عنه، فبكى وقال: والله ما عليه أبكي ولكن سمعت الله تعالى يقول: ﴿كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته﴾ .
فأخاف أن أكون من أهل هذه الصفة، فذلك الذي أبكاني.
قال أبو العرب: لما أمر عبد الله بن زياد بالبلجاء أن يمثل بها، جاؤوا ومعهم الحديد والحبال، فقالت: إليكم أتكلم بكلام يحفظه عني من سمعه قال: فحمدت الله وأثنت عليه، ثم قالت: هذا آخر يومي من الدنيا، وهو غير مأسوف عليه، وأرجو أن يكون أول أيامي من الآخرة، وهو اليوم المرغوب فيه، ثم قالت: والله، إن علمي بفنائها هو الذي زهدني في البقاء فيها، وسهل علي بلواءها، فما أحب تعجيل ما أخر الله، ولا تأخير ما عجل الله، والحمد لله على السراء والضراء، وعلى العافية وعلى البلاء، ثم قالت: كنت أؤمل في الله ما هو أكثر من هذا قال: ثم إنهم قطعوا يديها ورجليها، فجعل الدم لا يرقأ، فقالت: حياة كريمة، وميتة طيبة، لأني نلت ما أملت - يا نفس - من جزيل ثواب الله، فقد نلت سرورًا دائمًا لا يضرك معه كدر.
وهي حين قطعوا يديها ورجليها، فلم تتكلم، فقيل لها ذلك، فقالت: شغلني هول المطلع عن ألم حديدكم هذا.
ثم أتوا بالنار، لتكوى بها، فلما رأتها صرخت، فقيل لها: لقطع اليدين والرجلين لم تنطقي، فلما رأيت النار صرخت؟ فقالت والله ليس من ناركم صرخت، ولا على دنياكم أسفت، ولكنني ذكرت بها النار الكبرى، فكان الذي رأيتم من ذلك.
قال: فأمر بها، فسملت عيناها، فقالت اللهم قد طال في الدنيا حزني، فأقر في الآخرة عيني ثم قالت: لئن كنت على بصيرة من أمري إن هذا لقليل في جنب ما أطلب من ثواب الله.
قال: فما تكلمت بغيرها حتى ماتت رحمها الله تعالى.
وكانت البلجاء من شيعة علي ﵁ وكان قد بلغ الحسن بن علي أن ابن زياد يتتبع شيعة علي فيقتلهم، فقال: اللهم اقتله وأمته حتف أنفه.
والإسناد: قال أبو العرب: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن جابر بن خداش بن
1 / 43