بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أسبغ على عباده بفضله نعمًا لا تحصى، وقدر على ما شاء بعدله أن يطاع ويعصى، وعين بين أهل الجنة والنار بقضيتي القضاء، وميز في ظهر آدم بين طائفتي السعادة والشقاء، ثم انتقى منهم ليتمم عدله خواص وأصفياء، وجعل فيهم رسلًا وأنبياء، ليوضح بهم لمن أراد هداية منهاجه، ويقيم على من صد عنه وصرف عن آياته حجاجه، فبذلوا في ذاته جدهم، ونصحوا العباد جهدهم، إلى أن اختار الله تعالى لهم ماعنده وقضى كل واحد منهم ما كتب له من أثر ومدة، عليهم من صلوات الله ما لا يحيط به حصر ولا عدة،
1 / 3
ثم تمم الله على المؤمنين بفضله، وختم أنبياؤه ورسله، بأرجحهم ميزانًا، وأرفعهم مكانًا، وأكرمهم أخلاقًا، وأطيبهم أعراقًا، وأطولهم في الفضائل باعًا، وأكثرهم أمة وأتباعًا، أبي القاسم، سيد ولد آدم، ﷺ، كما شرف وكرم، فجاهد في الله حق جهاده، وزايل الجلايل الصعبة في إرشاد عباده، حتى أقاموا على سواء محجته، وأخذهم طوعًا وكرهًا ببالغ حجته، وسافهم في السلاسل إلى جنته، ودخلوا في دين الله أفواجًا بدعوته، فأنجز الله به وعده، وعبد تعالى وحده، وخصه بخير أمة أخرجت للناس، وآزروه في إقامة شرعة في حياته، وخلفوه في حياطته وحمايته بعد وفاته، نص في غير موطن على تفضيلهم، وأمر بالاقتداء بهم، وتوعد على اتباع غير سبيلهم، بوأهم دار وحيه، ومأوى دينه، ومتبوى شرعه، ومهبط ملائكته، ومهاجر نبيه، ومنزل كتابه، ومختم مثوى رسله، ومجثم الخير كله، كهف الإيمان والحكمة، ومعدن الشريعة والسنة، وسراج الهدى الذي بنوره ضاء أقطار المشارق والمغارب، وينبوع العلم الذي استمدت منه سائر الأدوية والمذائب
1 / 4
ثم خلفهم في كل قرن باتباع صدق وعدل، واخلاف هدى وفضل، وأكناف معرفة وعلم، ومعادن خير وحلم، اختار منهم أئمة المسلمين، ونصب منهم أعلامًا للدنيا والدين، فبينوا للناس ما نزل إليهم، وشرحوا لهم ما أشكل عليهم، وانقادوا لما ثبت من السنن لديهم، واعتبروا باستنباطهم، وصحيح اجتهادهم، حكم ما لم ينص على عينه، وقاسوا - بما فهموا من الشرع - حكمه في غيره، ولم يزيغوا عن سنن التحقيق، ولا أخذوا بنيات الطريق، ولا حكموا الآراء المضلة في الدين، ولا انهملوا انهمال الملحدين، وتنطعوا تنطع المعتدين، بل تبعوا آثار من مضى قبلهم، واقتفوا في التمسك بأصول الشريعة سبلهم، ولم يضرهم خلال من خالفهم من الفرق، ولا شغب من لج في هواه ومرق، فالموفق من اقتفى آثارهم، وغاير شرود من شرد وأتباعهم، وعلم أن الحق مع هذا النمط الذي هدى الله واقتدى بهداه، ولم يعرج على ناعق نعق وان اختدع العقول بلهجة صداه، جعلنا الله ممن اتبع فعلم، واقتفى ما مر عليه السواد الأعظم.
