جمهورية مصر العربية
وزارة الأوقاف
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
تصحيح الفصيح
وشرحه
لابن درستويه
تحقيق الدكتور محمد بدوي المختون
مراجعة الدكتور رمضان عبد التواب
القاهرة
١٤١٩هـ - ١٩٩٨م
1 / 1
تصحيح الفصيح
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي بعثنا، بعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه على تصحيح كتاب الفصيح المنسوب إلى أحمد بن يحيى، وتفسيره، تحفظ كتاب الدواوين بالحضرة إياه، ومعلوهم عليه. من غير أن يفصحوا عن معانيه، ويعلموا تفسيره، ويعرفوا قياس أبنيته، وعلل أمثلته، اتكالًا على أن من حفظ ألفاظ الفصيح، فقد بلغ الغاية من البراعة، وجاوز النهاية في التأدب. وأن من لم يحفظه فهو مقصر عن كل غرض، ومنحط عن كل [درجة] ولو علموا أن الذي أغفل واضع هذا الكتاب، مما الناس إليه أشد حاجة، وبعم إلى معرفته أعظم فاقة، لصغر عندهم مقداره، وكبر لديهم من الآداب ما فاته. على أنه كتاب قد نوزع في دعواه، وطائفة تزعم أن الذي جمعه يعقوب بن السكيت، اختصره من كتابه "إصلاح المنطق". وطائفة تنسبه إلى ابن الأعرابي، وتلقبه كتاب "الحلى". وقد رأيته بخط أحمد بن الحارث البصري، المعروف بالخزاز، يحكيه عن ابن الأعرابي بهذا اللقب، إلا أنه قد شهر بأحمد بن يحيى، وهو به أشبه، ورأيناه يعترف ويقر به، وكان الذي أغفل مصنفه منه؛ من قياس كل باب، ومثال يصل به قارئه إلى علم جميع ما تلحن فيه العامة، من نظائر ما ذكر في هذا الباب ويحيط بما لم يذكره فيه [أنفع و] أجمع مما صنف، ثم كان مما أغفله أنه لم يفسر ما ذكر فيه من الغريب، ولم يوضح معانيه وإعرابه؛ فاحتاج من تَحَفَّظَه إلى التعب في السؤال عن ذلك، وإلى التعويل على قوم من متأخري أهل اللغة، تعاطوا/ شرح ذلك؛ فقصروا عن بلوغ الواجب، وحشوا الكتاب
1 / 31
بما ليس منه في شيء، وضموا إلى كل باب، وكل كلمة يجب تفسيرها، كل لفظة مشتقة منها وليست منها، ولا في معناها، وفسروا ما ليس من الكتاب، فأطالوا بما ليس منه ولا من فوائده ولا يتعلق به، وأعرضوا عن ذكر الأمثلة والأبنية، التي هي قواعد الأبواب منه، فلم يذكروها أصلًا، فشغلوا الناظر في تفسيرهم بغير ملتمسه، وما لا يحتاج إليه.
فشرحنا لمن عُنِيَ بحفظه معاني أبنيته، وتصاريف أمثلته، ومقاييس نظائره، وتفسير ما يجب تفسيره؛ من غريبه، واختلاف اللغات فيه، دون ما لا يتعلق به، وبينا الصواب والخطأ منه، ونبهنا على مواضع السهو والإغفال من مؤلفه؛ لتتم فائدة قارئه، وتكثر المنفعة له فيه، ويعرف كثيرًا من علل النحو، وضروبًا من الأبنية، وتصاريف صحيح اللغة ومعتلها، ووجوهًا من المجازات والحقائق، والتشبيهات والاستعارات المؤدية إلى علم كثير من كتاب الله ﷿، وكلام رسول الله صلى الله عليه، وسائر مخاطبات بلغاء العرب وشعرائها، والله ﷿ موفقنا لذلك كله، وله الحمد كثيرًا.
1 / 32
تصحيح الباب الأول
وهو باب فَعَلَت بفتح العين
اعلموا أن كل ما كان ماضيه من الأفعال الثلاثية على فَعَلت، بفتح العين، ولم يكن ثاتنيه ولا ثالثه من حروف اللين، ولا حروف الحلق؛ فإنه يجوز في مستقبله يفعل. /بضم العين، ويفعِل بكسرها، كقولنا: ضرَب يضرب، وشكر يشكر، وليس أحدهما أولى به من الآخر، ولا فيه عند العرب إلا الاستحسان والاستخفاف. فمما جاء وقد استعمل فيه الوجهان قولهم: ينفِر وينفُر، ويشتِم ويشتُم. فهذا يدلكم على جواز الوجهين فيه، وأنهما شيء واحد؛ لأن الضمة أخت الكسرة في الثقل، كما أن الواو نظيرة الياء في الثقل والاعتلال، ثم لأن هذا الحرف لا يتغير لفظه ولا خطه بتغير حركته، فإن كان الثاني منه أو الثالث حرفًا من حروف الحلق؛ فإنه لا يجوز أيضًا فيه الفتح [ولا] يمنع من الكسر والضم؛ لأنهما الأصل، وإنما يفتح مع حروف الحلق؛ لأن حروف الحلق مستعلية، فكره فيها من الحركات ما ليس بمستعل، استثقالًا للجمع بين الصعود والهبوط في حرف واحد، فمن ذلك قولهم: سبَح يسبَح، وجبَه يجبَه، وقلَع يقلَع، وشدَخ يشدخ، ونبح ينبح، وقرأ يقرأ، وسحر يسحر، وسأل يسأل، ودمع يدمع، ونحو ذلك.
