وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن سفيان، قال: سمعت سفيان يقول: ما في الأرض أحب إلي من سعيد، وما في الأرض أحد يموت أحب إلي منه، فمات، فرأيته يبكي، قلت: قد كنت تمنى موته! قال: أذكر قوله: آه جنبي.
وفي تاريخ الرقة للحراني: ثنا أحمد بن بديع، ثنا أبي، قال: سمعت عمر بن ميمون بن مهران يقول: كنت مع أبي ونحن نطوف بالكعبة، فلقي أبي شيخًا فعانقه أبي، ومع الشيخ فتى قريبًا مني، فقال له أبي: من هذا؟ قال: ابني فقال: كيف رضاك عنه؟ قال ما بقيت خصلة يا أبا أيوب من خصال الخير إلا وقد رأيتها فيه إلا واحدة، قال: وما هي؟ قال: كنت أحب أن يموت وأوجر فيه! قال: ثم فارقه أبي، قال: فقلت لأبي: من هذا الشيخ؟ قال: هذا مكحول.
والمقصود أن هذا المقام مقام عظيم شريف لمن يطلب المصيبة ويفرح بها نظرًا إلى ثوابها، وما يفعل ذلك أحد حتى يعلم من نفسه القوة والصبر والجلد والركون إلى دعوى النفس، وما أكثر ما تخلف الوعد وتنقد العهد فإن الغالب متى ما أظهرت الدعوى وكلت إليها، وطولبت بتصحيح دعواها فتقصر عند الحقيقة وتميل عن تقويم الطريقة.
وكان سحنون ﵀ يقول: قد رضيت ما تقضيه، فابتلني بما شئت، فابتلاه الله بحصار البول، فما صبر، فكان يدور على الصبيان، ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
فالطريقة الكاملة، قوله ﷺ: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية» .
واعلم أن النية في طلب الولد وفقده وقصد بقائه، إذا صحت النية حصل الثواب الجزيل على النيتين جميعًا، لأن الأعمال بالنيات، فإنه ثبت عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال: ما من أهل ولا مال ولا ولد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون﴾، إلا عبد الله بن عمر فإني أحب أن يبقى في الناس.
يأيد ذلك ما ثبت «في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» .
وفي حديث أنس مرفوعًا: سيع يجري أجرها للعبد بعد موته،
1 / 35