وبعد فلما تكررت رغبات الأصحاب، شملنا الله وإياهم بسعادته، لإمضاء
1 / 5
ما كانت النية اعتقدته، وتبييض ما غدت الهمة قد سودته: من كتاب حاو لأسماء أعيان المالكية وأعلامهم، وتبين طبقاتهم وأزمانهم، وجمع عيون فضائلهم وآثارهم، ونظم نثر فنون سيرهم وأخبارهم، تشمل منفعته، وتجمل معرفته، وتستغرب فوائده، وتستعذب مصادره وموارده، إذ هو فن لم يتقدم فيه تأليف جامع، ولا اختص به تصنيف رائع، يوصل الطالب إلى الغرض، ويقف بالراغب على البغية، مع شدة حاجة المجتهد والمقلد إليه، وضرورة الفقيه والمتفقه إلى ما ينطوي عليه، إلا ما جمعه عبد الله بن محمد بن أبي دليم القرطبي، من ذلك، ومحمد بن حارث القروي، مع تقدم زمنهما، وما اقتضته الشيخ أبو إسحاق الفيروزأبادي في موضع ذكرهم من مختصره، وكل الكتب فما شفت غليلًا، ولا تضمنت من الكثير إلا قليلًا، على أن ابن أبي دليم اتسع اتساعًا حسنًا، فيمن ذكره من المغاربة، من أتباع رواة مالك:
1 / 6
من المصريين والأندلسيين، وطائفة من القرويين، واقتصر على ذكر طبقاتهم، دون شيء من أخبارهم، وبيان أحوالهم، ولم يجز لأحد من الحجازيين والمشرقيين ذكرًا، على جلالة مكانهم، وكثرة أعلامهم، قال القاضي: ولم أزل، منذ سمعت همتي لمعرفة هذا الفن، وتحركت نيتي للاطلاع عليه، أستقرىء سبل مسالكه، وأفحص عن وجوه مداركه وأقيد أثناء مطالعتي شوارده، وأجود، مدة بحثي، جوائده، إلى أن اجتمع لي من ذلك، بعد طول المباحثة الشديدة، والعناية التامة، والمطالعة المتواترة، ما وجدته بغية وغنية، وبسط لي في تحريره أملًا ونية، ولم ألق أحدًا ممن يعتنى بقوله، ويلتفت إلى حسن رأيه، ممن وقف على نبذ من أمره، وانتهى إليه رش من ذكره، إلا قلقًا إلى تمامه، شديد التعطش إلى كماله، محرضًا على صرف العناية إلى تحريره وتهذيبه، راغبًا في تقريب الفائدة بنظمه وتبويبه، والنفس تمطل بذلك وتسوف، وتوالي القواطع والشواغل تصدف عن ذلك وتصرف إلى أن انبعثت الآن عزمة مصممة للتفرغ، وترتيب مضمنه وتصنيفه.
1 / 7
فاستخرت الله تعالى على ذلك، واستعنته، جل اسمه، لتوطئة هذه المسالك، وجمعت قراطيس فقبضتها، عما استودعتها، وطالعت تآليفي فوقفت على خفي أسرارها، واستشبت محفوظاتي فأنجدتني أذكارها، فنظمت منثورها، وفصلت شذورها، ورتبت أعجازها وصدورها، وأبرزت تأليفًا مفردًا في مضمونه، بالغًا فيما قصر عليه من أنواع هذا العلم وفنونه، واقتضى النظر بين يدي الغرض تقديم مقدمات تمس الحاجة إليها، ونتمم الفائدة بالوقوف عليها، تشتمل على أبواب في ذكر المدينة وفضائلها، وتقديم علمائها وعملها، ووجوب الحجج بإجماع أهلها، وترجيح مذهب مالك بن أنس، أمامها، وتقصيت هذه الأبواب تقصيًا يشفي الغليل، ونعمتها نظرًا يقف بالمنصب على سواء السبيل، ثم قفيته باقتداء الأئمة وثناء العلماء عليه، ونشر فضائله وما أضيف من السر إليه، إلى سائر ما يحتاج إليه، من معرفة تاريخه ونسبه، ويتطلع إليه من مجاري أحواله في معاشرته وأدبه، واستوعبت في هذه الجملة باختصار فنونها، والاقتصار على عيونها، ما طالت به تواليف جمة، وشحنت به مجلدات عدة. إذ ألف فضائل مالك وأخباره جماعة من الأئمة، والسلف والخلف من فرق هذه الأمة، فممن ألف في ذلك وأطال