ومما جاء [و] قد استعمل فيه الوجهان من حروف الحلق قولهم: نطح ينطح وينطِح، ونبح ينبح وينبِح، وفرغ يفرغ ويفرُغ، وبرأ يبرأ ويبرُؤ، وذلك كثير في الكلام. فإن كانت عين الفعل أو لامه واوًا في الأصل، ولم تكن إحداهما من الحلق، لم يجز في مستقبله إلا الضم وحده، نحو: قام يقوم، وعاد يعود، وعدا يعدو، وغدا يغدو، وغزا يغزو، وكذلك إن كانت عين الفعل أو لامه ياء، لم يجز فيه إلا الكسر، كقولهم:
1 / 33
مال يميل، وسال يسيل، ومشى يمشي، ورمى يرمي، وذلك لأن ذوات الواو والياء/ تعتل؛ فتنقلب حروفها على قدر حركات ما قبلها، فلو أجيز فيهما ما أجيز في الصحيح لتغير لفظ الحرف وخطه، بتغير حركته، فانقلبت الواو ياء، والياء واوًا فلم تعرف ذوات الواو من ذوات الياء، والصحيح إذا استعمل فيه الضم والكسر لم تتغير حروفه بتغير الحركات، ولا يدخل باب منه في باب آخر، ولا يلتبس.
وحروف الحلق ستة: "الهاء، والهمز، والعين، والغين، والحاء، والخاء" فإن اجتمعت الواو والياء في العين واللام من فعل كقولهم: ذوى يذوي وغوى يغوي، كسرت العين من مستقبله، من أجل أن لام الفعل ياء معتلة؛ لئلا يعتل الحرفان جميعًا، أُجْرِي مُجْرَى ما صحت عينه، وكذلك إن كانت الواو عين الفعل أو لامه صحت العين بمثل قَوِي يقوى؛ لأنه من القوة، وإنما كان آخر الكلمة بالعلة أولى من العين؛ لأنه في موضع الإعراب، واختلاف الحركات، فهو أضعف.
فمما جاء من ذوات الواو والياء مع حروف الحلق ففتح قولهم: سعى يسعى، ورعى يرعى، ورأى يرأى، ولولا حروف الحلق لكان مثل رمى يرمي، وكذلك قولهم: لحى يلحَى، بفتح الحاء، وقد قيل فيه: يَلْحُوا، بالواو على الأصل مثل يلهو. وقولهم: شآه يشآه؛ أي سبقه، وفآه بالسيف يفآه؛ أي فلق رأسه، وهما من الواو، ولولا الهمزة لكانت عين الفعل منه مضمومة.
وقد شذت من كلامهم كلمة عما وصفنا، فتحوا منها المستقبل والماضي، وليست عينها ولا لامها من حروف الحلق، وهي قولهم: أبَى يأبى، وأجمعوا على ذلك؛/ فزعم سيبويه أنهم فعلوا ذلك؛ لأن في أولها همزة، وهذا غلط منهم؛ لأن فاء الفعل بعيدة عن لامه. وزعم أبو العباس المبرد أنهم إنما فعلوا ذلك؛ لأنهم لما فتحوه صاروا إلى حرف حلقيّ، وهو الألف. وهذا فاسد؛ لأنه يوجب مثله في كل ما اعتلت لامه، وليست الألف من الحروف الحلقية، ولا لها معتمد في حلق ولا غيره، لأنها من الحروف الهاوية في الجوف. وإنما
1 / 34
مقطعها في أقصى الحلق، والحروف كلها مقطعها هناك، لأن الصوت كله إنما يخرج من الحلق، ثم يحصره المعتمِد فيصيّره حرفًا. والذي يُذْهَب إليه في قولهم: أبَى يأبَى، أنهم [إنما] غلطوا فيه على التشبيه بما هو في معناه، مما ينفتح لحرف الحلق، وهو قولهم: منَع يمنع، لأن الآبي ممتنع، فنظيره قولهم: يذر، بفتح الذال، لأنه في معنى يدع، وإن لم يكن فيه حرف من الحلق، وهو شاذ.
