107

L'Effet Lotus

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genres

واصلت فاندا حديثها: «لو أني أردت أن أفهم كتيب التعليمات لربما تعين علي حضور دورة تعليمية في اللغة. ترى هل هي مكتوبة بسوء هذه الترجمة في اللغة الكورية أيضا؟» «المشكلة برأيي تكمن في شيء آخر.» وصب القهوة في فنجانين صغيرين وهو يقول: «أزعم أن الرجل الآسيوي العادي أكثر تمكنا في التعامل مع التكنولوجيا من الرجل الأوروبي العادي.»

وقعت عينا فاندا على الكاميرا الرقمية الموضوعة على حافة النافذة. «صحيح. لقد نسيت تماما أن الكاميرا ترى نور العالم من خلال جهاز تصوير متكامل.» وضعت سبابتها أسفل إحدى عينيها وشدت الجلد قليلا إلى أسفل. «في الوقت الذي نسجل نحن فيه عيد ميلادنا على الورق، تومض أسفل جفنها إشارة ضوئية.» انزلقت فاندا وهي تتحدث من على الكرسي العالي وتوجهت نحو النافذة. أمسكت الكاميرا بين يديها بحذر، كانت من نفس ماركة الجهاز الذي افتقد قبل عدة أسابيع من غرفة الميكروسكوب. «هل عندك نفس الجهاز؟» سألت متعجبة، وغضبت من نفسها على طرح السؤال بلا تفكير. «ماذا؟» التفت توماس نحوها ونظر إلى يديها. «قام والدي بإعارتي إياها.» جاءت إجابته هادئة جدا. تمنت فاندا لو أنها ضربت نفسها على أصابعها. لماذا عليك أن تمسي كل شيء؟ وأعادت الكاميرا.

قال توماس: «تعالي. دعينا نشرب القهوة في غرفة المعيشة.»

كانت الغرفة تنتهي بواجهة زجاجية عريضة، ربما كانت الغرفة توحي بأنها كبيرة الحجم لما فيها من عدد قليل منتقى من قطع الأثاث. رجل آخر عنده أريكة من الجلد الأسود، أم تراه أزرق داكنا؟

وضع توماس الفنجانين على سطح المكتب الزجاجي الذي علق فوقه رف حشرت فيه الكتب حشرا. كان جهاز الكمبيوتر مفتوحا. تأملت فاندا نقشة قماش الأريكة بانتباه. «هل تعرفين ماذا قال كاندينسكي مرة عن اللون الأزرق؟» سمعت توماس يسألها، لكنه لم ينتظر أن تجيبه وأكمل: «كلما دكن لونه، نادى الإنسان نحو اللامتناهي، وأيقظ داخله الحنين إلى النقاء، وأخيرا إلى ما لا يدرك بالحواس.» لاذت فاندا بالصمت. كان الوضع أشبه بتلك اللحظة في حفل موسيقي حين تصمت الموسيقى لبعض الوقت، لكن القطعة الموسيقية لم تنته بعد. في تلك اللحظات كان الجهلة فقط يبادرون بالتصفيق، هي نفسها كان يحدث معها ذلك من آن لآخر؛ ولهذا عودت نفسها ألا تبدأ التصفيق إلا عندما يبلغ تصفيق الجماهير قوة تقنعها أن الوقت المناسب قد حان. أصغت إلى وقفة توماس الموسيقية، لكنه لم يتحدث بعدها.

قالت أخيرا: «أنا لا أفهم كثيرا في الفن، أحيانا أرجح أن السبب يرجع إلى الأهل. ما طبيعة عمل والديك؟» «أبي تاجر فنون.» «حقا؟» «لااااا.» سمعت ضحكته المبحوحة، «إنه تاجر سيارات مفلس، يسمونه اليوم معسرا، لعل في ذلك أملا، ويتلقى بموجب ذلك استشارة للمعسر. أما مفلس فتذكر بالخردة. والدي حالة ميئوس منها.» ألقى نظرة طويلة على النقش بالجدار ثم قال: «الشيء الوحيد الذي لا يزال يربطنا هو الولع باللون الأزرق.» نظرت إليه فاندا متسائلة. «لقد تم سحب رخصة القيادة منه. تصوري تاجر سيارات دون رخصة قيادة! هذا أمر يثير الضحك. منذ ذلك الحين وهو يراهن على الخيول.» «ووالدتك؟» «هربت بعد حصولي على الشهادة الثانوية، أعتقد أنها تتبع نزواتها الآن. يأتيني منها بطاقة معايدة بين الحين والآخر. مرة من إسبانيا، وأخرى من فرنسا، ومالطة، وإيطاليا. تصنع مشغولات خزفية، تمارس شعائر التانترا الهندية، وتعقد دورات في أشياء لناس.» كانت ضحكته توحي بالمرارة. «مثل دورة كيف تصنع الفخار في توسكانا وأنت عار.» «هل لك إخوة؟»

هز توماس رأسه. سحب كرسيا ثانيا أمام المكتب وأشار إلى فاندا بيده كي تجلس إلى جواره. رأت مجموعة من فأرات الكمبيوتر متكومة على أحد الأرفف، تمثل موديلات قديمة قذرة ومتآكلة، يلتف حولها سلكها كأنه ذيل. «هذه حيواناتي المنزلية.» قال توماس موضحا حين لاحظ نظراتها، «صحيح أنها تتكاثر خارج حدود السيطرة، إلا أنها مع ذلك في غاية القناعة.» في أثناء ذلك كان يضرب الغبار فيتشكل في سحابة، فأضاف: «أعتقد أنه سيتعين علي أن أنظف المكان ذات مرة.» «كان علي أن أحضر جوسي معي.» «قطتك؟»

ضحكت فاندا، وقالت: «جوسي فأرة زابينة.» أدار توماس رأسه سريعا إلى الجانب، فرأت فجأة في صورته الجانبية صرامة وتجهما، كما أن عضلات فكه انقبضت وكأنه يلجم نفسه، ثم عاود النظر إليها وابتسم بخبث: «لقد حضر الآن الضيوف الآخرون، أريد أن أعرفك عليهم.»

