Les lois psychologiques du développement des nations
السنن النفسية لتطور الأمم
Genres
3
ومن المحتمل أن يستبدل به استئصال منظم كالذي بدئ به في كثير من المديريات ذات المناجم. ومما سن حديثا قوانين لحظر دخول البلاد الأمريكية على المهاجرين الفقراء، وأما الزنوج الذين اتخذوا حجة لحرب الانفصال (وهي الحرب التي اشتعلت بين الأمريكيين الذين يملكون عبيدا، والأمريكيين الذين أرادو منع أولئك من اقتناء العبيد لعجزهم عن أن يملكوا مثلهم) فلم ينظر إليهم بعين التسامح تقريبا إلا لاقتصارهم على خدم منحطة يعرض عنها أي أمريكي كان، وللزنوج هؤلاء جميع الحقوق نظريا، والزنوج هؤلاء يعاملون عمليا كحيوانات ذات نفع فيتخلص منهم إذا ما أضحوا خطرين، وقد وجدت الكفاية في الأساليب الحاسمة التي تقول بها طريقة لنش على العموم، فيعدم بها الزنوج رميا بالرصاص، أو شنقا عند أول جرم مزعج يقترفونه.
وتلك هي النواحي السود في الصورة لا ريب، وما في هذه الصورة من بهاء يحمل على احتمالها، وإذا ما وجب تعريف الفرق بين أوربة البرية والولايات المتحدة بكلمة واحدة أمكننا أن نقول إن أوربة البرية تمثل الحد الأقصى لما يمكن أن يؤدي إليه التنظيم الرسمي الذي يقوم مقام المبادرة الفردية، وإن الولايات المتحدة تمثل الحد الأقصى لما يمكن أن تؤدي إليه المبادرة الفردية المستقلة عن كل تنظيم رسمي، وفروق أساسية كهذه هي من نتائج الخلق وحده، ولا حظ للاشتراكية الأوربية في التأصل في أرض تلك الجمهورية الصلد، والاشتراكية الأوربية؛ إذ كانت آخر عنوان لطغيان الدولة، لا تزدهر إلا عند العروق المسنة الخاضعة منذ قرون لنظام نزع منها كل استعداد لحكم نفسها بنفسها.
4
وفيما تقدم رأينا ماذا أحدثه في قسم من أمريكة شعب حائز لمزاج نفسي تغلب عليه الثبات والإقدام والعزم، فبقي علينا أن نبين ماذا آل إليه بلد مماثل لذلك تقريبا على أيدي عرق آخر ذكي على الخصوص، ولكن مع عطل من الصفات الخلقية التي قررت نتائجها.
حقا إن أمريكة الجنوبية هي من أغنى بقاع الدنيا في حاصلاتها الطبيعية، وأمريكة الجنوبية هذه هي أكبر من أوربة مرتين، وأقل منها سكانا عشر مرات، وهي لا تعوزها الأرض، وهي لمن يثيرها إذن. وأهلوها السائدون هم من أصل إسپاني، ويقسمون إلى عدة جمهوريات، ومن هذه الجمهوريات: الأرجنتين والبرازيل والشيلي والپيرو إلخ، وجميعها قد انتحل دستور الولايات المتحدة السياسي، وله قوانين تماثل قوانينها لهذا السبب، والآن، وقد ظهر عرق تلك الجمهوريات مختلفا عن العرق الذي يعمر الولايات المتحدة عاطلا من صفاته، فإن هذه الجمهوريات كلها تبدو طعمة للفوضى الدامية على الدوام، وهي، مع كنوز أرضها العجيبة، تراها غارقة في ضروب التبذير، غارقة في الإفلاس والطغيان.
وتجد أسباب ذلك الانحطاط كلها في المزاج النفسي لعرق من المولدين عاطل من الإقدام والعزم والأدب، وفقدان الأدب على الخصوص يجاوز جميع ما نعرفه من قبائح في أوربة، وقد أوردت. شيلد مدينة بوينوس إيريس، التي هي إحدى المدن المهمة، مثالا، فصرح بأنها لا تصلح لسكنى من هو على شيء من رقة الشعور ومن الأدب، وقصد ذلك الكاتب جمهورية الأرجنتين التي هي من أقل تلك الجمهوريات انحطاطا بقوله: «ليدرس الباحث تلك الجمهورية من الناحية التجارية؛ حتى يظل مبهوتا من عدم الذمة البادي في كل مكان منها.»
ولا ترى مثالا أحسن من ذلك دلالة على كون النظم وليدة العرق وعلى استحالة نقل هذه النظم من أمة إلى أخرى، ومن الطريف أن يعلم ما تصير إليه نظم الولايات المتحدة الحرة بانتقالها إلى عرق متأخر، قال مسيو شيلد محدثا إيانا عن الجمهوريات الإسپانية الأمريكية: «يقبض على زمام تلك البلاد رؤساء لا يقلون استبدادا عن قيصر روسية، بل هم أشد إطلاقا منه؛ لبعدهم من مزعجات الرقابة الأوربية ونفوذها، وما الموظفون الإداريون إلا من صنائعهم ... ويصوت المواطنون كما يرون، ولكن من غير أن يلتفت إلى أصواتهم، وليست الأرجنتين جمهورية إلا بالاسم، والحقيقة أنها حكومة أناس يجعلون من السياسة تجارة.»
والبرازيل هي البلد الوحيد الذي كان قد نجا من ذلك الانحطاط العميق؛ وذلك بفضل نظام ملكي كان يضع السلطة في مأمن من المنافسات، وإذ كان هذا النظام من الحرية كثيرا على عروق فاقدة الإقدام والإرادة فإنه لم يلبث أن انهار، فغدا ذلك البلد فريسة الفوضى التامة، ولم يمض غير قليل سنوات حتى بلغ أولياء الأمور من تبديد أموال بيت المال ما قضت الضرورة معه بزيادة الضرائب على نسب عظيمة.
ومن الطبيعي ألا يتجلى انحطاط العرق اللاتيني الذي يعمر جنوب أمريكة في السياسة وحدها، بل يتجلى في جميع عناصر الحضارة، وتلك الجمهوريات التعيسة إذا ما تركت هي وشأنها عادت إلى الهمجية الصرفة؛ ولذلك أصبحت الصناعة والتجارة فيها قبضة الأجانب من إنكليز وأمريكيين وألمان، فصارت ڨالپاريزو مدينة إنكليزية، ولولا الأجانب ما بقي شيء للشيلي، وبفضل الأجانب وحدهم تحافظ تلك البقاع على طلاء خارجي للحضارة لا يزال يخدع أوربة.
Page inconnue