ومن الأفعال ما لا يستعمل منه إلا الماضي وميزه، للاستغناء عن استعمال مستقبله بغيره، أو لعلة غير ذلك، فمن ذلك قولهم: عَسَيْتُ أن أفعل، وهو على مثال رميت، ولو استعمل مستقبله، لكان مكسور السين مثل يرمي، ولكنه فعل وضع للعبارة عن الترجي والإشفاق، كما يعبر بالحروف عن التمني والطمع نحو ليت ولعل، فلم يستعمل مستقبله، ولا مصدره، ولا اسم فاعله، ولا شيء مما يتصرف فيه من سائر الأفعال؛ لأنه وضع موضع الإخبار عن حال صاحبه التي هو مقيم عليها، وإن كان على لفظ الماضي، كما فعل ذلك بليس، وأجري مجرى حروف المعاني الجامدة، لأن "ليس" أيضًا هذه قصتها؛ أنها للحال الثابتة، ولفظها لفظ الماضي.
فأما اختيار مؤلف كتاب الفصيح/ الكسر في ينفِر ويشتِم، فلا علة [له] ولا قياس، بل هو نقض لمذهب العرب والنحويين في هذا الباب. فقد أخبرنا محمد بن يزيد عن عن المازني والزيادي والرياشي عن أبي زيد الأنصاري وأخبرنا به أيضًا أبو سعيد الحسن
1 / 35
ابن الحسين السكري عنهم، وعن أبي حاتم، وأخبرنا الكسروي علي بن مهدي عن أبي حاتم عن أبي زيد أنه قال: طفت في عليا قيس وتميم مدة طويلة، أسأل عن هذا الباب، صغيرهم وكبيرهم؛ لأعرف ما كان منه بالضم أولى، وما كان منه بالكسر أولى، فلم أعرف لذلك قياسًا، وإنما يتكلم به كل امرئ منهم على ما يستحسن ويستخف، لا على غير ذلك.
ونظن المختار للكسر ههنا وجد الكسر أكثر استعمالًا عند بعضهم، فجعله أفصح من الذي قل استعماله عندهم. وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما هاتان لغتان مستويتان في القياس والعلة، وإن كان ما كثر استعماله أعرف وآنس؛ لطول العادة له. وقد يلزمون أحد الوجهين للفرق بين المعاني في بعض ما يجوز فيه الوجهان، كقولهم: ينفُر، بالضم من النفار والاشمئزاز، وهو ينفِر، بالكسر، من نَفْر الحجاج من عرفات، فهذا الضرب من القياس يبطل اختيار مؤلف الفصيح الكسر في ينفر على كل حال، ومعرفة مثل هذا أنفع من حفظ الألفاظ المجردة، وتقليد اللغة من لم يكن فقيهًا فيها.
وقد تلهج العرب الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس، البعيدة من الصواب، حتى لا يتكلموا بغيرها، ويدعو المنقاس المطرد المختار، ثم لا يجب لذلك أن يقال: هذا أفصح من المتروك. ومن ذلك قول عامة العرب: أيْشٍ/ صنعت؟ يريدون: أي شيء صنعت؟. وقولهم: لا بَشَانِيك، يعنون: لا أبالشانيك. وقولهم، لا تُبَل، أي لا تبال يا هذا .. ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل من يذر ويدع، واقتصارهم على ترك وتارك، وليس هذا لأن ترك أفصح من ودع ووذر، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى، واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله. وليس قول النبي صلى الله عليه: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" دليلًا على أن الألف في مأزورات أفصح من الواو؛ لأنه الأصل من الوِزر، ولكنه دليل على أنه اختار الألف للتسوية بين مأزورات وبين ما بعده وهو مأجورات،
1 / 36
والتقريب بين لفظيهما؛ لأن ضرب من النظم والتأليف والسجع، يستعمله الخطباء والبلغاء؛ طلبًا للوزن، وترتيبًا للمنطق، فإنما هذا انتقال عن الأصل، وعدول عن الصواب؛ لعارض من العوارض.
وكذلك قولهم: "أيش" إنما غيروه عن الأصل والصواب؛ لأنه كلام يكثر استعماله وقد اجتمعت فيه ياءات وهمزات فخففوه، فحذفوا حرف الإعراب من "أيٍّ" مع إعرابه، وحذفوا الهمزة من آخر شيء، ثم حذفوا الياء التي قبل التنوين؛ لاجتماع الساكنين، فصار أَيْشٍ، ولو فعل مثل هذا بكل ما أشبهه، لفسد كلام كثير.
وأما اختياره نقَمت أنقِم؛ ففيه لغتان: فمن العرب من يجريه على هذا الباب، وهو الأكثر، ولذلك اختاره مؤلف الكتاب. ومنهم من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، على ما تتكلم به العامة، وليس ذلك بخطأ، وإنما ذلك لاختلاف اللغات/، وكأنه لما كان معناه معنى ظفِرت أظفَرُ، وسَخِطْت أسْخَطُ، وكرهت أكره، وما أشبه ذلك، استعمل على مثالها، وبنائها، وليس بخارج عن القياس.
