ذي الأرفف الخاص بوالدها قبل سفرها إلى برلين. كان هذا منذ يومين فقط، لكن لأن ثمة أحداثا كثيرة وقعت، بدا لها الأمر وكأن أسبوعا بكامله قد انقضى.
رفعت غطاء الصندوق وأخذت ميدالية المفاتيح. حين كانت طفلة، كانت تحب أن تسمع حكاية الأميرة زوجة الدوق بلاوبارت، حكاية جميلة ومرعبة قليلا تدور حول المفاتيح والأبواب المحرمة. كانت فاندا تتمنى دائما ألا تتمكن الشابة الفضولية من فتح الباب، بل الأفضل حتى ألا تجده على الإطلاق؛ وذلك لأن الرعب سيأتي أولا إن استهانت بأوامر بلاوبارت واستعملت المفتاح الذي سيكشف عن الحقيقة المخيفة لزوجها، وفي أزمتها تلك كانت فاندا تجمع كل مفتاح تجده وتخفيه. صحيح أن معظم المفاتيح كانت تؤخذ منها ثانية، ما عدا هذه المفاتيح الخمسة فقد ظلت معها منذ ذلك الحين. أخذت تجربها بالترتيب في فتح الدرج الموصد.
فتح المفتاح الثالث.
فوجدت حزمة من الرسائل التي اصفر لونها، وحين حلت الرباط الرمادي سقطت عدة صور. كانت كلها لذات المرأة، امرأة نحيفة شقراء ترفع شعرها عاليا وترتدي فستانا أنيقا ضيقا. فتاة حسنة الهندام وفق طراز ستينيات القرن الماضي، في العشرينيات من عمرها وواقعة في الغرام كما هو واضح للعيان. كانت الخطابات موجهة لأبيها، بها حياء ظاهر وتفيض بالرقة والمودة. لم تستطع فاندا أن تتذكر أن أباها تحدث قط عن هذه السيدة. مستها سطور الرسائل، لكنها لم تعن بوجودها حقيقة. كانت العلاقة ترجع لوقت لم يكن فيه والداها قد تزوجا بعد، وهي لم تكن قد ولدت. كانت الخطابات موجهة إلى عنوان في مدينة ماينز، حيث عاش والدها فترة. وعلى أرضية الدرج اكتشفت ورقة واحدة موضوعة أسفل حزمة الخطابات، ويعلوها نفس الخط المنمق. فتحتها فاندا ومرت ببصرها على السطور: ... أحترم قرارك حتى لو كان يمزقني من الداخل. تقول إن ذلك بسبب الطفل، وإن هذا لا يغير شيئا من مشاعرك نحوي. كيف بالله عليك ستقدر على تحمل ذلك؟ أنت تخادع نفسك وتخادعني وتخادع الجميع. لا أستطيع أن أعيش هكذا. أرجوك أن تطلق سراحي لأستطيع أن أعيش حرة وسعيدة مرة أخرى ...
Page inconnue