1 / 8
القاضي أبو عبد الله التستري المالكي له في ذلك ثلاث مجلدات ومثل ذلك أبي الحسن بن فهر المصري ولأبي محمد الحسن بن اسماعيل الضراب وألف في ذلك القاضي أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي، وأبو بشر الدولابي، وأبو العرب التميمي، والقاضي أبو الحسن بن المنتاب وأبو علاثة محمد بن أبي غسان
1 / 9
وأبو اسحاق بن شعبان والزبير بن بكار القاضي الزبيري، وأبو بكر محمد بن محمد اليقطيني، وأبو نصر بن الحباب الحافظ، وأبو بكر ابن أبي دراوية الدمشقي، والقاضي أبو عبد الله البرنكاني وأبو محمد الجارود، والحسن بن عبيد الله الزبيري، وأحمد بن مروان المالكي،
1 / 10
والقاضي أبو الفضل القشيدي، وأبو عمر المقاصي، وأحمد بن رشد بن جعفر، وأبو بكر بن محمد بن صالحا الأبهري، وأبو بكر بن اللباد، وأبو محمد عبد الله بن أبي زيد، وأبو عمر بن عبد البر الحافظ والقاضي أبو محمد بن نصر،
1 / 11
وأبو عبد الله الحاكم النيسابوري، وأبو ذر الهروي وأبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن حزم الصدفي، وابن الامام التطيلي، وابن الحارث القروي، وابن حبيب، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو مروان بن الأصبغ القرشي النقيب.
وأكثر تعويلي فعلى كتابي التستري والضراب وتتبعت من غيرهما ما فيه زيادة فائدة أو نادرة لم تقع فيهما، وحذفت كثيرًا مما أطالوا به من كلامه في التفسير والجوامع والرجال، إذ ليس من الغرض وله مظان
1 / 12
أخر هي به أليق، ثم اثبت بعد ذلك جريدة في أسماء مشاهير الرواة عن مالك وحملة الفقه والعلم عنه، مختصة بالتعريف بهم معدات من تواريخهم وأخبارهم إذ قد اتسعنا في أخبار الفقهاء منهم بعد هذا، ومن عداهم فليس من غرضنا ذكرهم، ولم أقصد في هذه الورقات لاستيعاب كل من ذكرت له عنه رواية أو مجالسة أو سؤال إذ قد أودعنا ذلك كتابًا آخر في جمهرة رواة مالك انطوى على أزيد من ألف وثلاثمائة راو تقصيتها من الكتب المؤلفة في ذلك إذ ألفت في ذلك كتبًا عدة ككتاب أبي الحسن الدارقطني الحافظ، وكتاب اسماعيل الضراب المصري، وأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي، وأبي اسحاق بن شعبان القرطبي، وأبي الحسن بن أبي عمر البلخي، وأبي عبد الله بن حارث القروي، وأبي نعيم الأصبهاني، ومنهم من بلغ الألف ومنهم من قصر دونها.
1 / 13
ومن الأندلسيين أبو عبد الله محمد بن مفرج، وعبد الله بن أبي دليم وهما أقل عددًا وأبو محمد عبد الرحمان بن محمد البكري وفي كل واحد من هذه الكتب ما لم يذكر الآخر، فتتبعت ذلك جهدي وأضفت إليه ما شذ عنها وندر، فيما طالعته من كتب أهل الحديث وغيرهم.
اقتصرنا في هذه الورقات على ذكر ألف اسم ممن عرف اسمه وصحت روايته وشهرت صحبته، ورأينا أن لا نخلي هذا الديوان من هذا القدر لتتم به فوائده وتكمل في فنه معارفه.