وأما اختياره في نطح الكبش ينطِح، ونبح الكلب ينبِح، ونحت ينحِت؛ فإن الفتح في مستقبلها أكثر وأعم في الاستعمال، لما فيها من حروف الحلق، ولكن الكسرة في كلام أهل الفصاحة والبصر بالأبنية وتصاريفها أكثر، وهو الأصل، وكلاهما قياس.
وأما جف يجف، وكل يكِل، وما أشبههما من المضاعف في هذا الباب فكان عين الماضي منه مفتوحًا، فأسكن؛ لاستثقال التضعيف وأدغم، ثم أسكن في المستقبل، وكان حقه الكسر، ولكنه أدعم ليخفف، ونقلت كسرته إلى فاء الفعل. وقياس ما كان من هذا النحو أن يجوز الضم والكسر في مستقبله، كما وصفنا في غير المدغم؛ لأنه صحيح لا تنقلب حروفه، والضم فيه مثل يَرُدّ ويمد، ولكن المستعمل آنس للسمع.
و/اقوله: نكَلَ يَنْكُل؛ ففيه لغتان أخريان: فمن العرب من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، فيقول: نكِل ينكَل، على بناء فرِق يفرَق، وفزِع يفزع؛ لأنه في معناهما، وليس
1 / 37
ذلك من هذا الباب. ومنهم من يكسر الماضي ويضم المستقبل، كأنه أخذ الماضي من لغة، والمستقبل من لغة أخرى، وذلك رديء في القياس، غير جار على أصل. واللغة الأولى هي الأصل، والأعرف الأفصح، وهو فتح الماضي وضم المستقبل، على وزن هرَب يهرُب، وبمعناه.
وأما قوله: شحَب لونه، وسهَم وجهه، بفتح الماضي وضم/ المستقبل، فهو المستعمل المعتاد، وهو على أصل، ويجوز في القياس ضم الماضي منهما، كما تتكلم به العامة على معنى أفعال المبالغة، أي كثر ذلك فيه، بمنزلة ظرُف وكرُم. وهو أصل آخر؛ لأن هذا البناء يدخل على كل فعل، أريدت المبالغة فيه، وليس الضمن فيهما بخطأ على ما بينا، إذا جيء بفاعلهما على فعيل مثل ظريف وكريم، فقيل: شحيب وسهيم على القياس، ولكنه في الاستعمال قليل، والمعتاد في فاعله: شاحب وساهم. فإن كان فاء الفعل من هذا الباب واوًا، ولم: ن آخره من حروف الحلق، فإن ثانيه لا يكون إلا مكسورًا، لئلا يجتمع ثقل الضمة، وثقل الواو، ولكن يسقط منه في المستقبل كقولهم: وزن يزن، ووعد يعد، وأصلهما يَوْعِد ويَوزِن، ولكنه كره وقوع الواو بين ياء وكسرة، فحذفت تخفيفًا، ثم أجريت مع سائر حروف المضارعة مجراها مع الياء في الحذف؛ لأن معناهن معنى واحد. فإن كان ثاني هذا الضرب من الأفعال من حروف الحلق، أو ثالثه، جاز فيه من الفتح ما جاز في الصحيح. فمن ذلك قولهم: وَلَغَ يَلَغُ، إنما أصله يلِغ، بكسر اللام على ما يقوله العامة، مثل يزن ويعد، ولذلك حذفت الواو في مستقبله؛ لأنها وقعت بين ياء وكسرة، ولكن فتحت اللازم من أجل العين، كما قالوا يضع ويدع ونحو ذلك. وهذا مذهب الأصمعي وقوله. وأما أبو زيد الأنصاري فقال: أخطأ الأصمعي، وإنما ولِغ الكلب يلَغ، بكسر اللام من الماضي، وفتح من المستقبل، مثل: وسِع يسَع، وليس هذا منه هذا الباب. روى ذلك/ لنا أبو العباس، والسكري عن الرياشي عن الأصمعي وأبي زيد. وإن العامة مخطئة في كسر لام المستقبل. وقول أبي زيد يَقوَى بقولهم: شرب يشرب، وجرِعَ يجرَع، ولحِس يلحَس، لأنه بمعناها.
1 / 38
وأما قولهم: يولَغ، فإنما هو فعل لم يسم فاعله، والماضي منه أُولِغ بضم الهمزة، وهو فعل صاحب الكلب بالكلب، وهو على أفعل يُفعل، يتعدى بغير حرف جر، من قولهم: أولغتُ الكلب فأنا أُولِغه؛ إذا سقيته.
وأما ربط يربط، ففيه الضمن والكسر جميعًا، مستعملان، والكسر أكثر وأعرف فلذلك اختاره، وليس من هذا الباب شيء، ماضيه بغير الفتح، فكل ما كسرته العوام من ذلك، فهو خطأ عند العرب والنحويين، إلا أن يجيء شيء فيه لغتان مثل: نَقِم ونَكِل. فهذا قياس أبنية هذا الباب، وعلل أمثلته، صحيحها ومعتلها، فمن عرفها عرف بها جميع ما تخطئ العامة فيه، من هذا الباب مما ذكر أو لم يذكر في هذا الكتاب.