لم تكن فاندا قد انتبهت حتى ذلك الوقت لشاشة الكمبيوتر. أخذت سطور مكتوبة تتطاير على الشاشة المسطحة كما الحال في غرف الدردشة، كانت معظمها تعبيرات عن الإعجاب بصلصة جوز الهند بالفطر، كما أن متحدثا اسمه باستي أراد أن يعرف متى سيتم تقديم الحلوى. في الخلفية كان كنالفروش وبونش يتجادلان حول جدوى وعدم جدوى استخدام الألعاب النارية في ليلة رأس السنة، التي يدعون أنها تزيد من توزيع الإندورفينات في الجسم، وتؤدي إلى أرباح وتعمل على إبقاء الأطباء محدودي الدخل مشغولين. كان من رأي كنالفروش أن ارتفاع إجمالي الناتج القومي لا بد له من ضحايا، فما كان من بونش - الذي بدا أنه فقد قدرته على كتابة كلمات كاملة - إلا أن رد عليه ب «بررررررروووم 2006!» إلى جوار ذلك كانت ثمة نجمة تقاوم عددا كبيرا من الرجال الذين يدعون أن عليها كتابة اسمها بالطريقة الصحيحة، مما أشعل الحوار وجعل كلام الكل يتداخل بعضه مع بعض. هانزي أعلن عن إعجابه بالصرخات المكتومة، واقترح أن يقوم بلف رقبة مشترك اسمه تروتهان ببطء شديد. كليوباترا فقدت سوطها أثناء ركوب الخيل، ومادونا تبحث عن مشبك صدرها. كنالفروش وبونش عادا للتواصل، فقط نجمة غادرت، وباستي ألح في طلب الحلوى. نقر توماس تحية على لوحة المفاتيح، فطارت الشاشة سريعا إلى أعلى جراء الشلال المنهمر من التعليقات التي تنوعت بين «مرحبا توم»، و«شكرا» إلى نغمات أخرى من المديح على الانتقاء الموفق لوصفات الطعام. ثلاثة عشر شخصا سجل نفسه لحضور دردشة ليلة رأس السنة، وكان جليا أن توماس هو المضيف. أما الحفل فكان في أوجه. «إنهم في انتظار خوارزمية الحلوى.» كان توماس يستمتع بجعل ضيوفه يتململون. «في انتظار ماذا؟» «تعليمات التصرف، الوصفة إن شئت استخدام هذه الكلمة، وصفة بيوريه الكاكي مع المارزبان.»

لم يكن ليخطر ببال فاندا أنها مدعوة إلى حفلة رقمية، ولو علمت لربما لم تكن لتوافق. وبعد أن قامت بزيارة عدد من غرف الدردشة وصلت إلى نتيجة مفادها أن هذا الشكل من أشكال التواصل مع الناس لا يناسبها. التغيير الرهيب في الموضوعات، التلميحات المغرضة، لم تحب أيا من ذلك. كانت الرموز المتداولة مألوفة لها، وكانت تتسلى بها، لكن بالأساس لم تكن أكثر من علامات مكتوبة. كانت تعطي شكلا للمشاعر، وكانت فاندا تستطيع التعرف عليها وتفسيرها، لكنها لا تشعر بها. كانت تفتقد المباشرة التي تجدها في نبرة صوت تتغير، أو في تعبير للوجه أو في لفتة يد؛ ولهذا قصرت دردشاتها على تبادل المعلومات بين شخصين غيرها لا أكثر في وقت واحد. أي شيء أكثر من ذلك كان يخضع لظاهرة «غرفة النادي»؛ لأن أي جماعة دردشة تنقسم في كل الأحوال إلى مجموعات صغيرة من المدردشين، وكان يضايق فاندا كثيرا أن كل واحد في النادي الرقمي يستطيع أن يتابع الحديث الدائر على الطاولة التي تجاوره، وفي وسعه أن يتدخل في الكلام متى أحب؛ لذا لزم وجود قائد يلفت انتباههم ليركزوا على شيء بعينه، يكون في مقدوره أن يتغلب على هذا التفرق مثلما يفعل توماس الآن، الذي بدأ أخيرا في الإفصاح عن وصفة صنف الحلوى. عليهم أن يقشروا ثمار الكاكي، ثم هرس واحدة منها مع الفانيليا، والمارزبان والفلفل هرسا ناعما، ثم يقطعوا شرائح من القراصيا ويخلطوها معها، ويملئوا بها أطباق الحلوى، بعد ذلك ينثرون عليها ثمرة كاكي أخرى مقطعة مكعبات، ويزينوا الطبق بالكريمة المخفوقة ورشات من الفستق. وبالهناء والشفاء. اختفى توماس في المطبخ، فصمتت الشاشة أيضا، وبعد أن عاد وناولها كوب الحلوى تساءلت إن كان باستي الآن راضيا، ربما ليس هناك باستي على الإطلاق، ربما كان هو مجرد فكرة يكفيه فقط أن يستمتع بالوهم. فجأة خطر لها أن كل ذلك مجرد تمثيل. مسرحية تفاعلية. هل دعاني لأنه يحتاج إلى مشاهد حقيقي؟ رغبت نفسها عن الحلوى.

Page inconnue