La traduction dans le monde arabe : réalité et défi : à la lumière d'une comparaison statistique significative

Shawqi Jalal d. 1450 AH
157

La traduction dans le monde arabe : réalité et défi : à la lumière d'une comparaison statistique significative

الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة

Genres

نناقش أمورنا عادة بمنطق الإحالة. نحيل الأمر على الآخر دون الأنا، وهذا يجعلنا دائما نرى فقط عنصر القوة والسلطة وكأنهما البعد الواحد والوحيد الحاكم لمسار الظواهر، دون تحليل لأسباب القوة ومصادر اكتسابها. وننسى هنا عنصر العمل والفعالية لدى الأنا، وأن علاقات الدول علاقات تفاعل، وليست إما فعلا أو انفعالا، فاعلا أو مفعولا به. وإذا أكدنا على أنفسنا وفعاليتها هنا، فإننا سوف نناقش القضية من زاويتين ومنطلقين؛ الأنا والآخر في تفاعل، دوري ودور الآخر، مسئوليتي ومسئولية الآخر، قبول التحدي وإرادة الفعل كمجال صراع.

وحين نقول الجات مثلا، فهذا فعل الآخر. والسؤال: ماذا عن فعلي أنا؟ ليست القضية قيما أخلاقية مجردة، ليست هي التماس الحق المجرد المطلق من أي صراع على المصالح؛ لأننا نحن كذلك لسنا مجردين من المصالح، ولكننا نبرر نهج التواكل والاستكانة والنزوع الاستهلاكي. وهذا النهج يحمل ثنائية نقيضية هي: إما أنا أو الآخر، الصدر أو القبر، الهيمنة لي مطلقة أو للآخر، وحين تتوفر لي القوة فأنا وحدي، وهذه شهادة التاريخ.

والجات، في ضوء هذا الفهم، آلية تشغيل وضبط علاقات في المستوى الدولي؛ فالعالم ينتج آلياته في سياق التاريخ الاجتماعي. مقتضيات ورؤى العناصر المؤثرة الفاعلة طبقا لمستوى حضارة العصر. وهي آلية جماعية غير متجانسة، ليست نسيجا متجانسا، بل يحمل تناقضاته شأن أي واقع اجتماعي محلي أو عالمي؛ ومن ثم تنطوي على احتمالات الحركة والتغير.

والحضارة هي إبداع ثقافي وفكري على مستوى المجتمع الدولي الآن. وهذا المنتج الثقافي الفكري الجديد يحمل قدرات وسلطات، ويتحرك في مناخ ثقافي اجتماعي، وفي إطار من العلاقات المتبادلة المتفاعلة. وهذا من شأنه أن يحدد رؤى حركية للواقع من الحاضر إلى المستقبل عبر الفعل الاجتماعي النشط؛ ولهذا يتحرك في إطار تناقضات حتى وإن علا صوت أحد العناصر، وساد الظن بأن الغلبة له، أو زعم أنه خاتم الحضارات ونهاية التاريخ، وأن كلمته هي القول الفصل في الفكر والمذاهب والعقائد. والأمر في جميع الأحوال رهن فعالية أطراف المعادلة، والقدرة على خلق علاقات وأطر عمل جديد. وينطوي عادة هذا التطور الثقافي الفكري على نذر وبشائر للإنسانية أو العالم؛ فقد يكون أنيابا مفترسة في يد العنصر القوي. وقد يكون رسالة للتقدم الإنساني. وينطوي كذلك على طاقات وقوى جديدة، وآفاق أطماع جديدة، مثلما ينطوي على لغة وفكر جديدين. وتثور معه قضايا تتعلق برؤى عن الإنسانية بعامة، عن حقوق الإنسان، وعلاقة الإنسان بالطبيعة، وعن رؤية جديدة للحياة وللوجود، وعن حق التنوع والاختلاف للأفراد أو للمجتمعات، وعن الخصوصيات الثقافية والقومية ... إلخ.