وبعد هذا، اطردت أغراض التأليف واتسقت طبقات التصنيف، فابتدأنا بذكر الفقهاء من أصحابه خاصة، ثم باتباعهم طبقة طبقة وأخلافهم أمة بعد أمة، إلى شيوخنا الذين أدركناهم وأئمة زمننا الذين عاصرناهم ممن شهرت إمامته، وعرفت معرفته، أو ظهرت تواليفه ونقلت أقواله وامتثلت فتاويه وآراؤه، على حسب تقدم أزمانهم وتعاقب أوقاتهم، فأنبأنا بأسمائهم وأعربنا عن ألقابهم وأنسابهم وقيدنا مهملها لئلا يقع
1 / 14
فيها تصحيف، وأزحنا علية مشكلها ليأمن من أطلع عليها من التحريف. فقد قال أبو اسحاق إبراهيم بن عبد الله النجرسي: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس. لأنه لا يداخله قياس لا قبله ولا بعده شيء يدل عليه، وقال علي بن المديني: أشد التصحيف التصحيف في أسماء الرجال.
وقد قال ابن جريج طلبت اسم جندع بن ضمرة ثماني سنين حتى عرفته وكثيرًا ما شاهدت وسمعت في بعضها من التصحيف الشنيع ما يقبح ذكره ويشهد على الجاهل بها نقصه، وقد غلب على ألسنة الفقهاء أحمد بن ميسرة بكسر السين وصوابه بفتحها. كذا قيده عبد الغني وغيره. وكذاك أحمد بن المعذل كثير من يقوله بدال مهملة وصوابه بمعجمة، ومن ذكر الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في رواة سحنون من الأندلسيين: إبراهيم بن محمد بن زيان ولا يعرف ذلك في الأندلس وقد
1 / 15
رده عليه أهل الصنعة، والأشبه أنه ابن بلز وهو من جلة تلك الطبقة وكذلك صنع في أسماء كثيرة منهم في أنسابهم وذكرهم في غير طبقاتهم فأما تمييز المشتبه منها فمما لا يقف عليه إلا التحرير، ولا يعرفه إلا الفطن بهذا الباب البصير.
ولقد بعث لسحنون في محمد بن رزين وقد بلغه أنه يروي عن عبد الله ابن نافع فقال له أنت سمعت ابن نافع؟ فقال: أصلحك الله إنما هو الزبيري وليس بالضائع. فقال له: ولم دلست؟ ثم قال سحنون: ماذا يخرج بعدي من العقارب. فقد رأى سحنون وجوب بيانها، وإن كانا ثقتين إمامين.
حتى لا تختلط روايتاهما وأقوالهما فإن الصائغ أكبر وأقدم وأثبت في مالك، لطول صحبته له. وهو الذي خلفه في مجلسه بعد ابن كنانة، وهو الذي يحكي عنه
1 / 16
سحنون ويحيى بن يحيى ويرويان عنه ولم يسمع سحنون منه سماعًا وإنما سمعه من أشهب كما نذكره بعد، ووفاته سنة ست وثمانين ومائة.
والزبيري من متأخري أصحاب مالك وهو شيخ ابن حبيب وسعيد بن حسان ووفاته سنة ست عشرة ومائتين وكثيرًا ما تختلط رواياتهم عند الفقهاء، حتى لا علم عند أكثرهم بأنهما رجلان، وربما جاءت رواية أحدهما مخالفة لرواية الآخر، فيقولون في ذلك اختلاف من رواية ابن نافع عن مالك وقد وهم فيهما عظيم من شيوخ الأندلسيين بعد أن فرق بينهما، لكنه زعم أن صاحب السماع هو الزبيري وأنه المذكور في العتيبة، ومثل ذلك علي ابن زياد التونسي وعلي بن زياد الاسكندراني كلاهما من أصحاب مالك فاضل مشهور. فالأول الفقيه شيخ سحنون وغيره، والآخر صالح يعرف بالمحتسب. وقد جرى ذكر ابن زياد مرة بحضرة من يفهم هذا الباب، فلم يكن عنده شك أن الفقيه المذكور اسكندارني فقلت له هما اثنان وأوقفته على من قال ذلك بمعرفة، هذا مما يضطر إليه، لا سيما إذا كان بينهما فرق في العلم ومزية في العدالة والفضل.
