L'Effet Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Genres
كانت غرفة معيشة آل شتورم تشبه صالة فنون حديثة بين معرضين. لم تتمكن فاندا من النظرة الأولى أن تتبين وظيفة بطاطين الصوف العديدة المفرودة على الأرضية الملساء الفاتحة اللون؛ إذ كان يمكن أن تعتبر معروضات، وفي نفس الوقت تعتبر بقايا عمليات بناء وتركيب. في جميع الأحوال كانت كلها تتجمع فيما يشكل سجادة ملونة مبرقشة تستلقي في تباين لطيف مع طراز الأثاث الصارم. جلس الناس على الوسائد، وقفوا معا أو تجمعوا في مجموعات صغيرة مثل جماعات من البدو قررت بحماسة أن تتجاهل الأريكة الجلدية باهظة الثمن المستندة إلى الجدار الخلفي للغرفة، ليس بسبب عدم تحضرهم، العكس هو الصحيح؛ إذ لم يرغبوا بتاتا في التفكير في لطخات الدهون، أو بقع النبيذ الأحمر، أو بوالص التأمين ضد المسئولية. كانت الأجواء مثالية لقتل أي شعور بفقدان السيطرة في مهده.
كان يوهانيس جالسا مع بيترا أمام النافذة الكبيرة المطلة على الحديقة وغمز لها. في الخارج، خلفهم مباشرة، صفرت الرياح بين أفرع شجرة عيد الميلاد المضاءة. مرت فاندا إلى جوار زملائها الجالسين القرفصاء الواضعين أطباقهم في حجورهم، يقرضون أرجل الدجاج، أو يملئون جوفهم بسلطة البطاطس والكرنب الأحمر. أما الرئيس فكان جالسا على الأرض فاردا ساقيه بين ميشائيل فالاخ وشخص آخر لم تكن تعرفه. كان يمضغ اللحم ويضحك بفم مفتوح. بدا أن جوربيه جديدان. بالأمس تحدث إليه توماس وأخبرها أن كل شيء على ما يرام. توقعت فاندا أن شتورم سيسعى للحديث معها لكنه لم يفعل. حياها كالمعتاد، لكنها استشعرت مزيدا من التحفظ من جانبه أثار قلقها، لكن على أية حال، صارت تتخذ إجراءات صارمة لتطهير الحظائر منذ عودته من اليابان. كان عمال الرعاية يطلقون عليها عملية تنظيف عيد الميلاد. «علمت أنه ركب لك كمامة على فمك.» قال يوهانيس وهو ينقر على جوربها المهترئ «إن عاملات الرعاية يشعرن ببعض السخط أن برنامج عملهن قد اضطرب بشدة قبل أيام الإجازة بوقت قصير.» كان ينظر إليها ويبتسم بوقاحة. ركعت فاندا ثم ثنت ساقيها تحتها لتجلس إلى جواره على الأرض. كان الموضع الذي يجلسان فيه يبتعد قليلا عن مجرى الأحداث، لكن يسمح بنظرة شاملة لعموم المكان. كانت السيدة شتورم تتحدث إلى أستريد، بينما كان توماس حقيقة يغازل طالبة الدكتوراه الجديدة. «هل تنصتين إلي أصلا؟» سألها يوهانيس سؤالا أقرب للشكوى. «أكاد أموت جوعا.» «فلتظلي جالسة، وسأحضر أنا لك شيئا.» قفز يوهانيس واقفا سريعا خفيفا، ثم رسم على وجهه أمارات الجد وقال: «لا يمكن أن أدعك تذهبين إلى المطبخ بهذين الجوربين.» أحيانا يكون في غاية اللطف. لا، صححت نفسها: الواقع أنه مساعد للآخرين بطبيعته، لكن هذا لم يكن يجدي ؛ فالعناية بالآخرين ليست من مكونات وصفة النجاح في المجال العلمي.
بعد دقيقة عاد إليها يوهانيس بطبق مليء بما لذ طعمه وطابت رائحته. «على الأقل قدم خدمة متميزة للحفل. صحيح أن عدد الأصناف محدود إلا أنها كلها طيبة المذاق.»
ابتسمت فاندا، كان جميلا أن يخدمها أحدهم وأن تدخل شيئا إلى جوفها. جلس يوهانيس وراءها فيما كانت تعترف له ولزابينة بفعلتها الأخيرة، وكان رأيه أنهم سيوفرون الكثير من الوقت والمال إن تركوا عينات الأنسجة كي يحللها أخصائي الفيروسات، كما أن هذا الأمر لا ينطوي على خطورة أن يمسك بهم أحد، ولن يستدعي الأمر أعمالا سرية في ساعات متأخرة بالمعمل. سيتعين عليهم انتظار النتائج فحسب.