لهذا فإن الحديث عن الجات في إطار العولمة - وأقصد بالعولمة هنا المدلول العلمي والثقافي لحضارة العصر، دون مدلول الهيمنة عبر المضاربات المالية - لا يكتمل إلا إذا تناولنا هذه الاتفاقية أو مجموعة الاتفاقيات في ضوء الواقع العالمي الجديد في تطوره، وأيضا في ضوء النظر إلى أنفسنا وواقعنا وحالنا، مع النظر إلى واقع الآخر وإمكاناته وأطماعه. والتساؤل في وضوح عن: من الذي سيتعولم؛ أي المرشح لفرض العولمة عليه، وفقد دوره الإيجابي - إن وجد - في الإنجازات العلمية والثقافية العالمية ويكون مستهلكا؟ ونسأل كذلك من الذي سيعولم؟ أي المنتج المهيمن بفضل إنتاجه لسلعة مطلوبة داعمة للمرحلة الحضارية. أي من في موقع الفاعل، ومن في موقع المفعول به مرحليا، إلى حين الفعل المضاد والمواجهة؟

الجات كما أشرنا آلية إضافية إلى آليات أخرى؛ مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة الأمريكية. وتهدف هذه الآليات جميعها إلى ضبط العلاقة - في ضوء ميزان القوى - بين دول المركز؛ أي التي لها غلبة الفعل الإنتاجي، ولها الغلبة السياسية والعسكرية بدرجات متفاوتة، وبين هذه في مجموعها وبين دول الأطراف التي لها غلبة الفعل الاستهلاكي. وهذه الآليات جميعها رهن مرحلة بذاتها لواقع جديد هو واقع العولمة الذي هو صيرورة محدداتها ميزان القوى علميا وتقنيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا. وهذه عملية ظهرت مقدماتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويمكن القول: إن ما يجري الآن هو بداية وليس نهاية، وإننا الآن بصدد بداية عملية نشطة يجري خلالها تشكيل الواقع العالمي على مدى هذه الصيرورة؛ نتيجة سلسلة من الصراعات المتعددة الأوجه والأطراف؛ ليبلغ الواقع العالمي على الطريق التطوري نهاية المرحلة وبداية مرحلة أخرى. واطراد هذه الصيرورة لا يعني بحال من الأحوال نهاية التاريخ، ولا ينفي احتمالات تحولات جذرية في مسار هذه المراحل.

وما دام حديثنا عن الجات والكتاب فإننا نركز الضوء على سمة مهمة مميزة لروح العصر، ونعني بذلك العلم إنجازا نظريا وتطبيقيا، والعلم من حيث هو شبكة إنتاج عالمية تتحكم فيها بلدان المركز، وهي البلدان المتقدمة صناعيا، والعلم من حيث هو نشاط اجتماعي مؤسسي، ومن حيث هو سلعة متميزة تحظى ببراءة الاختراع وحق الملكية الفكرية.

وليس لنا أن نواجه واقع اتفاقيات الجات بحجج نظرية مفادها أن الغرب - مركز إنتاج المعلومات - استعمرنا، وعليه أن يرد دينه أو دفع التعويض. ومع صواب هذا الرأي، إلا أن مثل هذا القول لن يعدو كونه صرخة في واد لن يعيرها الأقوياء آذانا مصغية. ومنطق العالم أن الأقوى اقتصاديا وعسكريا وعلميا، هو الأقوى حجة والمسموع كلمة، وأن الأضعف يخضع للأمر الواقع صاغرا ولو إلى حين. لم تأت اتفاقيات الجات بجديد فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية. وإنفاذ هذه الاتفاقيات يشكل عبئا اقتصاديا على البلدان الفقيرة؛ مما يزيدها فقرا وجهلا. وتؤكد هذه الاتفاقيات أن الكتاب والمعلومات عامة سلعة في السوق لمن يشتري، ومن ثم يرى أن النهج الأسلم قبول التحدي والمنافسة، وابتداع سبل جديدة للمنافسة في إنتاج الفكر والثقافة والعلم والمعلومات بعامة. فما هو واقعنا في هذه السوق، نحن والآخر؟ نسأل: ماذا عن دورنا نحن في إنتاج الكتاب والمعلومات والثقافة والملكية الفكرية؟

قلة في العالم تستأثر بإنتاج بضاعة حضارة العصر، وكثرة غالبة معدومة لا تملك شيئا، حظها صفر من الإنتاج، لا تملك حتى القدرة على الاستهلاك الإيجابي النشط؛ أعني الاستهلاك بهدف الإنتاج والإبداع والتطور.

Page inconnue