1 / 17
ثم ذكرنا من مولدهم ووفاتهم وذكر مشايخهم ورواتهم وتصنيف أزمانهم وطبقاتهم ما انتهى ألينا علمه، وصح عندنا نقله، لتعرف بذلك أوقاتهم ولتبين في التقدم والتأخر درجاتهم، ويتميز بذلك المتصل من المنقطع من روايتهم. وكثيرًا ما يخلط الفقهاء هذا الباب، وربما حكوا الرواية وأسندوها عن المتقدم عن المتأخر إذا اشتبهت عليهم طبقاتهم ولم تتميز لهم أوقاتهم وقد شاهدت معظمًا منهم ذكر عن ابن حارث الفقيه مسألة، قال فيها ابن حارث: وقد شاهدت أحمد بن نصر يفتي بذلك.
فحمل هذا الشيخ أنه ابن نصر الداودي المتأخر وطبقته بعد ابن حارث توفى ابن حارث سنة اثنين وستين وثلائمائة، وتوفى الداودي سنة اثنين وأربعمائة.
وإنما أراد ابن حارث أحمد بن نصر بن زياد الهواري من أصحاب ابن سحنون، وابن عبدوس كاتب القاضي همام ووفاته سنة سبع عشرة وثلاثمائة. فلو عرف الشيخ، والله أعلم، أنهما اثنان وميز طبقتهما لما سقط هذا السقوط ولعدم المعرفة بهذا وهم جماعة فعدوا في الرواة عن مالك وأصحابه من لا تصح عنه رواية ولا جمعه معه زمن والله أعلم. فلقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن أبا يحيى الوقار ممن سمع من مالك، وعده في طبقة أصحابه ولم يذكر هذا أحد ممن جمع رواة مالك وإنما عدوه في أتباع
1 / 18
أصحابه وهو الصحيح والله أعلم. وكذلك ذكر أبو إسحاق ابن شعبان إبراهيم بم محمد بن باز الأندلسي في رواة مالك، وهو من أصحاب سحنون مولده بعد وفاة مالك بمدة وتوفى سنة أربع وسبعين ومايتين وكذلك ذكر أبو بكر الخطيب، على تقدمه وحفظه، عبد الملك بن حبيب في الرواة عن مالك وأدخل له حديثًا عن المغيرة عنه، وهو غلط عظيم، لاسيما من مثله. وعبد الملك ابن حبيب إنما رحل سنة ثمان ومايتين بعد موت مالك بسنتين على ما تراه في أخباره إن شاء الله تعالى.
وكذلك ما ذكره الشيرازي أيضًا أن عبد الملك بن حبيب تفقه أولًا بيحيى وعيسى وحسين بن عاصم هو وهم.
هؤلاء نظراؤه، وإنما تفقه أولًا بشيوخ هؤلاء الأندلس زياد وصعصعة والغازي بن قيس ونظرائهم، وكذلك ذكره عبد الله بن غافق في طبقة سحنون، وزعم أ، هـ سمع من علي بن زياد باطل، هو من أصحاب سحنون وليس من ذوي الأسنان منهم، ومولده بعد موت علي بن زياد بأزيد من عشرين سنة كما سنذكره،
1 / 19
وكذلك ذكر الرازي في استيعابه وأحمد بن عبد البر أن عيسى بن دينار سمع من مالك ورحل مع زياد وأقام بعده، وهذا كله وهم. وسنبين ذلك كله في مكانه إن شاء الله تعالى مع أمثاله. ثم ذكرنا بعد هذا من فضائلهم ومناقبهم وثناء الأجلاء عليهم وتوثيق المزكي من الذكاء والعدالة ومراتبهم في العلم والرواية ومن تكلم فيه منهم على قلتهم أوعد منهم في أول التقدم والإمامة، مع ما يحتاج إليه الناظر المجتهد فيمن يعتمد بخلافه وأجماعه، ويضطر إليه المتفقه والمقلد في معرفة من يدين بإمامته وأتباعه. ودحضنا الدلس عن قوم منهم تحامل المتعصبون عليهم، أو تجمل أهل الريب بإضافتهم إليهم.
