Traduction d'al-Mizzi (parmi les annales de l'histoire de l'Islam)
ترجمة المزي (من ذيل تأريخ الاسلام)
Chercheur
محمد بن ناصر العجمي
Maison d'édition
دار ابن الأثير
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1415هـ - 1995م
Lieu d'édition
الكويت
وكان معتدل القامة أبيض بلحية سوداء أبطأ عنه الشيب ومتع بحواسه وذهنه وكان قنوعا بالقوت غير متأنق في مأكل ولا ثوب ولا نعل ولا مركب بل يصعد إلى الصالحية وغيرها ماشيا بهمة وجلادة وهو في عشر التسعين وكان طويل الروح ريض الأخلاق جدا لا يرد بعنف ولا يتكثر بفضائله ولا يكاد يغتاب أحدا وإذا كتب في النادر كتابا إلى أحد لا ينمقه ولا يزوقه وكان يستحم بالماء البارد في الشيخوخة وأما معرفة الرجال فإليه فيه المنتهى لم أعاين مثله ولا هو رأى في ذلك مثل نفسه وقال لي لم أر أحفظ من الدمياطي وكان ملحوظا بالتقدم في ذلك من وقت ارتحاله إلى مصر ولما أملى علي شيخنا ابن دقيق العيد لم يسألني عن أحد إلا عن المزي فقال كيف هو صنف كتاب تهذيب الكمال في أربعة عشر مجلدا أربى فيه على الكبار وألف أطراف الكتب الستة في ستة أسفار وخرج لجماعة وما علمته خرج لنفسه لا عوالي ولا موافقات ولا معجما وكنت كل وقت ألومه في ذلك فيسكت وقد حدث بتهذيبه الذي اختصرته أنا ثلاث مرات وحدث بالصحيحين مرات وبالمسند وبمعجم الطبراني ودلائل النبوة وبكتب جمة وحدث بسائر أجزائه العالية بل وبكثير من النازلة ولو كان لي رأي للزمته أضعاف ما جالسته سمعت بقراءته شيئا وافرا وأخذت عنه هذا الشأن بحسبي لا بحسبه ولن يخلفه الزمان أبدا في معرفته مع أن عند غيره في معرفة الرجال والأمراء والخلفاء والنسب ما ليس عنده فإنه إنما يعتني بالرواة الذين يجيئون في سماعاته ويجيد الكلام في طبقاتهم وقوتهم ولينهم وهذا الشأن بحر لا ساحل له وإنما المحثون بين مستكثر منه ومستقل وكان شيخنا لا يكاد يعرف قدره الطالب إلا بكثرة مجالسته أو ينظر في تهذيبه لقلة كلامه وكان مع حسن خطه ذا إتقان قل أن يوجد له غلطة أو توجد عليه لحنة بل ذلك معدوم وكان ذا ديانة وتصون وطهارة من الصغر وسلامة باطن وعدم دهاء وانزواء عن العقل العرفي المعيشي وكان يحكم ترقيق الأجزاء وترميمها وينقل عليها كثيرا إلى الغاية ويفيد الطلبة ويحسن بذلك إلى سائر أوقاف الخزائن بسعة نفس وسماحة خاطر لا يخلف في ذلك وكان فيه سذاجة توقعه مع من يربطه على أمر فيأكله ومستأكله حتى لا يزال في إفلاس وذلك لكرمه وسلامته وكان مأمون الصحبة حسن المذاكرة والبشر خير الطوية محبا للآثار معظما لطريقة السلف جيد المعتقد وربما بحث بالعقل الملائم للنقل فيصيب ويحسن غالبا بحسب ما يمكن وربما غلط وكان الكف بمثله أولى عن الجدل فإن المخالف ينتقد عليه ذلك ويلزمه بالتناقض بحسب نظره فمذهب السلف في غاية الصلف والسكوت أسلم والله أعلم وبكل حال فالخطأ في ذلك من قاصد الحق بتنزيه الحق مغفور للعالم وقد كان اغتر في شبيبته وصحب العفيف التلمساني فلما تبين له ضلاله هجره وتبرا منه فالحمد لله
Page 54