وافقت زابينة على هذا الحل، لكنها لم تسعد بحقيقة أن توماس يعرف بالأمر، وكان على فاندا أن تعدها ألا تواصل إطلاعه على ما يستجد. شعرت فاندا أنها خسيسة، فرغم رجائه الحار، لم تقم بسحب طلبها من أخصائي الفيروسات، ثم استغلت استعداده للمساعدة بلا خجل. أنا سيئة، فجأة شعرت بالذنب. كان الأمر مثل حالها في الماضي، حين كانت تغضب لأن والدها عاد إلى المنزل سكران. «أنت تتخيلين الأمر» سمعت صوت أمها من جديد، سمعت كلماتها بوضوح مثلما في الماضي، كلمات من شأنها أن تجرها إلى آخر غرفة في كيانها. كانت تنظر منها دون شعور أن الأمر يمسها في شيء. هل لهذا اخترت هذه الوظيفة؟ ففي عملها، كانت هذه المسافة أمرا مرغوبا، كانت تسمح لها أن تبقي الأحداث تحت سيطرتها؛ لأن كل شيء يسير وفق الخطة التي حددتها وراقبت تنفيذها حتى النهاية. كانت تمنع دخول الهواء إلى الخلايا، وتخرج الحضانات، وتفتح المجهر. كانت هي التي تحدد المسافة التي ستقطعها، وأي خطوة ستكون الخطوة التالية؛ هي بنفسها. لم يحدث أن ضايقها أحدهم بتعليق حول حالتها العقلية، بل العكس هو الصحيح تماما؛ إذ كانت تنال الثناء بفضل طريقة عملها المنظمة. لكن الآن فلتت الخطة من بين يديها. ولم تعد ترى ما نهاية تجربتها. كانت تريد أن تدحض فرضية سنايدر، فإذا بها تقف الآن أمام مشكلة جديدة تماما. خرجت الأمور عن نطاق السيطرة. شعرت أنها على هامش الأحداث بالحفل، وأن النبيذ يطيب طعمه مع كل رشفة. اعتراها إحساس لطيف بالامتلاء كاد أن يدفعها نحو واحدة من البطاطين. كانت لتدفع الكثير في مقابل أن تتمكن الآن من التمدد على الأرض وأن تغلق عينيها لدقيقة. «أريد أن أقوم بفعلة كبرى.» قالت بيترا، فقاطعت المشاعر التي أغرقت فاندا، فقهقهت بلا مقاومة. أما يوهانيس فقلب عينيه وقال: «هلا أوضحت قليلا؟»
ردت بيترا: «لاحقا» وظلت تبحث عن المكان المناسب. تلفتت فاندا في الغرفة، ابتسم توماس حين التقت أعينهما. كان في هذه الأثناء يتحدث مع علي. بدأت صلابة الناس تتلاشى بالتدريج، فعلت الضحكات وتدريجيا أخذ مستوى الضوضاء يغطي على نغمات الجاز في الخلفية. كانت عينا فاندا تبحثان بلا جدوى عن جهاز الاستيريو. كان يوهانيس واثقا أنه موجود في دولاب الحائط الضخم الذي أمامهم، ذي التصميم الإيطالي، من مولتيني. الخشب من الكونغو، بل إنه ادعى أنه يعرف ماركة السماعتين. مثل قلمي رصاص مقلوبين كانت علامة بانج وأولوفزين تحليان جانبي الشاشة المسطحة ضخمة الحجم. شعرت فاندا أن يوهانيس يصحبها في جولة خلال أروقة محل راق لبيع الأثاث. لا يمكن إنكار أن الأريكة الجلدية ماركة كور. فقط اللوحة كبيرة الحجم ذات ضربات الفرشاة التجريدية الموضوعة في صدر الغرفة ظلت له بغير معنى. من الممكن أن تكون زوجة شتورم هي من قامت برسمها، فمعظم زوجات الأساتذة يمتلكن موهبة فنية في الفترة الأخيرة. لقد بدأ ميل يوهانيس للسخرية العدمية يتصاعد؛ لذا حاولت أن تغير الموضوع. «هل استطعت حقا أن تعرف شيئا عن ذاك الشخص المدعو مايك؟» «لا شيء حتى الآن، لكني سأواصل البحث.» لم يستمر الكلام لأن بيترا التي عادت من الحمام كانت تجر جورج وراءها، ويرتسم الإحباط على ملامحها. «لم تفلح المحاولة.» «يؤسفني ذلك.»