* * *
وأما غريبه ومعانيه، فإنا مفسرون كل كلمة ذكرها فيه ثعلب، وغير متجاوزين ذلك إلى ما شراكها في اللفظ دون المعنى، أو اتصل بها في الاشتقاق؛ لئلا نخرج عن غرض هذا الكتاب، أو نطيله، على الناظر فيه، إن شاء الله.
أما قوله: نمى المال، فمعناه كثر وزاد، يقال: نمت الماشية؛ إذا تناسلت. ونمى القوم: إذا توالدوا فكثروا. ونمى النبات: إذا طال، ونمى الغلام، ونمت الجارية: أي زاد جسمها، ولذلك سمي الحيوان والنبات: النامي. وقول العرب: نمى المال، إنما يعنون/ الإبل والغنم؛ لأنها تتوالد وتمني. فأما الذهب والفضة فإنما يقال فيهما: نمى مال فلان على الاستعارة، وليس واحد منهما بنام، وإنما ينضم إليهما غيرهما، ولا يرابون في أنفسهما ولا يزيدان، ولكن يتجر بهما، فيربح فيهما. وقد نمى الخضاب في اليد والشعر، إذا استود جدًا، أو زاد صِبغه، ونمى الحبر في الكتاب؛ إذا اشتد سواده وزاد بعد ما يكتب، وفي ذلك يقول الراجز:
يا حب ليلى لا تغير وازدد ... وانم كما ينمى الخضاب في اليد
1 / 39
وقد نمى الحديث أو الخبر؛ إذا فشا وشاع، وقال الشاعر:
ألم يأتيك والأخبار تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
أي ألم يبلغك ويتصل بك. وإنما ذكر ثعلب نمَى ينمِي؛ لأن العامة تقولها بالواو ينمو، وهي لغة لبعض العرب، وليست بخطأ، ولكن الياء أعلى وأعرف، في كلام الفصحاء، ويقولون في مصدره أيضًا النمو بالواو، على فُعول. ومن قال يَنمِي بالياء، قال النُّمِيّ. ويجوز في اللغتين جميعًا النماء، ممدودًا على فَعالٍ، مثل مضى يمضي مَضاء ومُضايًا، وهذه لا يتعدى فعلها إلى مفعول. وإنما قولهم: نميت الحديث فهو متعد عندنا في الأصل بالباء، أو غيرها من حروف الجر، ولكن كثر استعماله حتى حذف الجار، لزوال اللبس، ما قيل: كلته ووزنته، وهكذا كل ما أشبه هذا، وكذلك قولهم: نميت السرج على الدابة، والرحل على الناقة، كما قال النابغة:
وانم القتود على عيرانة أجد
فهذا فرق بين المتعدي/ وغير المتعدي منه.
وأما قوله: ذوى العود يذوي، فمعناه ذبل واسترخى، ولم يبلغ الجفاف بعد، فهو ذاو، ذيًا وذويًا. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: ذوي يذوي بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن يبس ييبس؛ لأنه في معناه، وهي لغة رديئة، فأما همزه فليس من
1 / 40
هذا اللفظ، وإن كان لغة، ولا تعرفه العامة. والعامة تقول في الذبول أيضًا: ذبل يذبل، بضم الماضي والمستقبل، وهو خطأ وإنما الصواب ذبل يذبل، بفتح الماضي؛ لأن اسم الفاعل من ذابل مثل الذاوي.
وأما قوله: غوى الرجل يغوي ومصدره الغي، فهو الضلال، وترك الرشاد، والخسار، والرجل غاو على فاعل، والماضي منه مفتوح ومستقبله مكسور، ومصدره: الغواية أيضأ، والغية، قال الله ﷿: (وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) وقال: (فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ). ومنه قول الشاعر:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
أي من يفعل الخير يحمد، ومن يفعل الشر يذم. وإنما ذكره؛ لأن العامة تكسر الماضي منه، وتفتح الغابر فتقول: غوي يغوي، على وزن جهل يجهل، وخسر يخسر؛ لأنه في معناه، وهو خطأ، أو لغة رديئة. وإنما يقال على هذا الوزن: غوي الفصيل يغوي غوى؛ إذا بشم من اللبن فضعف واعتل، وكل ذلك من الفساد، ولكن خولف بين الأبنية للفرق بين المعاني.
وأما قوله: فسد يفسد، فهو ضد صلح يصلح، بفتح الماضي وضم المستقبل، والفاعل منهما: فاسد وصالح، ومصدرهما: / الفساد والصلاح. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول
1 / 41
فسُد بضم الماضي أيضًا، وهو لحن وخطأ، وكذلك يقولون: صلح بضم اللام، ولو كان ذلك صوابًا، لجاء اسم الفاعل منهما على فعيل، مثل: فسيد وصليح، مثل: ظريف وكريم، ولم يقل صالح وفاسد.
