Le soufisme : la révolution spirituelle en Islam
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Genres
وكذلك الذي يرضى بالبلاء، يرضى به ويحتمل آلامه لا من حيث هو بلاء بل من حيث صدوره عن الله الذي أنزله به، والذي يرضى بالاصطفاء لا يرضى به إلا من حيث صدوره عن الله الذي اصطفاه. فالله هو المقصود بالرضا في جميع هذه الأحوال، ومن كان رضاه بالله كان رضاه بكل شيء.
والرضا هو قلب الحياة الصوفية والمحور الذي تدور حوله أخلاق الصوفي، فمنه ينبع التوكل على الله والزهد في الدنيا، وهو الذي يورث السكينة في القلب والاطمئنان إلى أحكام القضاء الإلهي، وهو صنو المحبة الإلهية، بل هو ثمرتها لأن من شأن المحب أن يرضى بكل ما يفعله المحبوب. قال أبو عثمان الحيري: «منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته، وما نقلني إلى غيره فسخطته.» وهذا كمال الرضا وكمال المحبة.
ومن ذلك: (1-2) اختلافهم في أسلوب الملامة ومظاهرها
الملامة أسلوب من أساليب تقويم النفس ومحاربتها وتطهيرها من شوائب العجب والرياء، ابتدعته فرقة من أشهر فرق الصوفية وأبعدها أثرا في تشكيل الحياة الصوفية في البيئة التي ظهرت فيها، وهي فرقة الملامتية.
من أشهر رجالها: حمدون القصار الذي يعتبر مؤسسها الحقيقي، وأبو حفص الحداد، وأبو عثمان الحيري، ويقوم مذهبهم الذي انتشر في نيسابور - وفي خراسان عامة - ابتداء من النصف الثاني من القرن الثالث على أصلين هامين: أولهما مقاومة النفس في كل ما يصدر عنها من أفعال وما يخطر بها من خواطر، وثانيهما إخفاء المظاهر التي تنم عن الحياة الروحية، وبخاصة ما يشير منها إلى الصلة بين العبد وربه، بل الظهور بين الناس بالمظاهر التي يبدو أنها لا تتفق مع ظاهر الشرع استجلابا لملامة الناس وتأنيبهم، ومن هنا سموا «الملامتية». على هذين الأساسين بنى الملامتية نظاما في التصوف العملي والنظري انفردوا به وامتازوا عن غيرهم من متصوفة العراق والشام الذين كانوا يعلنون مظاهر الورع والزهد ويحفلون بالطقوس والأشكال الدينية.
وقد جمع الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي أصول الملامتية التي لا تخرج عن الأساسين سالفي الذكر في رسالة فريدة نشرناها مع دراسة تحليلية لمذهب هذه الفرقة، والصلة بينه وبين التصوف من ناحية، وبينه وبين «الفتوة» من ناحية أخرى.
11
وفي محاربة الملامتية للنفس التي يعدونها أعدى أعداء الإنسان ، حاربوا كل مظهر من مظاهرها ينبئ عن الرياء، فحرموا على أنفسهم وأتباعهم لبس «المرقعة» التي كانت شارة الصوفية وعنوان «الفقراء»؛ لما ينطوي عليه لبس المرقعة من ادعاء وما عسى أن يجلب للابسها من مدح الناس وإعجابهم وغير ذلك مما يدخل العجب إلى نفسه، وكذلك حرموا الظهور بين الناس بمظاهر الورع والتقوى والإيثار ونحو ذلك للسبب عينه. بعبارة أخرى، حرموا الرياء في الأعمال والأحوال والعلم، وقالوا باتهام النفس في كل ذلك ورؤية التقصير في كل ما يصدر عنها من أعمال الطاعة.
قيل إنه لما دخل أبو بكر الواسطي نيسابور سأل أصحاب أبي عثمان الحيري: بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا: كان يأمرنا بالطاعات ورؤية التقصير فيها، فقال: أمركم بالمجوسية المحضة، هلا أمركم بالغيبة عنها برؤية منشئها ومجريها؟
12
Page inconnue