Le soufisme : la révolution spirituelle en Islam
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Genres
فإذا تكلم الصوفية عن رؤية الله في القلب فإنما يقصدون بها مشاهدته بنور يقين القلب، وليس نور يقين القلب إلا شعاعا من النور الإلهي الذي وضعه الله في قلب العبد، وبواسطة هذا الشعاع يرى العبد ربه ذوقا، كضوء الشمس الذي يمكن الناظر إليها من رؤيتها. يقول أبو يزيد البسطامي إن الذين يتكلمون عن الأزلية لا بد أن يكون فيهم مصابح الأزلية، وهذا المصباح هو نور اليقين.
ومن دلائل وجود هذا المصباح الأزلي في قلب الإنسان وجود قوة «الفراسة» في قلب العبد الصادق كما يشير إلى ذلك الحديث القائل: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله.» ومنها كذلك علوم الوحي والإلهام التي هي علوم الأنبياء والأولياء، فإن المصدر واحد في الحالتين، والفرق بين وحي الأنبياء وإلهام الأولياء إنما هو فيما يكشفه النور الإلهي من المعارف الغيبية في قلوب الموحى إليهم والملهمين. أما ما ينكشف منها للرسل فقد قفل الباب فيه ببعثة النبي محمد خاتم النبيين، وأما ما ينكشف لأولياء الله فالباب مفتوح فيه إلى أبد الآبدين.
ولكن لا بد من صقل صفحة القلب بالرياضة والمجاهدة لكي يشرق عليها ذلك النور، وذلك بإزالة الحجب التي تتصل بكل ما سوى الله وتحول دون إشراق النور الإلهي في القلب أو انبعاثه منه على حد قول بعض الصوفية الذين يذهبون إلى أن «المشكاة» الواردة في قوله تعالى:
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
هي قلب العبد، و«المصباح» هو النور الإلهي الذي أودعه الله في القلب الإنساني منذ خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، وعلى هذا ففي الإنسان عنصر إلهي بفطرته، لا يكسبه بكده ومجاهدته، وإنما تكشف المجاهدة عنه وتزيل الحجب التي تغشاه.
وليس النور الإلهي في قلب العبد وسيلة لمشاهدة الله وحسب، بل هو النور الذي يهتدي به العبد إلى ما هو خير وحق وجميل في أمور دينه ودنياه، ولذا يقول بعض الصوفية إن من عصى قلبه فقد عصى ربه، وذلك لأن القلب عند الصوفية مركز إشراق ومركز عرفان معا.
ويظهر الإشراق في قلب الصوفي على أنحاء، فقد يظهر فجأة قويا شديدا، وقد يبدو خافتا أول الأمر ثم يأخذ في القوة واللمعان، وهنا يشاهد الصوفي الصفات الإلهية وآثارها، ويشتغل بهذه المشاهدة عن نفسه وعن كل ما سوى الله. فإذا فني عن ذاته بالكلية حصل في المقام الذي يطلق عليه الصوفية اسم مقام «الإحسان» وهو المقام الذي قال فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.»
ويذكر الهجويري نوعين من المشاهدة: الأولى المشاهدة التي هي ثمرة الإيمان، والثانية المشاهدة التي هي ثمرة المحبة، فإن العبد يصل في حبه لربه إلى درجة يستغرق فيه بكليته ولا يشتغل قلبه بشيء سواه، ويظهر الفرق بين النوعين في أقوال الصوفية وهم يعبرون عن شهودهم وأحوال وجدهم، فإذا قال أحدهم: «ما رأيت شيئا إلا رأيت الله معه» أشار إلى النوع الأول؛ لأنه شاهد آثار الله ظاهرة في الخلق، وهذا هو الإيمان الصادق، وإذا قال الآخر: «ما رأيت شيئا سوى الله» أو قال:
فما نظرت عيني إلى غير وجهه
Page inconnue