وأما قوله: عسيت أن أفعل ذاك، فهو فعل ماض، فيه معنى ترج وإشفاق. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقوله بكسر السين، وهو لغة شاذة رديئة، ولا يستعمل مستقبل هذا الفعل، ولا يصرف منه اسم فاعل، ولا مصدر له؛ لأنه منقول عن المضي، موضوع موضع الحال والاستقبال، ولو استعمل منه المستقبل لقيل: يعسي بكسر السين. والصواب فيه فتحها مع الاحد والاثنين والجميع، والظاهر والمضمر، كقولك: عسيت أنا، وعسينا، وعسيت أنت، وعسيت يا امرأة. وعسيتما وعسيتم وعسوا، وعسين وعستا، وقال الله ﷿: (عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَاسَ الَّذِينَ كَفَرُوا). وقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ). وقال: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا). والعرب ترفع بها الاسم، وتجعل خبرها أن والفعل، وهما في تأويل المصدر، ولا يجعلون خبرها المصدر نفسه، ولا اسمًا غيره، إلا أنه قد جاء في بعض أمثالهم: "عسى الغوير أبؤسا". فجعلوا الخبر ههنا المصدر بعينه، وهو البأس، وجمعوه على أبؤس. وإنما حكمه أن يقال: عسى الغوير أن يبأس، أو يبئس بأسًا، وقد نصب بها بعضهم أيضًا في ضرورة الشعر اسمها، فقال:
1 / 42
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
كأنه أتبعها "لعلي" في العمل/، لما جاءت بعده. وإنما حقها أن يقال فيها: لعلي أو عسيت.
وإنما قوله: دمعت عيني، أي سال دمعها. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: دمعت، بكسر الميم، وهو لغة رديئة، والميم مفتوحة في المستقبل؛ لأن العين بعدها من حروف الحلق، ولولا ذلك لجاز فيها الضم أو الكسر. والدمع مصدر بمعنى السيلان، وهو اسم لكل سائل؛ من ماء وغيره، يقال: دمعت السحابة، ودمع الجرح؛ ولذلك سميت الخمر: دمعة الكرم، وقيل لكل قطرة من جميع ذلك: دمعة، وقيل لبعض الشجاج: الدامعة؛ وهي التي يخرج منها مثل الدمعة من الدم، وفيها حكومة ما يرى الإمام.
وأما قوله: رعفت أرعف؛ بفتح الماضي وضم الغابر، فإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: رعفت، بض الراء وكسر العين، على مثال الفعل الذي لا يسمى فاعله، وهو خطأ؛ لأن هذا فعل لا يتعدى، فلا يجيء منه ما لم يسم فاعله، ولا يكون له مفعول، كما لا يكون ذلك في: جلس وقعد، أن يقال: جلست ولا قعدت، ولكن يجوز أن يقال: رعف في المكان، كما يقال: جلس اليوم، وقعد في المكان، فيضمر المصدر بدلا المفعول. ولا يقال زيد قد رعف، على أن يرجع إلى "زيد" ما يضمر في رغف. ومعنى رعفت، انبعث الدم من أنفي، وذلك الدم الرعاف على فعال؛ لأنه من الأدواء كالزكام والصداع. ومنهذا قيل للفرس، إذا تقدم الخير، في سير أو سبق: قد رعف. وكل متقدم راعف، والتقدم غير معتد إلى مفعول، وإنما فعل الرعاف للدم، فجعل لصاحب الدم، على الاتساع والاختصار، وطلب الإيجاز، ألا ترى أن الدم هو المتقدم!
1 / 43
وكذلك قوله: عثرت أعثر، يعني سقطت من نكبة الرجل أو غيره؛ وذلك أن تقع رجل الإنسان، أو حافر الدابة، على نبكة ناتئة، أو في وهدة، فيسقط أو يكاد يسقط. وقد يقال لمن أسقط في كلامه أيضًا: قد عثر، ولمن زل في رأيه أو تدبيره أو فعله: قد عثر. وقد روي عن علي بن أبي طالب ﵁ أنه قال:
لقد عثرت عثرة لا أجتبر سوف أكيس بعدها أو أنتظر
ويقال لكل من أصابه شيء من ذلك: عاثر، ويقال تعثر في كلامه، إذا تتعتع فهو متعثر. ومن هذا قيل للمريض: أقال الله عثرتك، أي وجه إليك العافية وغفر لك الذنب. ويقال: بالدابة عثار، إذا كانت تعثر كثيرًا، على وزن فعال، مثل عيوب الدواب، نحو الحران والجماح. والعامة تقول في هذا: عثرت، بضم الثاء في الماضي، وهو خطأ، ألا ترى أن اسم الفاعل منه عاثر، فإن كثر منه الفعل قيل له: عثور، على فعول، ولا يقال منه عثير.
