L'Effet Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Genres
حين دلف يوهانيس إلى المكان رفع كثير من الزبائن رءوسهم وتطلعوا إليه؛ بدا في معطفه الكشمير ذي اللون الرمادي الداكن وشال رقبته الأزرق مثل زهرة ندى العنبر، ووجهه الذي لوحته شمس الجبال مضفية على مظهره سمت الموسرين، فلكأنه أب ثري اضطر لترك سيارته الجاجوار في مكان ممنوع الانتظار حتى يستعيد ابنته المراهقة. على الأقل لم يرتد ربطة عنق، هكذا فكرت فاندا حين فك أزرار المعطف وألقاه بلا اكتراث على الكرسي إلى جواره. حياهم يوهانيس ببرود وكأنهم لا ينتمون حقيقة إلى عالمه.
برق شريط مبيض بين الذقن وياقة القميص العالية، فبدا وجهه المسمر وكأنه يرتدي قناعا، ورغم ضحكه بدا متوترا. أحضرت النادلة الشقراء كأسي نبيذ، فوضعت بيترا واحدة أمام يوهانيس.
صاحت زابينة فجأة: «فوانيس. هذا هو اسم الفيلم.» تلفتت حولها باحثة عن مساعدة من فاندا. «إنه المشهد بالفيلم الذي تعترف فيه لوالدها أنها حامل.» مثل طفلة صغيرة تبحث عن مؤيد لها، لمحت بريقا في وجوه بيترا ويوهانيس. «هل حزرت صوابا ؟» هزت بيترا رأسها بالنفي. «كان أكثر تشويقا.» وأحاطت الكأس الساخنة بيدها، رشفت وقالت: «لقد رأيته اليوم، في كروبكيه بهانوفر.» وضعت الكأس على الطاولة «وبعد ورشة العمل أتيحت لنا ساعة من الوقت قبل أن يغادر قطارنا. جلسنا في مقهى كروبكيه، يوهانيس وأنا ليحكي لي للمرة الثالثة حكاياته عن الأمريكيين المجانين على الزحافات، وكنت أنظر من النافذة المطلة على الميدان الكبير، وفجأة رأيته.» «من رأيت؟» سألت فاندا التي لم تفهم شيئا، إلا أن زابينة وضعت يدها على ذراعها في رجاء أن تلزم الصمت.
زفرت بيترا وقالت: «بدا شكله تماما مثل تلك المرة في الديسكو. أنا أتحدث عن مايك الوسيم، من كانت معه الأزرار الحمراء. خرجت وتوجهت إلى الكشك الذي كان يشتري منه الجريدة.» تهدج صوتها: «كنت غبية، ما كان يجب أن أركض هكذا، ربما أدرك وجودي لهذا السبب. على أية حال، لقد نظر تجاهي، استدار ثم فر هاربا، ركض هكذا ببساطة. يا له من أحمق!» زمجرت غاضبة. «وأنا طبعا ركضت خلفه. لكن كانت هناك تلك الحافلة اللعينة. فريق احتفالية ما وقف بحافلته في منتصف الميدان. وهكذا اختفى مايك وراء الحافلة وهرب. ثم رأيت يوهانيس قادما نحوي. وحينئذ رأيت الرجل يثب هابطا سلالم ممر التسوق وراكضا في اتجاه المحطة الرئيسية. أعطيت يوهانيس إشارة وانطلقنا في إثره.» «لقد لاحظت من الطريقة التي انتفضت بها خارجة نحو الكشك أن للأمر علاقة بالشاب الوسيم هناك.» غمز يوهانيس للأخريات بعينه وأكمل: «لكن ليس كل الناس يفضلون الهجوم المباشر. على أية حال كان معي ما يكفي من الفكة كي أحاسب على طلبنا، وألم ملابسنا وألحق بكما.»
قاطعته بيترا: «كم كانت رائعة الطريقة التي تصرفت بها.»
واصل يوهانيس: «السخيف في الأمر ... أنه هرب إلى ممر التسوق بالطابق السفلي ذي السقف المفتوح، وعندما يصعد المرء مجموعات متتالية من السلالم يصل إلى وسط المدينة، فكل مرة يصل فيها إلى عتبة بين الدرجات لا أعرف إن كان سيهرب إلى الطابق التالي، أم أنه سيعاود الظهور على الناحية الأخرى من السلم.»
التقطت بيترا طرف الحديث: «ولهذا قسمنا أنفسنا. أنا أركض يسار السلم، ثم في خط مستقيم، ويوهانيس يأخذ الجانب الأيمن للممر، وأمامنا مايك يركض حول الأعمدة الخرسانية في خط متعرج مثل الأرنب، يظهر ثم يختفي، ثم يظهر ثانية ويختفي.» «أردنا أن نمسك به في كماشة، لكن لم يتضح لنا إلا بعد فوات الأوان أننا اخترنا طريقة خاطئة، ففي يوم شتوي صحو مثل هذا يصير الواحد ضائعا تماما إن سار في خط مستقيم، فعلى ناحيتي وضعت حوامل تعرض ملابس داخلية نسائية، فوقفت إلى جوارها السيدات. العبور من الأعمدة الخرسانية أسهل كثيرا من العبور من بين السيدات!»
واصلت بيترا حديثها: «بالنسبة لمايك لم تعد المسألة كونها لعبة. على الأقل كان هذا ما يبدو عليه؛ إذ كان يتحرك بخفة مثل ابن عرس. أنا متأكدة أنه كان يعرف من البداية إلى أين يتجه. سيان الآن.» أحكمت قبضتي يديها وضغطتهما ببعض وهي تقول: «واصلت ملاحقته ومطاردته عبر الممر. كنت أريده. ذاك الشرير. كان لا بد أن أصل. وعلى السلم الكهربائي الطويل بلا نهاية المؤدي إلى مترو الأنفاق تركني معلقة بلا رحمة، مثل مشهد في فيلم، قفز إلى عربة المترو وأغلقت الأبواب وأنا أقف على الرصيف وأمسك خصري وأنظر في بلاهة إلى أضواء عربة المترو وهو يمضي معها.»
قالت زابينة في صوت ينم عن خيبة الأمل: «يعني لا نهاية سعيدة؟»
قال يوهانيس: «من الأفضل أن نقول إن الشرير حالفه الحظ في هذه الحلقة، وإن للمسلسل بقية.» في أثناء ذلك أخرج كاميرا رقمية من جيب بنطاله، ونقر عليها عدة نقرات ثم ناولها إلى فاندا.
Page inconnue