أشاح يوهانيس بوجهه وقد بدت عليه علامات التقزز. «لا ليس الأمر كما تتخيل. بالطبع تمكنت من الجلوس على قاعدة المرحاض غير ذات الحافة في ذاك الحمام الذي يحمل توقيع أشهر المصممين وينظف بسرعة البرق؛ إذ يعمل السيفون بتقنية الخلايا الكهروضوئية، وتغوطت وأنا أتخيل أني أفعلها على وجهه المقرف ذي الضحكة الخالية من الأسنان. لقد كانت لحظة رائعة.» أبدت فاندا دهشتها. «حمام الضيوف ...؟» «هراء؛ حمام الضيوف» أكملت بيترا حديثها. «لقد صعدت إلى الحمام بالأعلى. وكأني كنت في معرض. كنت أجلس على المرحاض وأفكر أنه ربما يمعن الجميع الآن النظر إلي.» «لكن لم يوجد أي خنزير ينظر نحوك» قال يوهانيس ضاحكا «هل لهذا أصبت بخيبة أمل؟» «لا. لقد كنت أريد أن أترك له الغائط في المرحاض. لكن اشتغل السيفون ربما عبر حاجز من الضوء فجعل ذاك الشيء ينزلق بخفة إلى فتحة المرحاض. ولم يخلف أية آثار للانزلاق. ولا أية روائح كريهة.» «أتفهم» غمغم يوهانيس «فتحة المرحاض هي عماد أساسي لمجتمعنا ومجتمعنا أيضا يشبهها.» «هذا كلام توشولسكي» عقب جورج. «أنت لا تفهم على الإطلاق» ردت بيترا وقد شعرت بالإهانة. «أراهن على أن المرحاض به تقنية تأثير اللوتس.» «بل تقنية سهل التنظيف» صوبتها فاندا. «بالتأكيد.» «لا، أقصد المبدأ الذي يتبعه اسمه هكذا سهل التنظيف، وهو يتطلب أن يكون السطح أملس بدرجة عالية جدا وناعما مثل مؤخرة رضيع. أما تأثير اللوتس فلا يتم إلا إذا كان السطح على العكس من ذلك تماما.»
أكمل يوهانيس: «أي حين يكون السطح مجعدا مثل بشرة جدتك.» نقلت بيترا ناظريها ببلاهة بين فاندا ويوهانيس، ثم صفق أحدهم بيديه. كان شتورم، وكان يقف أمام طاولة مليئة بالأشياء المرعبة ليفتتح التمبولا. كان يضحك ضحكات مبالغا فيها على النكات التي يلقيها بنفسه، وكان على الجمع أن ينصت له بانتباه حتى النهاية، لكنه أدار اللعبة بذكاء. فقدت فاندا كرة الثلج التي تحوي قصر لاندجراف لصالح لي وانج التي سعدت بدورها أيما سعادة بهذا التذكار المميز لمدينة ماربورج. أما جولة فاندا فجعلتها مالكة مركز أرصاد، به حديقة أمامية ونجيل صناعي داكن الخضرة.
قال شتورم وهو يناولها هديتها: «حين يتقلب الجو يحتاج المرء إلى بارومتر يثق فيه.» ارتعدت فرائص فاندا، ترى ماذا كان يعني؟ إذ لمحت بصوته بعض التهديد.
بعد التمبولا تحولت الحفلة إلى ما يشبه عيد ميلاد أطفال؛ إذ انصرف كل انتباههم إلى اللعب الجديدة. جلس معظم الحضور على الأرض يتعجبون، ويتبادلون الأشياء، ويفاصلون، ويختبئون. لم تكن فاندا في حالة تسمح باللعب، وكانت تتمنى أن تتحدث إلى توماس الآن، لكنها لم تتمكن من العثور عليه. وضعت فاندا الجائزة التي ربحتها - والتي تساعد على تحديد حالة الطقس - أمامها على الغطاء، وشاهدت فيها السيدة ذات القبعة الصيفية والرجل ذا معطف المطر وهما يتأرجحان جيئة وذهابا في محاولة لتحديد حالة الجو بالخارج. ظل الرجل والسيدة يتشاجران على من من حقه البقاء في الخارج، لكن ذلك لم يساعد فاندا البتة في معرفة حالة الجو بالخارج، وتعين عليها أن تتخذ قرارها بنفسها. لم يلاحظ أحد حين نهضت فاندا وغادرت.
Page inconnue