وكذلك قوله: نفر ينفر. والعامة تقول: نفرت، بضم الفاء في الماضي، وهو خطأ؛ لأن الفاعل منه نافر، والمستقبل منه ينفر، بضم الفاء من النفورِ. فإن عنيت أنك نفرت من عرفات قلت: ينفر بكسر الفاء، ومصدره النفر؛ وهو سرعة الرجوع من الحج، فرق بينه وبين النفور مصدر الأول لاختلاف المعنيين، وهو كالفزع من الشيء، والهرب منه، هكذا الاستعمال. ويجوز في القياس في مستقبل هذين الفعلين الضم / والكسر جميعًا، وإن لم يستعمل. فأما النفار فمصدر قولهم: نافرته منافرة ونفارًا. والاشتقاق يرد كل ذلك إلى معنى واحد، وكذلك قوله ﷿: (انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالًا وجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وقوله (تعالى): (مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا
1 / 44
فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ). وقوله (تعالى): (لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا). يعني النفور إلى العدو. ومنه قولهم: "لا في العير ولا في النفير".
وأما قولهم: شتم يشتم، فليس مما تخطئ فيه العامة. وإنما ذكره؛ لأن المستقبل منه يجوز فيه كسر التاء وضمها قياسًا. وكلام فصحاء العرب به أكثره بالكسر، فاختار الكسر لكثيرته، لا أنه أصوب. ومصدره الشتم، وهو رمي أعراض الناس بالمعايب وثلبهم، وذكرهم بقبيح القول، حضرا وغيبًا. ولذلك قيل للأسد: شتيم الوجه، لأنه قبيح. والشتيمة اسم للمثلبة، ومنه قول الفرزدق في توبته:
على حلفة لا أشتم الدهر مسلمًا ولا خارجًا من في زور كلام
فأما قوله: نعست أنعس، فهو غشيان النوم وابتداؤه، واسمه النعاس، على فعال، لأنه من الأدواء كالنعاس والزكام. ويقال: إن الكلب أبدًا ناعس، ولذلك قالوا: "مطل كنعاس الكلب".وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: نعست، بضم العين في الماضي، وهو خطأ؛ لأن اسم فاعله ناعس، فإذا كثر ذلك منه قيل: نعوس، ولا يقال منه: نعيس، على فعيل. والعامة تقول للرجل نعسان، وللمرأة نعسانة، والعرب تقول: ناعس وناعسة، والجميع نعس.
وأما قوله: لغب الرجل يلغب، فمعناه أعيا/ من الإعياء، والفاعل منه لاغب، ومصدره اللغوب. وكل من كل من عمل أو سفر أو نحو ذلك، فهو لاغب، يقال:
1 / 45
هو ساغب لاغب. ومنه قول الله ﷿: (ومَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ). وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: لغبت، بضم الغين من الماضي، وهو خطأ؛ لأن فاعله لاغب، فأما مستقبله فلا يقال إلا بالضم أو بالفتح؛ لأن فيه حرفًا مستعليًا، والكسر جائز في القياس.
وأما قوله: ذهلت عن الشيء أذهل، فبمعنى غفلت عنه، أو سلوت أو شغلت عنه، وفاعله ذاهل، ومصدره الذهول، ومنه قول الله ﷿: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). وقال الشاعر:
ولقد بدا لي أن قلبك ذاهل عني وقلبي لو بدا لك أذهل
وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: ذهلت، بكسر الهاء، لأنه في معنى نسيت، فأما الهاء في المستقبل فمفتوحة؛ لأنها من حروف الحلق، ولولا ذلك لكسرت أو ضمت، وذلك فيها جائز في القياس.
وأما قوله: غبطت الرجل أغبطه، فمعناه تمنيت مثل حاله أو ماله أو غير ذلك من غير أن تريد زوالها عنه، ومنه الغبطة والاغتباط، وهو الفرح بالنعمة والخير، والرضا بهما. ومنه قولهم: غبطت الشاة أغبطها غبطًا؛ إذا جسست موضع الشحم منها، لتعلم أسمينة هي أم لا. والغطبة اسم الحالة الحسنة من الإنسان، والنعمة التي يحسد عليها الناس. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول في مستقبله: أغبطه، بفتح/ الباء، وهو خطأ؛ لأن حرف الحلق في أوله، وليس في ثانيه ولا ثالثه، ذلك والضم فيه جائز، وإن لم يسمع.
1 / 46
وأما قوله: خمدت النار تخمد؛ فمعناه أن تطفأ ويذهب ضوؤها وحرها، ويقال: خمد الإنسان إذا مات، وإذا سكت، من فزع أو انقطاع عن حجة أو نحو ذلك. ومنه قول الله ﷿: (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ). ومصدره الخمود. وإنما ذكره؛ لأن العامة يقولون: خمدت النار تخمد؛ بكسر الماضي وفتح المستقبل، مثل: طفئت تطفأ؛ لأنها في معناها، وهو خطأ، لأن فاعله لا يستعمل على فعل ولا فعيل، وإنما يقال خامد، بالألف لا غير.
