Le soufisme islamique et l'imam Al-Sha'rani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Genres
ولنبرهن أيضا على أن الذين هاجموا المتصوفة في أحاديثهم عن صلاتهم بالجن، وصلاتهم بأرواح الموتى من الصالحين، قد انحرفوا عن الحق؛ لأن الأديان السماوية في جانب المتصوفة لا في جانب هؤلاء الوثنيين العقليين.
والشعراني في طليعة المتصوفة الذين تحدثوا عن صلاتهم بالجن، وعن صلاتهم بأرواح الموتى من الصالحين، بل لعله أكثر المتصوفة حديثا عن عالم الجن وعالم الروح.
ولهذا كان نصيبه من حملة العقليين أكبر من غيره من رجال التصوف الروحانيين.
لقد رموا الشعراني بالكذب والدجل، وبالشعوذة، وبالشعبية العامية، وبالتخريف والتخيل الساذج، وما إلى ذلك من نعوت وألقاب يجيدها الذين ألهوا العقل وأنكروا ما فوق الحس والمشاهدة.
يقول المستشرق العقلي «شاخت» في حديثه عن الشعراني: «إننا مع اعترافنا بخصوبة إنتاجه، نرى ضرورة الاعتدال وعدم الإسراف عند تقدير عقليته؛ لأننا نراه يؤمن إيمانا عميقا بالقوى الخفية، وما أكثر مزاعمه بصدد ما وقع له مع الأرواح والملائكة والجن والكرامات والخوارق؛ فإن كتبه حافلة بهذه المزاعم.»
ويقول المستشرق «ماكدونالد» في الفصل الذي عقده عن اتصال الأولياء بالجن في الإسلام: «إن هذه الظاهرة إذا كانت مألوفة في العالم الإسلامي؛ فإنها لا تبدو أوضح مما نراها عليه عند الشعراني الذي كان على اتصال دائم بعالمها الخفي غير المنظور.»
ويجري الدكتور زكي مبارك مع المستشرقين في الفصل الذي كتبه عن الشعراني في كتابه «التصوف الإسلامي»، فيرمي الشعراني بالكذب الساذج، ويصف عقليته بالعامية؛ لأنه تحدث عن الجن وعن اتصاله بهم.
ويعقد الدكتور توفيق الطويل فصلا في كتابه عن الشعراني تحت عنوان «التفسير السيكولوجي لكذب الشعراني» جاء فيه: «إن ما يرويه الشعراني عن نفسه من اتصال بالأرواح وتعامل مع الجن قد يغري بالشك ويدفع إلى تكذيبه، كما كان الحال في موقف الدكتور زكي مبارك منه، ولكن تفهم الشعراني في ضوء المنطق العقلي وحده يبدو لنا ضلالا مبينا؛ لأن الرجل كان طوال حياته يعيش في جو ديني مشبع بالتصوف استمد منه غذاء عقله، وأشبع به جوع قلبه، ومن هنا كان لا بد من النظر إلى نزعات نفسه وتيارات فكره في ضوء هذا الجو النفسي.
وقد انتهت به حياته إلى إيمان عميق مفرط هيمن على منطق العقل في تفكيره، وتأدى الإسراف الممعن في هذا إلى ما يسميه علماء النفس بالمدركات الخاطئة والأوهام المجسمة، فتصور وجود أشباح مجسمة لم يكن لها وجود إلا في وهمه، وبهذا انقلبت الحقائق في نظره، أو اختلق الكثير منها اختلاقا، فبدت الأشياء التي لا تتضح في عينه أشباحا للجن أو الأرواح، أو كانت هذه من خلق تصوره؛ لأنها تساير نزعات قلبه ووساوس نفسه، وتلتئم مع الجو المعنوي الخفي الذي يستغرقه. ومن السهل على من يكون كذلك أن يتمثل الجن في خاطره، فتبدو صورها في ناظره، أو تتحول صور الأشياء أشباحا للجن والعفاريت.
فإن حدثنا عن وقائع مع سكان هذا العالم الخفي قلنا: إنه مخدوع وليس بخداع ولا كذاب، وبمثل هذا تفسر أحاديثه عن تعامله مع الجن وأرواح الموتى.»
Page inconnue