وقد صح وعرف خلاف ذلك بما سنجلبه إن شاء الله تعالى، إذ نزه الله تعالى أهل هذا المذهب عما خالط من الهوى سواهم من أهل المذاهب، وعصمهم من علة الافتراق والتدابير فليس في أيمتهم بحمد الله من صحت عنه بدعة، ولا من اتفق أهل التزكية على تركه لكذب أو جرحة، وإن كان أبو خيثمة زهير بن حرب تكلم في أبي مصعب الزهري، ويحيى بن معين في إسماعيل بن أبي أويس ويحيى بن بكير. فما ضرهم ذلك. قد خرج عنهم إمام المعدلين صاحب الصحيح محمد بن إسماعيل البخاري، إذ لم ينسبهم إلى كذب ولا ريبة،
1 / 20
وإن كان الباجي تعسف فيما نقله على عبد الملك بن الماجشون في علله، فالصحيح عنه ضد ذلك وهو المشهور من مذهبه حسبما نبينه عند ذكر كل واحد منهم في موضعه.
وكذلك صنع يحيى بعبد الله ابن عبد الحكم فلم يقلد في قوله، وقد خالفه أبو حاتم الرازي في ذلك وغيره كما أن قول القاضي أبي الوليد ﵀ في القزويني أنه مجهول غير ملتفت إليه وكذلك قال في الصالحي فلو اعتنى ﵀ بهذا الباب لعلم أن الصالحي هو أبو بكر محمد بن صالح الأبهري، ولما قال فيه هذا ولنفى حال أبي سعيد القزويني وجلالته وإمامته في العلم، وحسن تصانيفه فصحح روايته ولم يرتب في نقله وكذلك ذكر في ابن خويز منداد وهو في شهرته وكثرة تصانيفه حيث لا يذكر أنه مجهول، وقال أن أحدًا من أيمتنا البغداديين لم يذكروه، وهذا الشيرازي قد ذكره في كتابه وهذا أبو محمد عبد الوهاب يحكي عنه ويقول فيه، وقال أبو عبد الله البصري وأنت أيها المنصف متى اعتبرتهم مع غيرهم وجدتهم أصح يقينًا وأمتن دينًا وأكثر أتباعًا وأزكى صحابة وأتباعًا حتى أن سيئاتهم حسنات سواهم، وما ينتقد بعضهم على بعض لا يلتف إليه من عداهم، ولهذا قال سحنون ﵀: المدني إذا لم يكن هكذا.
يريد في الدين وشديده أيسر شيئًا أو كما قال،
1 / 21
وفي كتاب الحكم المستنصر إلى الفقيه أبي إبراهيم، وكان الحكم ممن طالع الكتب ونقر عن أخبار الرجال تنقيرًا لم يبلغ فيه شأوه كثير من أهل العلم، فقال في كتابه وكل من زاغ عن مذهب مالك فإنه ممن زين على قلبه وزين له سوء عمله وقد نظرنا طويلًا في أخبار الفقهاء وقرأنا ما صنف في أخبارهم إلى يومنا هذا فلم نر مذهبًا من المذاهب غيره أسلم منه فإن فيهم الجهمية والرفضية والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك رحمه الله تعالى فإنا ما سمعنا أحدًا ممن تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع، فالاستمساك به نجاة إن شاء الله تعالى.
وقد مزق القرويون أسمعتهم من ابن أبي حسان وطرحوها على بابه لكلمة برزت منه لأمير افريقية حرضه بها على العصاة لا يبعد صوابها في بعض الأحوال كان الأولى بمثله غيرها، لامامته وفضله وتقدمه ستأتي مستوعبة إن شاء الله، ولهذا ماتركوا الحمل عن محمد بن رشيد، وكان ثقة من نمط سحنون وإليه كانت الرحلة معه لتساهل رئي منه في المعاملة، وترخص في العينة والأخذ برأي من لم ير الذريعة فتركوه حتى لما مات لم ينظر سحنون في تركته، وأسندها إلى حبيب صاحب مظالمه،
1 / 22