وكذلك قوله: عجزت عن الشيء أعجز، بفتح الماضي؛ لأن العامة تقول: عجزت أعجز بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن كسلت أكسل، وقال الله ﷿: (يَا ويْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ). ومصدره العجز، والعجز معروف، وهو ضد القوة في الجسم، وضد الكيس في العقل والرأي. واسم الفاعل منه: عاجز بألف، ولا يجيء بغير ألف، كما جاء كسل بغير ألف. وإنما يقال: عجز يعجز عجزًا، على لفظ العامة، إذا كان معناه كبر العجيزة، بمنزلة قولهم: سته يسته ستها.
وكذلك قوله: حرصت عليه أحرص؛ لأن العامة تقول: حرصت أحرص، بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن شرهت أشره، ورغبت أرغب، وهي لغة معروفة صحيحة، إلا أنها في كلام الفصحاء قليلة. واسم الفاعل منها: حريص على فعيل، والقياس حارص، إلا أنه جاء على معنى المبالغة، كما جاء عليم/ ورحيم، واستغني بحريص عن حارص، وهذا يقوي مذهب العامة. وأما الفصحاء فيفتحون الراء في الماضي،
1 / 47
ويكسرونها في المستقبل، والضم فيها جائز في القياس. وقال الله ﷿: (ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ) وقال ﷿: (إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ) وقال أبو ذؤيب:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وأما قوله: نقمت أنقم، ففيه لغتان؛ وأصحفهما فتح الماضي وكسر المستقبل؛ لأن اسم الفاعل منه: ناقم بألف، وهو أكثر استعمالًا من نقم، بغير ألف. والأحرى كسر الماضي وفتح المستقبل، وهي لغة العامة، وقد قرئ بهما جميعًا القرآن. ومعنى نقمت معنى سخطت، وغضبت، وكرهت. ومنه الانتقام من العدو، وهو المعاقبة والتشفي.
وأما قوله: غدرت به أغدر، فمعناه ترك الوفاء، ونكث العهد، ونحو ذلك، وهو معروف- فإن العامة تكسر ماضيه وتفتح مستقبله، وهو خطأ؛ فلذلك ذكره. والدليل على خطأ العامة، أن فاعله: غادر بألف، ويروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "لكل غادر لواء يوم القيامة، يعرف به" ولا يقال منه بغير ألف، ومصدره الغدر، بسكون الدال، ولا يجوز فتحها، وذلك دليل على خطأ العامة فيه.
وكذلك قوله: عمدت أعمد؛ لأن العامة تكسر الماضي منه وتفتح المستقبل، فهو خطأ؛ فلذلك ذكره. والدليل على خطأ/ العامة فيه أن اسم الفاعل منه: عامد، والمصدر منه العمد، ساكن الميم، ولا يجوز حذف الألف من اسم الفاعل منه، ولا فتح مصدره
1 / 48
وإنما يكون ذلك في قولهم: عند البعير يعمد عمدًا، وهو عمد وعميد، إذا دوى سنامه كقولهم: مرض يمرض مرضًا فهو مريض، والأول بمعنى قصدت أقصد قصدًا، فأنا قاصد. وقد يقال: عمدت الشيء أعمده عمدًا إذا أسندته بعماد، إلا أن هذا يتعدى بنفسه، والأول يتعدى بحرف جر، كقولك عمدت الشيء فأنا أعمد له عمدًا، وهو ضد الخطأ، ومنه قول الراجز:
عمدًا فعلت ذاك غير أني إخال إن هلكت لم ترني
وأما قوله: هلك يهلك؛ فمعناه عطب، أو تلف، أو مات، أو ضاع، يحتمل كل ذلك؛ لقرب بعضه من بعض في المعنى. والعامة تفتح اللام من مستقبله؛ لأنه في معنى يعطب ويتلف، وهو خطأ؛ لأن حرف الحلق إنما هو فاء الفعل لا عينه أو لامه، فلا يكون إلا بكسر ثاني المستقبل أو ضمه، قال الله ﷿: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) ومصدره الهلك على فعل، ولكن قد وضع موضعه الهلاك والهلك والهلكة.
وأما قوله: عطس يعطس، فهو معروف المعنى، ويقال هو مأخوذ من العطاس؛ وهو الصبح، ويقال هو الانتباه من النوم، يقال: بكرت قبل العطاس، وكذلك العطاس الذي يصيب الإنسان، إنما هو تخلص من بخار مستكن في الرأس والخياشيم، وانفساح من ضيق وغم، فهو بمنزلة الصبح الخارج من الظلمة، والانتباه من الرقدة؛ ولذلك يتبرك
1 / 49